أصبحت قضية اللجوء والهجرة قضية محورية حول العالم في السنوات الماضية، والحديث لا يتوقف عن أزمة في أوربا نتيجة المهاجرين غير النظاميين الذي يصلون عبر المتوسط من دول كثيرة من بينها مصر، والدعايا الأساسية لكل الأحزاب اليمينية -الصاعدة في أوربا بقوة- يرتكز على ضرورة إيقاف الهجرة غير النظامية، وهناك حديث غير رسمي بشأن اتفاقات منع و إعادة المهاجرون إلى اوروبا إلى بلدان العبورمرة أخرى.

 

أصبحت قضية اللجوء والهجرة قضية محورية حول العالم في السنوات الماضية، والحديث لا يتوقف عن أزمة في أوربا نتيجة المهاجرين غير النظاميين الذي يصلون عبر المتوسط من دول كثيرة من بينها مصر، والدعايا الأساسية لكل الأحزاب اليمينية -الصاعدة في أوربا بقوة- يرتكز على ضرورة إيقاف الهجرة غير النظامية، وهناك حديث غير رسمي بشأن اتفاقات منع و إعادة المهاجرون إلى اوروبا إلى بلدان العبورمرة أخرى.

 عن قضية الهجرة واللجوء بجوانبها الواسعة والدقيقة يتحدث دكتور ابراهيم عوض رئيس مركز دراسات الهجرة واللاجئين بالجامعة الأمريكية في القاهرة والمدير السابق لبرنامج الهجرة في منظمة العمل الدولية.

 

–          بداية.. من هو اللاجئ ومن هو المهاجر؟

القضية بشكل عام هي قضية انتقال للبشر، ولكن يجب التمييز بين المهاجر واللاجئ، فالوضع القانوني للمهاجر يختلف عن الوضع القانوني للاجئ.

المهاجر هو من يعيش في بلد غير بلد مولده لمدة سنة + يوم، بصرف النظر عن أوراقه. هذا هو التعريف الاحصائي الذي نعمل به. أما اللاجئ -حسب تعريف اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين- فهو شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل / تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد.

–          بشكل عام.. لماذا يهاجر البشر؟

وفق تقديرات عام 2016 هناك حوالي 232 مليون مهاجر حول العالم. 65% منهم فوق سن 15 هم عمال مهاجرين، وبالتالي فآن الناس تنتقل بالاساس للعمل، نتيجة الفروق في الدخول، والبطالة في بلادهم أو ظروف العمل في بلادهم، ولكن أيضا بلدان الاستقبال تحتاج إليهم، فألمانيا  على سبيل المثال تعلم ذلك جيدا، فهم يحتاجون إلى أيدي عاملة، بسبب نقص معدلات المواليد التي تؤدي إلى انكماش قوة العمل، وبالتالي هناك مصلحة عند الطرفين.

هناك بالطبع ظروف سياسية أيضا تؤدي الى الهجرة، ففي التسعينات في الجزائر هاجرت اعداد كبيرة  هربا مما سمي ب”العشرية السوداء”-فترة الصراع المسلح بين النظام الجزائري وفصائل متشددة  تتبنى أفكار موالية لـ “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” بعد الغاء الجيش الجزائري لنتيجة الانتخابات البرلمانية بعد فوز الجبهة بها في العام 1991- . فالعنف سبب رئيسي للهجرة، مثلما حدث في الثمانينات في اريتريا، وفي العقد الأول من الألفية الحالية في العراق، ومؤخرا في سوريا.

–          إذا كانت دول الاستقبال تحتاج لأيدي عاملة.. فلماذا يتعامل العالم مع قضية اللاجئين باعتبارها أزمة؟

قضية اللجوء والهجرة ليستا مشكلة، فالعالم عرف الهجرة على طول تاريخه، وهي جزء من تاريخ البشرية، ودائما كانت في مصلحة البشرية، ودائما ما خرج الناس يبحثون عن فرص حياة أفضل في أماكن غير التي ولدوا فيها.

المسألة بدأت مع نشأة الدول القومية عبر القرن التاسع عشر، وأصبح المهاجرون يتحركون إلى دول، فنشأت قضية “الأجانب”، لأن الدول أصبحت تميز لصالح مواطنيها، بعكس الأجنبي، في حقوق مثل العمل، والتصويت.

المسألة ان هناك الحركات السياسية اليمينية المتطرفة صاعدة في العالم الأن، وتثير  قضايا المهاجرين وبالتالي اللاجئين على اعتبار انهم سبب المشاكل. بينما القضايا الحقيقية هي قضايا اقتصادية واجتماعية، فالسياسات الاقتصادية أدت إلى تفاوت كبير بين الناس، وسكان هذه البلاد عانوا من هذه السياسات في الاربعين سنة الماضية، واليمين فسر المشكلات الاقتصادية أنها بسبب المهاجرين واللاجئين الموجودين في بلادهم، بينما في الواقع المشكلة اعمق واكبر بكثير، وتخص السياسات الاقتصادية نفسها، وما اسهل اعادة التفسير استنادا للمشاعر القومية والهوية.

–          إذا انتقلنا إلى هنا..ما هو وضع اللاجئين في مصر؟

مصر تعتبر نفسها دولة لجوء، بينما تعتبر ها أوروبا دولة عبور، الأمر يرتبط بمن يضع المفاهيم. هناك لاجئين وهناك مهاجرين، المسجلين بالمفوضية هم اللاجئين فقط، ولكن الكثيرين غير مسجلين، والبعض أغلقت ملفاتهم ولكنهم باقون في مصر، الرقم ليس كبير ولا يقترب بأي شكل من الأشكال لما يقال أنهم بالملايين.

ووفقا للدستور المصري منذ 1923 أي شخص يمكنه اللجوء لمصر، وأيضا مصر طرف في اتفاقية 1951 الدولية الخاصة بوضع اللاجئين، ضمن دول محدودة في الشرق الاوسط من ضمنهم، تونس والمغرب، والجزائر والسودان.  

هو يترتب عليه أن مصر لابد أن تقبل من يلجا إليها طالبا الحماية، وكان يجب ان يكون هناك قانون وطني لتنظيم الأمر لكن مصر فوضت المفوضية لتحديد وضع اللاجئ، مصر مثلها مثل دول نامية في هذا الشأن.

في الحقيقة مصر ليست لديها سياسات تجاه اللاجئين، هي فقط تستقبلهم، وهو أمر جيد، لكن في النهاية لا تفعل لهم الكثير. والوضع صعب، فهم يصلون إلى مصر  في وضع معيشي صعب، يعيشون وسط الفقراء المصريون، والفقراء بينهم ويبن بعضهم لديهم تنافس، فيتصور الفقير المصري  ان اللاجئ يأخذ فرصة عمله وسكنه. ومع تشديد الحدود لا يستطيعون الهجرة، لقد كانت السلطات المصرية  تطلق النار على من يحاول العبور عبر سيناء إلى اسرائيل.

لا يتجاوز عدد اللاجئين المسجلين 250 الف لاجئ، وقد يكون مثلهم غير مسجلين، فلم يصل عدد اللاجئين السوريين في مصر الى 300 الف في أي وقت. سجلت الاحصائيات 139 الف لاجئ سوري، ولكن حتى لو وصل الى 300 الف وسط 90 مليون مصري، فهذا عدد لا يذكر، اعداد اللاجئين الكبيرة هي في لبنان والاردن، فهناك مليون ونصف لاجئ ضمن 6 ملايين مواطن، في لبنان.

–          هل تغير وضع اللاجئين في مصر في السنوات الماضية؟

استقبلت مصر قبل الثورة لاجئين من القرن الافريقي وعراقيين ومع قدوم السوريين زاد العبء على المفوضية، خاصة  مع الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة، بالإضافة إلى أن الدول المتقدمة لا تقدم فرص إعادة توطين كافية للاجئين.

تغير الوضع بالنسبة للاجئين وفقا للتطورات السياسية، ففي عامي 2011-2012 كان هناك ترحيبا كبيرا باللاجئين السوريين ، وتم اعتبارهم ضحايا لثورة مشابهة للمصرية تطالب بالحرية والديمقراطية والمساواة، خاصة وأنه لم يكن هناك تأشيرات دخول بين مصر وسوريا، والسوريون يأتون الى مصر منذ القرن التاسع عشر.

لكن حين جاء محمد مرسي رئيسا لمصر فسر الثورة السورية باعتبارها اسلامية، كما أن الجماعات الاسلامية استولت على الصورة في سوريا، فقدم ترحيبا زائدا، وترك المنظمات تساعدهم، خاصة التابعة للإخوان المسلمين، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع عدد المهاجرين  الوافدين من سوريا. ولذلك حين سقط مرسي الناس اعتبرت أن كل السوريين مناصرين للإخوان، فكانت هناك حملة بشعة ومعيبة وكراهية ضدهم مما دفع الكثيرين للهجرة، وانخفض عددهم من 139 الف إلى 116 الف. ولكن انسحبت هذه الهجمة بعد عدة اشهر، خاصة وأنهم السوريين نشطين ويعملون في السوق المصري. لكن  يظل الخطاب القومي المبالغ فيه في مصر، وفي العالم يجعل أي أجنبي وكأنه مصدر خطر.

–          هل مصر  دولة محورية لاوربا فيما يخص قضية اللاجئين؟

مصر ليست الدولة الوحيدة المحورية بالنسبة لاوروبا فيما يخص قضية اللاجئين، بل كل بلاد المتوسط، وهذا ليس أمر جديد، لكن الازمة الحقيقية موجودة في الأردن ولبنان أساسا، ففي لبنان والأردن وهما بلدان صغيران، فخمس سكان لبنان لاجئون، وفي الاردن حوالي 8% لاجئون من سوريا وحدها.

ورغم أن لبنان والاردن ليسوا اطراف في الاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين إلا أنهم يقبلون اللاجئين، وفقا لمبدأ في القانون الدولي العرفي، الذي ينص على عدم رفض مجئ شخص يطلب الحماية واللجوء، لذلك تحترمه دول كثيرة منها البلدين حتى لو لم يستطيعوا الإيفاء بكل احتياجاتهم.

حين امتلئت الأردن ولبنان، ذهب اللاجئون السوريون إلى تركيا، ومنها إلى اوربا. في تركيا حوالي  2 مليون لاجئ، لكنهم بالمقارنة ب 85 مليون عدد سكان تركيا، ليس عدد كبير، يظل الوضع في لبنان والأردن أصعب.

ليبيا وتونس فهما الأقرب إلى اوربا في دول شمال افريقيا. ليبيا تعاني من انهيار الدولة، ولن يوقف أحد الهجرة غير النظامية من هناك، لذلك هناك سوريون يهاجرون إلى أوربا عن طريق ليبيا رغم الخطورة، أما مصر  فليست قريبة كتونس وليبيا، أو كتركيا الملاصقة لليونان.

–          هناك تكهنات حول اتفاقات ألمانية مصرية تخص قضية اللاجئين، هل تغير هذه الاتفاقات خريطة المهاجرين؟

هذا الموضوع لا يمكن الحديث عنه لأنه تكهنات، ولم يعلن شئ فيما يخص مصر على سبيل المثال. لكن في العموم مصر لديها سياسة من العهد الملكي بألا يكون هناك معسكرات للاجئين مثلما يوجد في بلدان اخرى. ومن ناحية اخرى لماذا تتحمل مصر او دول الجوار عيوب النظام الدولي والاقليمي؟ ما يقال عن دفع المعونة مقابل إعادة لاجئين هو انتهاك لاتفاقية اللاجئين، وحتى بدون اتفاقية هو انتهاك للقانون الدولي.

اوروبا وصل اليها حوالي مليون لاجئ في 2015، وهو رقم جديد بالنسبة لهم، لكنه في النهاية مليون أمام 500 مليون، ولم تتعامل معهم كل الدول الاوروبية بنفس الطريقة. هناك أشخاص رحبوا وأشخاص مناهضين لللاجئين، في المجر على سبيل المثال موقف الحكومة كان سيئا ولكن هناك مواطنون رحبوا، الحكومة الألمانية رغم تعرضها لضغوط من اليمين والعنصريين إلا أنها اتخذت موقفا جيدا، فلا يجب التعامل مع اوروبا باعتبارها كتلة واحدة.

من يرفض استقبال اللاجئين ينتهك القانون الدولي، وعدم التعاون في تحمل المسئولية لا يمنع مجئ المهاجرين، وهناك أيضا المشروعية والسمعة الدولية، حتى لو لم يكن القانون الدولي إلزامي.فألمانيا استجابت ورحبت باللاجئين لحرصها على سمعتها في المجتمع الدولي وتطبيقا للقانون الدولي. هناك اتجاهات داخل ألمانيا ترى أن المهاجرين هم قوة عمل، وهناك اتجاهات إنسانية للترحيب باللاجئين ولكن هناك اليمين المناهض للاجئين، ومع ذلك لم تستجب الحكومة الالمانية لضغوط اليمين.

هناك معاملة بين الاتحاد الاوروبي و تركيا، أن تقبل الثانية أن يعود اليها من لا تراه الدول الاوروبية يستحق اللجوء، مقابل ادخال لاجئ سوري تراه اوروبا يستحق اللجوء، وتتضمن المعاملة أيضا أن يمنحوا تركيا في المقابل 6 مليار يورو دعم مادي، مع وعد بالغاء تأشيرات الدخول لاوروبا بالنسبة للأتراك. حتى الأن فقط جزء من المبلغ تم إعطاءه لتركيا، ولكن التأشيرات لم تلغَ بعد. لكن تركيا في النهاية بها ملايين اللاجئين، وملاصقة لليونان، فيعبر عن طريقها المهاجرون، بعكس مصر. ويجب الوضع في الاعتبار أنها معاملات وليست اتفاقات حتى لا تمر على البرلمانات الاوروبية.

هناك أيضا اتفاقيات مع المغرب وتونس تسمى readmission agreements تسمح باعادة المهاجرين، ونحن لدينا اتفاق مشابه مع ايطاليا، ولكننا  في مصر لا نقبل عودة  سوى المصريين.

–          ما هو دور المجتمع الدولي  وماهي المسؤولية الدولية تجاه قضية اللاجئين؟

اتفاقية 1951 تنص على التعاون الدولي في تحمل مسئولية اللاجئين، وهذا لا يخص الدول المتاخمة فقط بل المجتمع الدولي باكمله، لأن مشكلة اللاجئين تنم عن مشكلة سياسية في النظام الدولي كله.

لو كان هناك تعاون دولي لكان عدد من يحاولون الهجرة إلى اوروبا من لبنان، الأردن، أو تركيا أقل. التعاون الدولي هو المشاركة في تحمل العبء، هو يأخذ شكل معونات للدول المضيفة ويشمل أيضا استقبال عدد من اللاجئين، في النهاية دول أوربا أستقبلت عدة آلاف، وهو عدد لا يقارن بالنسبة لدول الجوار.

النظام الاقتصادي والسياسي الدولي سيئان، والفقر والنزاعات السياسية تزيد من نسبة المهاجرين.فالنظام الاقتصادي الدولي يخلق تباينات بين الدول وداخل الدول، والغضب في البلدان الاوروبية وفي بلادنا نابع من الفروق الناتجة عن السياسات الاقتصادية. 

هناك اختلال في التوازن الاقتصادي الدولي، فعلى سبيل المثال سياسات تقديم الدعم لانتاج القطن في الولايات المتحدة يؤثر على مزارعين القطن في الغرب الأفريقي، فيهاجروا إلى عواصم دولهم، فلا يجدوا فرص عمل، فيذهبون إلى الأطراف على شواطئ المحيط الاطلسي، فيجدون صيادون السمك هناك عاطلين عن العمل، بسبب أساطيل الصيد الصناعية، فيأخذ الصيادون العاطلون هؤلاء المهاجرون ويقومون بتهريبهم كعمل بديل.

هناك حلول يمكن تبنيها دوليا، يجب المساعدة على حل الصراعات والمشكلات السياسية داخل الدول، ويجب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية داخل الدول التي تؤدي إلى تفاوتات هائلة وبطالة وفرص عمل سيئة وتفاوتات في الدخول.  لابد من الحرص على انتقال البشر وهو أمر سيحدث دائما، الانتقال هو علاقة بين البشر، لابد ان تتلاقح المجتمعات فيما  بينها وهو أمر  يحقق تنوع ثقافي مطلوب.