صراخ وعويل النسوة بعد صلاة العشاء، أصوات باتت شهرزاد تسمعها كثيراً في الفترة الأخيرة، مصدرها جامع الكونية في مدينة نابل (60 كلم شرق تونس العاصمة)، حيث تقطن شهرزاد. في البداية ظنت أن السبب هو حالة وفاة في المنطقة. ولكن تكرار الصراخ يومياً وفي نفس التوقيت أثار شكوكها وريبتها مما دفعها إلى استطلاع الامر.

اقتربت شهرزاد بحذر من مصدر الصوت الذي كان يخرج من فناء الجامع دون أن تدخل المكان، لكنها استطاعت أن تتبين الأمر. كانت هناك امرأة تمر بعملية “استخراج الجن” من داخلها، وهي تصيح باستعمال مكبر صوت، والنسوة يصحن معها ويرددن ما تقول.

صراخ وعويل النسوة بعد صلاة العشاء، أصوات باتت شهرزاد تسمعها كثيراً في الفترة الأخيرة، مصدرها جامع الكونية في مدينة نابل (60 كلم شرق تونس العاصمة)، حيث تقطن شهرزاد. في البداية ظنت أن السبب هو حالة وفاة في المنطقة. ولكن تكرار الصراخ يومياً وفي نفس التوقيت أثار شكوكها وريبتها مما دفعها إلى استطلاع الامر.

اقتربت شهرزاد بحذر من مصدر الصوت الذي كان يخرج من فناء الجامع دون أن تدخل المكان، لكنها استطاعت أن تتبين الأمر. كانت هناك امرأة تمر بعملية “استخراج الجن” من داخلها، وهي تصيح باستعمال مكبر صوت، والنسوة يصحن معها ويرددن ما تقول.

لم تخفِ شهرزاد استغرابها مما سمعته وشاهدته بأم عينها، وبخاصة تهافت الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الثانية عشر سنة، وتزاحمهم للدخول ومشاهدة ”العرض” منذ بدايته وحتى آخر لحظة.

عديدة هي الروايات التي أصبح يتناقلها سكان مدينة نابل بخصوص عملية استخراج الجن وقيام بعض الشيوخ بجامع “الكونية” بمداواة المرضى. يتم ذلك على الملأ باستعمال مكبرات الصوت وبحضور الكبار والصغار الذين دفعهم الفضول لاكتشاف عالم غريب عن سمعهم وبصرهم.

السلطات غير معنية رغم تذمر الاهالي

تكرار الحدث أصبح يمثل مصدر إزعاج للمواطنين وخطراً كبيراً على نفسية الأطفال، الذين كانوا عاجزين عن تصديق أو تكذيب ما يرون. وهو ما دفع بالأهالي إلى رفع الأمر إلى السلطات المعنية في محاولة منهم إنهاء “المهزلة”، ووضع حد لمثل هذه الممارسات التي أصبحت تزعج المصلين وتمنعهم من الصلاة، نظراً للاكتظاظ الحاصل داخل المسجد.

لكن بالرغم من خطورة وحساسية المسالة لم تحرك السلطات المعنية ساكناً ولم تتخذ اي إجراء لوضع حد لما يجري.

في المقابل وبعد أن سمع بعض الشيوخ المشرفين على هذه الممارسات باستياء المواطنين وشكواهم ألغوا استعمال المصدح، وغيّروا المسجد، حيث أصبحت “العروض” نفسها تقام في مساجد مدن مجاورة وسط حضور جماهيري مكثف.

الشيخ يتحدث مع الجن 

أحد المواطنين الذين واكبوا عرض ما سمي بعملية “استخراج الجن” أكد لـ”مراسلون” أنه عندما بدأ الشيخ تلاوة بعض الآيات القرآنية سقط أحد الحاضرين مغشياً عليه، فوضعه مساعدان للشيخ على كرسي مجاور، ووضع مصدحاً ثانياً على مستوى فم المريض وبدأت عملية “المداواة”.

ويواصل شاهد العيان سرد ما جرى قائلاً: “بدأ الشيخ بالحديث مباشرة مع الجن، حيث سأله عن اسمه، فأكد له أنه جن كافر وأن والد الشاب هو من قام بسحره”، ثم ادعى الشيخ بعد ذلك أن الجن أعلن إسلامه أمام الحضور.

ويضيف المتحدث “انحنى الشيخ وكأنه في عرض مسرحي، وهو يتظاهر بأنه يخاطب الجن ويسأله عن وجهته بعد أن يخرج من جسم المريض. ويلتفت الشيخ إلى الجمهور ليعلمهم أنه أجابه: إلى السعودية، حينها صاح الشيخ: أقترح أن تذهب لنصرة أهل الشام”.

وهنا أشار المواطن لـ”مراسلون” إلى أنه “لا يخفى على أحد أن كلام الشيخ يحتوي على خطاب تحريضي على الزج بشبابنا للجهاد في سوريا بطريقة غير مباشرة”، ووصف ما شاهده بالخطير، لأنه “خطاب تحريضي باسم الدين وتوظيف القرآن لغسل الأدمغة واستغفال الناس”.

وزارة الشؤون الدينية تستنكر

وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي، خلال اشرافه على المؤتمر التأسيسي لتنسيقية الجمعيات بنابل، استنكر هذه الظاهرة الغريبة التي لوحظت مؤخراً داخل بعض المساجد بالمدينة. ودعا إلى النأي بالمساجد عن كل ما يخل برسالتها وتحويلها إلى مكان لمعالجة بعض المرضى، كما ندد بما يحدث من تجاوزات.  

وقال: “أماكن العلاج معروفة والمساجد لم تجعل لمثل هذه الممارسات”، مضيفاً: “هناك خطر كبير على حياة المريض، قد يصل إلى احتمال وفاته بدل معالجته”.

وأشار إلى وجود تجاوزات عديدة داخل المساجد: كالاختلاط بين النساء والرجال، وكذلك وجود الأطفال الصغار الذين اصبحوا يرتادون المسجد بصحبة أوليائهم للفرجة لا للعبادة”.

وقال: “نحن اليوم مطالبون بإعادة هيبة وقدسية المساجد وأحكام توظيفها للصلاة وللدروس العلمية”. ودعا الأئمة والخطباء والمصلين إلى مزيد من اليقظة والتحلي بالحكمة، وخاصة المحافظة على الدور الحقيقي للمسجد والتصدي للتجاوزات.

علاج السحر عند مختصين

الشيخ فريد الباجي، رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية (المتمسكة بالاعتدال والتسامح الديني) وممثل المجلس الدولي للعالم الإسلامي في تونس، استغرب مثل هذه الممارسات واعتبرها دخيلة على المساجد.

يقول لـ”مراسلون”: “المساجد جُعلت ليرتادها المصلون للصلاة والعبادة، لا استغلالها لممارسة الدجل والشعوذة أمام مرأى ومسمع الجميع لتصبح فرجة للعموم”.

ووصف من يتولون إخراج الجن بـ”الجهلة والعشوائيين”، قبل أن يضيف: “لا يمكن أن ننكر أن السحر مذكور في القرآن، ولكن علاجه لا يكون إلا عند أطباء نفسانيين ومختصين، فذلك يحتاج إلى علم ودراسة لسنوات، ولا يمكن لأي كان أن يقوم بهذه المهمة”.

كما أكد أن تفشي هذه الظاهرة الغريبة في الفترة الأخيرة سببه وجود أطراف استغلت الوضع الذي تمر به البلاد للارتزاق وابتزاز الناس واستغلال جهلهم بهدف الشهرة وكسب المال”.

وبالعودة إلى جامع الكونية في نابل، حيث تقول شهرزاد: ”لقد كنت أشاهد أطفالاً صغاراً يخرجون من الجامع بوجوه ارتسمت عليها علامات الخوف والهلع من المشهد الذي لم أقوَ  ولم أجرأ على مشاهدته وأنا في سني هذه، فكيف لطفل صغير أن يستوعب ويتحمل ما يحدث والغريب أنهم كانوا برفقة أهلهم”.