في مارس من العام 2013 اصدر النائب العام المصري قرارا بمنح المواطنين حق الضبطية القضائية، لمن يمارس أعمال البلطجة أو الشغب فى الشارع، وفي نهاية  نفس العام، وبداية العام 2014، خصصت أجهزة الأمن الوطني والجيش ارقاما ساخنة وضعتها علي صفحاتها وعرضتها علي شاشات القنوات التليفزيونية تدعو المواطنين للابلاغ عن اي نشاطات “ارهابية” او اشخاص ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين أو حسابات الكترونية “تحرض” على عمليات ارهابية وعلى العنف او “نشر” اكاذيب و”بث” فتن تدعو لشق وحدة الصف او تمس امن مصر القومي، وذلك دون تحديد الفعل المحرض او الارهابي المحتمل.

في مارس من العام 2013 اصدر النائب العام المصري قرارا بمنح المواطنين حق الضبطية القضائية، لمن يمارس أعمال البلطجة أو الشغب فى الشارع، وفي نهاية  نفس العام، وبداية العام 2014، خصصت أجهزة الأمن الوطني والجيش ارقاما ساخنة وضعتها علي صفحاتها وعرضتها علي شاشات القنوات التليفزيونية تدعو المواطنين للابلاغ عن اي نشاطات “ارهابية” او اشخاص ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين أو حسابات الكترونية “تحرض” على عمليات ارهابية وعلى العنف او “نشر” اكاذيب و”بث” فتن تدعو لشق وحدة الصف او تمس امن مصر القومي، وذلك دون تحديد الفعل المحرض او الارهابي المحتمل.

تلك الحملة مشابهة لأخري نظمها المجلس العسكري بين عامي 2011 و2012،  ولا تزال كثير من هذه الخطوط فعالة حتي اللحظة، كان ذلك بعد عدة أشهر من عزل الرئيس السابق محمد مرسي بعد تظاهرات في 30 يونيو اعقبها سيطرة الجيش علي الأمور، وبعد الفض بالقوة المفرطة لاعتصامي رابعة والنهضة بالقاهرة والجيزة، الذي خلف ما يقارب الألف قتيل، وقبل تولي وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد بعد انتخابات رئاسية في  مايو 2014.

في اغسطس 2015 دخل قانون مكافحة الارهاب الجديد رقم 94 لسنة 2015 حيز التنفيذ، والذي ينص في مادته 33 علي ” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر وبغرامة لا تقل عن 100 الف جنيه ولا تجاوز 300 الف جنيه او باحدي هاتين العقوبتين كل من علم بوقوع جريمة ارهابية او بالاعداد او التحضير لها، او توافرت لديه معلومات او بيانات تتصل باحد من مرتكبيها وكان بمكنته الابلاغ ولم يبلغ السلطات المختصة”.

وهي المادة التي تستخدم مع المادة المادة 37  من قانون الاجراءات الجنائية لتشجيع المواطنين علي الابلاغ عن مواطنين، وفي احيان أخري ضبطهم وتسليمهم، والتي تنص علي “لكل من شاهد الجانى متلبسا بجناية أو جنحة يجوز فيها قانونا الحبس الإحتياطى ، أن يسلمه إلى أقرب رجل من رجال السلطة العامة دون إحتياج إلى أمر بضبطه”.

ضبطية قضائية للمواطنين

كان محمد شريف، طالب في السنة الثالثة بكلية الحقوق جامعة حلوان، ومجموعة من زملائه في مظاهرة بميدان مصطفي محمود في يناير 2014 الذكري الثالثة للثورة، فض الأمن المظاهرة، فتحرك شريف مع زملائه للابتعاد عن موقع المظاهرة، واستوقفوا سائق أجرة، لكنهم فوجئوا بالسائق يعيدهم الي المنطقة التي كانت بها المظاهرة وليس الي وجهتهم، قبل أن يقوم بتسليمهم في نقطة تفتيش للداخلية. ذهب السائق للضابط المسئول وقال له ” الناس دي رايحة مظاهرات” فرد عليه الضابط ساخرا ” دي تالت دفعة تسلمهالي.. حرام عليك” ثم عاد اليهم السائق طالبا الأجرة.

اتهمت السلطات شريف وزملائه بحيازة متفجرات والانضمام لجماعة ارهابية، والسعي لهدم الدولة، واعتقلوا احتياطيا ستة اشهر منهم شهر ونصف في معسكر للأمن المركزي بالمخالفة لقوانين الاحتجاز والحبس الاحتياطي، وتعرضوا فيهم للتعذيب حتي حكم لهم بالبراءة. يعتقد شريف أن السائق الذي تسبب في حبسه 6 أشهر فعل ذلك بدافع الوطنية لا أكثر، وأنه حكم عليهم لأن “شكلنا شبه العيال بتاعة الثورة”.

تري د. دينا الخواجة، الباحث في علم الاجتماع السياسي واستاذ السياسات العامة في جامعة القاهرة  أن هناك اشخاص يفعلون هذا لانتظار مزايا معينة من النظام، وهناك آخرون  ينبع الامر من وعي اصيل لديهم بان هذا الفعل يرتبط بالوطنية ويتماهون مع النظام بكل ما يتطلب ذلك من دعم باشكال مختلفة.  هناك اتجاهات تصلح لتفسير الأمر في نظر الخواجة، فالدول السلطوية تحافظ علي نفسها من خلال خلق توتر او الحفاظ عليه،  فتحرض فئات اجتماعية ضد أخري.

اتجاه آخر يصلح للتفسير وهو ما  تسميه Maspero Syndrome   وهي حالة استنفار المواطنين لينقذوا البلد ممثلة في نظامها، مثلما فعل بعض الاعلاميون والاعلاميات وقت حادث ماسبيرو في اكتوبر 2011، وهذا الاستنفار حدث قبل ذلك في دول أوروبية وقت الحرب العالمية لمنع اي هجوم علي النظام السياسي، لجعل أي هجوم علي النظام السياسي هو هجوم علي البلد، فالبلد يقصد بها النظام هنا والنظام يقصد به الجيش، وهذا الادعاء يتم انتاجه بشكل يومي عبر الاعلام وغيره من الوسائل، وبالتالي من يعبر عن رأيه ليس خطرا علي النظام بل خطر علي البد.

أما الامتيازات التي ينتظرها المواطنون في المقابل فقد تكون اعتباره من أهل الثقة مما يعني حمايته وسلامته من البطش، فيكون المواطن محسوبا علي الدولة وليس عدوا لها.

لماذا يا أبي؟

في رسالته من محبسه لأبيه الذي ابلغ عنه وتسبب في اعتقاله ، كتب خالد عبد الحميد (19 سنة)، طالب في السنة الأولي بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، يقول في ابريل من العام 2015 ” ها أنا اليوم أتممت شهرين علي اعتقالي خلف أسوار الانقلابيين، حتي هذه اللحظة لست مصدقا أو متخيلا ما فعله أبي، وكأنني في كابوس لم استيقظ منه حتي الآن. أكتب لكم هذه الرسالة والدموع تنهمر من عيني. لذا أوصيكم من محبسي هذا نشر هذا الهاشتاج بقدر الامكان “#لماذا_يا_أبي؟ عسي أن تصل له هذه الرسالة وهذا السؤال. مع أني اعلم أن الجواب عليه صعب، ولكن يكفيني ان يسأل نفسه. هل يصح أن ألقي بابني في ايدي هؤلاء المجرمين الظالمين؟ ماذا فعل في دنياه ليعيش مطاردا في فترة شبابه ثم يكملها في السجن؟ هل أجرم؟ هل أذنب؟ هل قتل؟ اسئلة كثيرة ربما يصعب الرد عليها. وإن سألها لنفسه، فربما يعلم بذنبه في حق نفسه”.

كان خالد يقيم مع والدته في محافظة الدقهلية وهي سيدة حقوقية تهتم بقضايا حقوق الانسان عبر جمعية أهلية، وفقا لكلام محاميه أن بعد 30 يونيو اختلف الابن ووالده لآراء سياسية، فالأب كان يرسل تلغرافات للنائب العام ضد اشخاص بدعوي انتمائهم للاخوان أو انهم ضد الشرطة، ومن ضمن هذه التلغرافات واحدا ضد ابنه.

يقول مالك الجبيلي، المحام المستقل بالاستئناف العالي، والمتخصص في قضايا أمن الدولة، أنه في فبراير 2015 وبعد عدة تفجيرات واطلاق نيران علي افراد شرطة وحرق محطات كهرباء بمركز ميت غمر بالمحافظة، حررت قضيتين عسكريتين، اتهم في احدهما خالد، وفصل فيها في يوليو 2015 وحكم علي خالد بثلاث سنوات لأنه حدث، في حين تراوحت الأحكام الاخري بين 15 عام،  والمؤبد.

محضر التحريات الذي اجري في فبراير 2014 يدعي أن خالد وآخرين خلال العام 2014 شكلوا جهاز عمليات نوعية لحرق مؤسسات حيوية والتخطيط لاغتيالات. وفقا للجبيلي حين ذهبت قوات الامن لاعتقال عبد الحميد في فبراير 2015 لم يكن متواجدا في منزله، وفي مارس ذهب عبد الحميد لزيارة والده، فطرده وأبلغ عنه، فالقي القبض عليه فور وصوله منزل والدته، لم يبت في النقض وينتظر خالد في سجن وادي النطرون بعد حبسه حوالي السنة والشهرين.

تعتقد د. دينا الخواجة أن هذا الوضع زاد وتواتر في 2013، والقومية الجارفة التي ارتبطت بما يحدث في سيناء وداعش وربطه بالاخوان، اصبحت هنا شرعية النظام بالاساس مبنية علي حماية المواطنين من الاخوان، خاصة أن وجود الجيش في الحكم غير مبني علي مشاريع اجتماعية بل هو مبني علي مشروع “حماية”. والمواطن الذي يرغب في الالتحاق بهذه المعادلة سيحاول اثبات الولاء حتي ولو بتسليم او الابلاغ عن مواطنين آخرين.

استغلال سلطة وتحريات ملفقة

يقول محمد عيسي السروي، المحامي الحقوقي بمركز هشام مبارك للقانون أن جزء كبير من القضايا يكون فيها وساطة او قرابة مع شخص في الشرطة او القضاء، وربما تكون كيدية، وحين تصل القضايا الي المحكمة تكون بعض التهم جنائية. ففي 2013 قابل السروي  شخصا كان يعمل حلاق في  منطقة المرج، صاحب المحل اراد ان يخرجه من المحل وكانت لديه صلات بالشرطة، فابلغ عنه انه اخوان،  يقول “حاولنا نجيب شهود من الحي لاثبات انه مش اخوان، ولكنه فضل محبوس لحوالي شهر ونصف حتي براءته من القضية”.

يحكي مستشهدا بحالة السيدة سعاد توفيق عبد المولي لديها ولدين في الثانوية العامة، وكان زوجها رأفت محمد محمد عبد الجواد في أحد أيام سبتمبر 2015 يوصل ابنيه نور الدين وعلاء الدين رأفت الي المدرسة في مصر القديمة، اصطدموا بسيارة واكتشفوا ان السائق ضابط، والذي هددهم بدوره  “انه هيوديهم ورا الشمس”، بالفعل القي القبض عليهم واختفوا قسريا شهرين ونصف قبل ظهور الولدين في قسم المعادي وظهور الأب في نيابة أمن الدولة، وتحررت ضدهم قضية رقم  871 لسنة 2015 أمن دولة، بتهم حيازة سلاح والانضمام لجماعة محظورة، ولايزال الثلاثة محبوسين، والمحامون غير قادرين علي الحصول علي نسخة من ورق القضية.

وهناك وسائل أخري للابلاغ عبر شهادة الاثبات، يقول السروي أنه حين يكون هناك واقعة بمظاهرة، لتكييف الاتهامات يضاف في التحريات ان الاهالي ابلغوا  بالاعتداء علي محالهم وقطع الشارع والاشتباك معهم . في القضية  رقم  5957 لسنة 2013 والمتهم فيها النشطاء محمد عادل واحمد دومة واحمد ماهر اثر تظاهرة في عابدين في نوفمبر  2013 كان محرك الدعوي وفقا لأوراق القضية شهادات اهالي وشهادات افراد شرطة ادعوا تعرضهم للاعتداء. من بينهم صاحب مقهي  يدعي سيد كمال مرسي الذي قال في التحقيقات ان المتظاهرين استخدموا الحجارة وكراسي المقهي المملوك له للاعتداء علي الأمن. وكانت العقوبة الحبس ثلاث سنوات سجن وثلاث سنوات مراقبة وغرامة 50 الف جنيه بعد تأييد الحكم في الاستئناف،  لاتهامهم بالتجمهر واستعراض القوة والاعتداء علي موظفين عموميين واتلاف اثاث المقهي.

يعتقد السروي أن التقاضي حق دستوري وعلي أي شخص الابلاغ في حال وقوع ضرر خاص او عام،  ولكن الدولة تشجع المواطنين علي ان يكونوا مخبرين، وفي المقابل فإن الحق في التقاضي في قضايا مثل التعذيب او لمناصرة حقوق شخصية أو عامة لا تتحرك، و خطورة هذا الامر أنه يشجع الفاسدين علي زيادة استغلال نفوذهم وعلي ان يكون لديهم نفوذ اكبر كما أنها تضرب في مقتل فكرة سيادة القانون.

المواطن المثالي ومعايير الوطنية

تري يارا سلطان، باحثة في الثقافة والانثربولوجي، أن انسحاب الدولة من تقديم الخدمات وتوفير القنوات الرسمية لضبط التعامل بين المواطن والسلطة، مع حملات لتشجيع المواطنين علي ان يكونوا مخبرين لدي الدولة، ومنح حقوق الضبطيات القضائية وغيره شجع ان تكون اللا رسمية ممنهجة،  فالمواطن لا يشترط ان يكون موظفا رسميا للابلاغ عن آخر، ولن يسعي للحصول علي حقوقه بالطرق الرسمية، وسيكون لديه سلطة متصورة اخلاقية وسياسية تشجعها الدولة وتجعلها ثقافة.

قريبا انهت سلطان، رسالتها للماجستير تحت عنوان” القومية الشعبية” في الجامعة الأمريكية، عن أشكال الانتماءات الوطنية المختلفة وعلاقة الاشخاص بالدولة والمواطنة. كانت المنطقة محل البحث هي منطقة عين الصيرة بالقاهرة، تابعت سلطان ممارساتهم اليومية مع ممثلي السلطة في الدرجات الأصغر مثل أمناء الشرطة او موظفي المحليات وغيرهم، واختياراتهم السياسية تحت حكم الأخوان. رصدت سلطان ان التفاعلات تلك غير رسمية، وأن أمين الشرطة يصبح علي سبيل المثال واحدا من المنطقة، وأن العائلات الكبيرة المسيطرة علي المنطقة عادة ما تكون هي الوسيط بين الاهالي والشرطة كممثل للدولة علي سبيل المثال، وذلك مقابل الحصول علي حماية ودعم الشرطة “وجمايلهم” وفي المقابل فرض الوصاية والحماية للاهالي.

وحين تغير ممثلو الدولة الذين تكونت وتأسست معهم هذه العلاقات وتهددت سطوة الأسر وموقعهم من الدولة الذي شكلوه عبر السنوات خاصة ممن كانت تربطهم علاقات سياسية عالية المستوي مع نظام مبارك، توقفوا عن مساعدة الدولة لشعورهم بعدم حصولهم علي مصالح في المقابل، فالمزايا قد باتت لأنصار الأخوان في المنطقة، الامر الذي غير ايضا تركيبة المنطقة اجتماعيا وتراتبيا.

في وقت حكم الاخوان ايضا التحق مواطنون موالون للنظام بالمعادلة بممارسة عنف مثل تسليم وحبس المواطنين في احداث الاتحادية ديسمبر 2012، وذلك لالحاق انفسهم ايضا بشرعية النظام، فالقومية/ الوطنية في رأي دينا الخواجة هي مجال يتحكم فيه اصحاب السلطة ورأس المال فيحددوا معايير الوطنية والمواطن المثالي، ويحددوا أنماط التفاعل والصراع الاجتماعي، ومن يتم الاعتراف به في هذا المجال ومن سيكون خارج الدائرة.