بعد الإعلان عن هروب الرئيس السابق تأسست اللجان الشعبيَة في تونس. وكانت مهمَتها حماية الممتلكات في ظل فراغ أمني. نشأة تلك اللجان كانت تلقائيَة، ويجتمع أغلب الشباب والكهول كل ليلة ويحملون الهراوات بغية حماية الأحياء التي يقطنوها من كل دخيل وتحسّبا لأي طارئ.

لكن بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية، انتظمت هذه اللجان في جمعيات قانونية تحت اسم رابطات حماية الثورة، وهيمن عليها توجه مقرب من حركة النهضة. وبعد قرابة سنتين على قيام الثورة في تونس أصبحت هذه الرابطات الذراع التي ترهب به حركة النهضة خصومها.

عنف حد القتل

بعد الإعلان عن هروب الرئيس السابق تأسست اللجان الشعبيَة في تونس. وكانت مهمَتها حماية الممتلكات في ظل فراغ أمني. نشأة تلك اللجان كانت تلقائيَة، ويجتمع أغلب الشباب والكهول كل ليلة ويحملون الهراوات بغية حماية الأحياء التي يقطنوها من كل دخيل وتحسّبا لأي طارئ.

لكن بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية، انتظمت هذه اللجان في جمعيات قانونية تحت اسم رابطات حماية الثورة، وهيمن عليها توجه مقرب من حركة النهضة. وبعد قرابة سنتين على قيام الثورة في تونس أصبحت هذه الرابطات الذراع التي ترهب به حركة النهضة خصومها.

عنف حد القتل

حادثة مقتل منسق حزب نداء تونس المعارض لطفي نقض بمحافظة تطاوين (600 كلم جنوب العاصمة) بعد تعرّضه للعنف الشّديد، إثر تظاهرة احتجاجية نظمتها “الرابطة الوطنية لحماية الثورة” بالجهة للمطالبة بتطهير الإدارة من أزلام النظام السابق، مثلت حدثاً زاد في حدّة تهجم أحزاب المعارضة التونسية على رابطات حماية الثورة وتصعيد نسق المطالبة بحلَها.

واعتبر آنذاك “حزب نداء تونس” الذي يقوده الباجي قائد السبسي، الوزير الأول السابق، أن مقتل لطفي نقض كان “أول عملية اغتيال سياسي” في تونس بعد الثورة، نفذتها مليشيَات تابعة لحركة النهضة تحت غطاء رابطة حماية الثَورة. وأعلن أحد قيادي حزب نداء تونس أنهم لن يشاركوا في الانتخابات ما لم يتمّ حلّ الرّابطة الوطنيّة لحماية الثورة.

أحدث الاعتداءات التي أُلقيت على عاتق رابطة حماية الثورة هي الهجوم على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل بوسط العاصمة، يوم الاحتفال بمرور 60 عاماً على رحيل المناضل النقابي فرحات حشاد. ممّا أسفر عن وقوع 20 جريحاً بعد تبادل للعنف بين نقابيّين ومنتمين لرابطة حماية الثّورة.

وزارة الدّاخليّة التّونسيّة أعلنت في بيان لها عقب أحداث العنف أن “عدداً من النقابيين تجمعوا الثلاثاء في ساحة محمد علي في ظروف عادية، وتجمعت مجموعة أخرى من المواطنين أغلبها من رابطة حماية الثورة. وهو ما خلق جواً من التشنج والتوتر بالمكان تطور إلى مناوشات وتبادل عنف بالحجارة والعصي”.

وتتّهم حركة النّهضة الإسلامية الاتّحاد العامّ التونسي للشغل (أكبر منظّمة نقابيّة في البلاد) بأنه حاد عن عمله النّقابي، وأصبح يمثّل معارضة سياسيّة، ويسعى عبر تنظيم الإضرابات وشحن الاحتقان الاجتماعي إلى تعطيل عمل الحكومة لخدمة الأطراف السياسيّة القريبة منه، بخاصة اليسار. 

من ناحيتها، تنفي حركة النهضة باستمرار علاقتها برابطة حماية الثورة، لكنها في الوقت ذاته ترفض فكرة حلّها. في حين تقول أحزاب المعارضة إن الرابطة “ذراع” للحركة مهمّتها ترويع خصومها السياسيّين.

نحن نحمي الثّورة

محمد هداية، الكاتب العام للرابطة الوطنيّة لحماية الثورة والناطق الرسمي باسمها، نفى لـ”مراسلون” كل الاتهامات الموجّهة ضدّهم قائلاً: “ليس صحيحاً أننا ميليشيات تستعملها حركة النَهضة للتضييق على خصومها السَياسيَين، وهذا الاتهام أو الخلط سببه أن أغلب الناشطين في رابطة حماية الثورة من المتعاطفين مع النهضة، لكن في الواقع نحن نعمل باستقلالية تامة”.

ويؤكّد النّاطق الرسمي باسم الجمعيّة المثيرة للجدل أنّ رابطة حماية الثّورة تخضع لقانون الجمعيَات وتنبذ العنف، وأنّه ليس هناك من يحمي الثورة غيرهم، فالأحزاب الحاكمة همَها الوحيد البقاء في السَلطة والأحزاب المعارضة لا هدف لها سوى بلوغها، على حدّ تعبيره.

ويُرجع هداية تصاعد نسق المطالبة بحلّ الرّابطة الوطنيّة لحماية الثورة إلى تمسّكهم بتسريع المصادقة على قانون العزل السياسي وتحصين الثّورة من عودة من يعتبرونهم أزلام النّظام السابق. 

وتُطالب الرابطة بسنّ قانون العزل السياسيّ لمنع المنتسبين إلى حزب التجمع المنحلّ (الحزب الحاكم في عهد النظام السابق) من العودة إلى الحياة السياسية، وتعتبر حزب نداء تونس الذي يقوده الباجي قائد السبسي، الوزير الأول السابق، امتداداً لحزب التجمع المنحلّ.

في هذا السّياق يقول هداية لـ”مراسلون”: “بالنَسبة لنداء تونس نحن نمثل خطراً عليهم، والذين يطالبون بحلنا لديهم مشكلة مع الثورة باعتبار أنها قضت على مصالحهم؛ وليس من المعقول أن يطالب أي تونسي يتحلَى ببعض الوطنيَة بحلَ الجمعيَة الوحيدة التي تحمي الثورة. لكن الحزب الجمهوري وحركة نداء تونس لم يبلغا الحكم بعد ويريدان حلَ جمعيَات من المجتمع المدني. فما بالك لو أمسكا بمقاليد السَلطة”.

وتهدف الرابطة، حسب قانونها الأساسيّ، إلى “المحافظة على أهداف الثورة ومكتسباتها وكشف منظومة الفساد والتصدّي إلى عودة رموز النظام السابق”.

وسبق للرابطة أن حصلت على صفة قانونية من الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة في يونيو/جوان 2012، وتتكون من أكثر من عشرين فرعاً جهويا ومحليّا على كامل التراب التونسيّ، إضافة إلى مكتب تنفيذيّ يجتمع بصفة دورية لاتخاذ المواقف والقرارات.

هم ضمير الثورة

رئيس حركة النّهضة راشد الغنّوشي يرفض حلّ رابطة حماية الثّورة، ويعتبر هذه الجمعيّة “ضمير الثورة” نظراً لكون أعضائها يقفون على نفس المسافة من كلّ الأحزاب، حسب قوله، ولا ينحازون لأي تيّار سياسي. 

كما ينفي الغنوشي انتماءهم لحركة النّهضة. وقد برّر ذلك قائلاً: “نقدهم للحكومة ولحركة النهضة ليس بالقليل، خاصة عندما يرون أن النهضة تُغَلب جانب الحساب والمصلحة على الجانب الثوري”، مضيفاً: “هؤلاء محكومون بالمبادئ والقيم”.

وأكّد الغنوشي في مقابلة مع إحدى الإذاعات الخاصة أن المنتمين إلى الرابطة “هم الذين صنعوا وقادوا الثورة” التونسية التي اطاحت في 14 يناير/كانون ثان 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وأن الرابطة “استمدت شرعيتها من نضالها، ولا أحد له الحق في إنهاء هذه الشرعية”. 

طالبوا برأسي

القيادي في الحزب الجمهوري المعارض، عصام الشابي، تعرّض للتّهديد بالقتل من طرف رابطة حماية الثورة، ويقول السياسيّ المعارض لـ”مراسلون”: “طالبت رابطة حماية الثورة بمحافظة سوسة برأسي، ولكن لا أعتبر أنّها قضيّة شخصيّة. كنّا نتمنّى أن تبادر الحكومة، باعتبارها القائمة على أمن المواطنين والحرّيّات الفرديّة والعامة، بحل ما يسمّى برابطات حماية الثورة، نظراً لأنها تدعو صراحة إلى العنف، بل وتمارسه وتسبّبت في سقوط ضحايا”. 

ومن وجهة نظر الشابي فإن رابطة حماية الثّورة تريد أن تحلّ محلّ الأجهزة الرّسميّة للدّولة وأن تفرض منطقها الخاصّ عن طريق ترهيب المواطنين والاعتداء عليهم. و أن هذا خطر يهدّد مسار الانتقال الدّيمقراطي ويتعارض مع قانون الجمعيّات، لذا يتوجّب حلّها. ويتابع قائلاً: “وضع البلاد اليوم يستوجب تسمية الأشياء بمسمّياتها، تتألف رابطة حماية الثورة من 99 في المائة من مناصري حركة النهضة. وقيادات الحركة يرفضون حلّها. ونحن نقول لهم: ضعوا مصلحة البلاد فوق مصلحتكم الحزبيّة”.  

الجانب القانوني

المختصّ في القانون الدّستوري شفيق صرصار تحدّث لـ”مراسلون” عن الجانب القانوني للجدل المتعلّق بالرابطة الوطنيّة لحماية الثورة، ويقول: “بعد أن باشر المجلس الوطني التأسيسي أعماله، تحولت لجان حماية الثورة إلى جمعيّة؛ أي أنها تتمتّع بحقوق الجمعيّات وعليها واجباتها التي يقرّها قانون الجمعيّات، ومن أهمها نبذ العنف. والخروج عن هذه الواجبات يؤدّي إلى طرح مسألة حلّها”.

ويتابع الخبير القانوني: “مسار حلّ الجمعيّات يمرّ بثلاث خطوات، أوّلاً يتم تنبيهها بضرورة الالتزام بالقانون الذي ينظّمها، ومن ثم يمكن لرئيس الحكومة تعليق نشاطها، وأخيرا يتم رفع دعوى للقضاء لحلّ الجمعيّة بصفة نهائيّة”. 

وتجدر الإشارة إلى أنه استناداً إلى الفصل الرّابع من المرسوم رقم 88 المؤرّخ في 24 سبتمبر/أيلول 2011 المتعلّق بقانون الجمعيّات، فإنّه “يحجر على الجمعيات أن تعتمد في نظامها الأساسي أو بياناتها أو في برامجها أو في أنشطتها الدّعوة إلى العنف والكراهيّة والتّعصّب والتمييز على أسس دينيّة أو جنسيّة أو جهويّة”.