حكاية أخبار الأدب غير مسبوقة في تاريخ الصحافة القومية في مصر، وتتماس بشكل كبير مع تحولات الثورة المصرية في صعودها وهبوطها، أيضا تمثل التجربة التي صنعها المحررون طريقا للتخلص من تبعية الصحافة القومية للنظام الحاكم في البلاد. اكتمال التجربة واستمرارها من عدمه يبدو سؤال تصعب الاجابة عليه الان، إذ تبقى الاجابة ايضا مرهونة بالمنحنيات التي تمر بها الثورة في مصر.

نستضيف هنا عدد من شهادات محرري الجريدة ورؤيتهم لتجربة الادارة الجماعية والأفق المفتوح أمام تلك التجربة:   

ياسر عبد الحافظ: بداية طريق صعب

حكاية أخبار الأدب غير مسبوقة في تاريخ الصحافة القومية في مصر، وتتماس بشكل كبير مع تحولات الثورة المصرية في صعودها وهبوطها، أيضا تمثل التجربة التي صنعها المحررون طريقا للتخلص من تبعية الصحافة القومية للنظام الحاكم في البلاد. اكتمال التجربة واستمرارها من عدمه يبدو سؤال تصعب الاجابة عليه الان، إذ تبقى الاجابة ايضا مرهونة بالمنحنيات التي تمر بها الثورة في مصر.

نستضيف هنا عدد من شهادات محرري الجريدة ورؤيتهم لتجربة الادارة الجماعية والأفق المفتوح أمام تلك التجربة:   

ياسر عبد الحافظ: بداية طريق صعب

الصحافة كما أفهمها حالة إبداع جماعية، تبدأ جملة ليضيف إليها زميل لك. نص مفتوح لا ينتهي إلا إن فقد المشاركون في تدوينه الرغبة في الاستمرار. في هذا السياق جاء العدد الذي أصدرناه من “أخبار الأدب” بعد نجاحنا (شبه المكتمل) في إسقاط رئيس تحريرها، لا سلطة أعلى كما ينبغي لعملية كهذه، والأمر بالتأكيد ليس رفضاً مجانياً لتلك السلطة، غير أن الأمر وما فيه أنه لم يعد في مصر (وغالباً العالم العربي) تعريفاً ما للسلطة، حدودها، وظيفتها، علاقتها بما حولها، ومع العاملين معها. لم تندلع الثورة ضد شخص بعينه، ليس فقط ضد رئيس الجمهورية، أو حزبه الحاكم، لكنها قامت لإعادة بناء تصورات كاملة عن علاقات العمل بالأساس، عن المحسوبية، الرشوة، التسلط، كل منظومة الديكتاتورية والفساد التي تبدأ بـ “أنا أعرف أفضل”. عدد “أخبار الأدب” الذي حمل عنوان “الخلاص” مثل بالنسبة لي انتصاراً رمزياً، مجرد بداية لوضع تصور عن كيفية إدارة الصحف القومية، المؤسسات المعروفة بتبعيتها للدولة، تبعية شبه إدارية ومالية تفرض عليها وضعاً لا يتفق مع الخدمة المفترض أن تقدمها لمستهلكها.. المعلومة قد تنقص أو تزيد، والتحليل يلتوي ويتعرج، لأجل تلبية وجهة نظر المالك. لا توجد صحافة غير منحازة بالطبع، لكن المعلومة لا يفترض بها أن تكون كذلك، والآراء تعبر عن وجهة نظر صاحبها بالتأكيد إنما الشرط عدم تعمد الكذب والتضليل. كثيرون اتهموا الصحف القومية بمحاباة السلطة القائمة، ولهم الحق، غير أنهم لم ينتبهوا إلى أن الاتهام ينبغي فقط أن يوجه إلى رئيس تحريرها، من تصور نفسه إلهاً يملك المعرفة والحقيقة لهداية قراء مطبوعته. أما جيش الصحفيين والمحررين في تلك المؤسسات فهو خليط من كل الاتجاهات والتيارات في الشارع، وتمثيل رأيه في الإدارة والتحرير يعني ضمانة بعرض كل ما لدى المجتمع. وذلك التمثيل الجمعي لن يمنحه أحد للصحفيين، ليس فقط للرغبة في تأبيد هذا الشكل السلطوي القديم من الإدارة، إنما أيضاً لأن السلطات المتعاقبة أدمنت أسلوب المنح المالية الزهيدة لإسكات الأصوات المطالبة بحق التواجد وبالإصلاح، وليس سراً في هذا الإطار معرفة أن اللائحة الداخلية التي تحكم عمل كل مؤسسة قومية ظلت إلى عهد قريب سر كهنوتي، ونوع من التجديف العمل على الكشف عنه. وفق هذه الرؤية يمكن وضع تجربة “أخبار الأدب” الآن، تلك التجربة الجماعية في الإدارة التي لا أراها إلا بداية في طريق عمل طويل وصعب.

حسن عبد الموجود: حلم الورشة

تجربة الورشة هي الأكثر ملاءمة لجريدة “أخبار الأدب”، حتى في فترات سابقة عندما كان التراتب الوظيفي الهيراركي يحكمها، كان المحررون، الذين يشكلون عصب الجريدة حالياً، يكسرون تلك التراتبية، في عصر الدولة القديمة، من خلال تدوير الأعمال والأفكار، بحيث يمكن أن يتدخل زميل أكثر إبداعاً في صياغة العناوين، وآخر في تصحيح اللغة العربية، وآخر في بلورة فكرة ما، مع الاعتراف في النهاية بأنه كان هناك تدخل ما من موظف أعلى، قد ينحو بالأعمال إلى اتجاهات أخرى، مع ملاحظة أن الجريدة كانت خلال فترتي جمال الغيطاني وعبلة الرويني كانت تمضي في مسار مخالف للتوجهات الرسمية، رغم أنها تنتمي إلى إحدى المؤسسات القومية.

بكل تأكيد تجربة العددين اللذين صدرا بعد حصول مجدي العفيفي على إجازة يمكن أن يلخصا حلماً للمحررين، المؤمنين بفكرة الورشة، التي يمكن أن يلعب فيها أحدث فرد دور القائد في لحظة ما، بغض النظر عن وجود رئيس تحرير. كانت مناقشة الأفكار، وبلورتها، وصياغتها في موضوعات ومقالات، جماعية. استكتتاب المثقفين تم أيضاً بشكل جماعي، وكذلك اختيار الإبداع، مع الاعتراف طبعاً بأن المجموعة قد تشترك في حدود دنيا من الرؤية، ما يعني أنها قد تشكل “جيتو”، وهو الاتهام الدائم والجاهز الذي يتبناه البعض في وصف محرري أخبار الأدب، ولكن بكل تأكيد فإن العمل في جريدة أو مجلة يقتضي اختياراً ما، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بعمل ثقافي وإبداعي.

الشكل التقليدي، الذي يقضي بوجود رئيس تحرير، لا يمكن إلغاؤه بكل تأكيد، ولكن مع إعادة تعريف دوره، وجعله جزءاً من مجموعة الورشة. يستطيع رئيس التحرير أن يتحدث باسم المطبوعة أمام المالك، أو المؤسسة التي تتبعها، يستطيع أن يوقِّع الأوراق الإدارية، ولكن على مستوى العمل الصحفي يمكنه أن يكون جزءاً من المجموع، يستطيع أن يكون رئيساً في فترة، ويصبح مستمعاً لتوجيهات أحدث محرر في فترة أخرى. هذا ما يقتضيه نظام الورشة، وهو صالح في رأيي للتطبيق في إصدارات التابلويد الأسبوعية، فمطبوعات الستاندرد اليومية، التي تعتمد على الأخبار، والتحليلات الإخبارية، تحتاج إلى أفكار أخرى.

نائل الطوخي: بدون رئيس تحرير

أول تجربة أتذكرها في الإدارة الجماعية داخل جريدة أخبار الأدب حدثت في عهد جمال الغيطاني، حيث سافر رئيس التحرير آنئذ لإجراء للعلاج بأمريكا، واضطر المحررون الجريدة ساعتها لإدارة شئون جريدتهم كما يرون بدون تدخلات من رئيس التحرير. هذه التجربة كانت حاضرة في ذهننا كمحررين في الجريدة وقت نظمنا إضرابا ضد رئيس التحرير التالي للغيطاني، واسمه مصطفى عبد الله، وحين بدا أننا ننظم الإضراب بدون اقتراح بدائل، بدأنا نفكر في البدائل، ومنها اسم عبلة الرويني كاسم من خارج الجريدة، واسم الزميل محمد شعير كاسم من داخل الجريدة، ومجلس تحرير بدون رئيس تحرير. وقدر لنا أن تأتي الزميلة عبلة الرويني رئيسة للتحرير. ولكن هذا يعني أن فكرة إصدار عدد بمشاركة محرريه فقط ومن دون تدخل رئيس تحرير كانت مطروحة في أذهاننا من البداية. كنا حريصين منذ أن أعلن مجدي العفيفي عن طلبه الإجازة أن نعيد التفكير في هذا: عدد يصدر وفيه يتم الإعلان بمباشرة ووضوح أنه صدر بدون رئيس تحرير. نحن نعرف جيدا أننا قادرون على إصدار جريدة نحن الأقدم بها، ليس رئيس التحرير ولا غيره. وربما يكون ما جعلنا ننجح في هذا تقارب خلفياتنا الثقافية وآراؤنا ومعاركنا المشتركة غالباً، وهذا ما جعلنا عقبة أمام رئيس التحرير الحالي، فقد وجد نفسه في وضع أصبح بمقتضاه جميع المحررين في جريدته تقريبا يرفضون العمل به وينتهزون الفرصة لإسقاطه، وقد عبروا علانية أكثر من مرة عن هذا، بعد أن طالبوه أكثر من مرة بتفعيل دور مجلس التحرير وإخضاعه لآلية التصويت، وهذه النقطة الأخيرة هي ما كان يرفضها بعنف ليقينه بأن موافقته عليها ستنتهي في غير صالحه في كل الأحوال. وبالتالي، ونظراً للتقارب بيننا، كانت أيضاً فرصة شق الصف ضعيفة جدا بالنسبة له، وهو ما ساعدنا أيضاً على إعداد عدد بدون خلافات كبيرة حول المواد المنشورة. وإذا ما أثير موضوع خلافي يتم الاتفاق فوراً على اللجوء لآلية التصويت، أي للآلية التي طالما رفضها هو.

محمد شعير: مرآة الثورة

كانت تجربة أخبار الأدب منذ تأسيسها أشبة بخشبة مسرح، يؤدى فيها الجميع دورا غير مكتوب، مسرح مرتجل، تدرك الجريدة أخطاءها أولا بأول، وتصححها. حالة من التجريب المستمر فى الإخراج الفنى، والصياغات والموضوعات …واختيار الكتاب وغيرها. لم تكن تجربة جامدة، أو تتعالى على النقد الموجه إليها من الداخل (فى اجتماعات التحرير) قبل أن يكون نقدا خارجيا من مثقفين أو كتاب ..كان لدى الجميع إدراك أنك لن تستطيع أن ترضي الكل. فى ذلك السياق عمل الجميع وفق قاعدة من الثوابت التى اتفقوا عليها ..كان أهم هذه الثوابت أننا ضد أيه أشكال للرقابة، ضد الفساد الثقافي، مع تبنى المبادرات الجديدة فى الفن والأدب، أن نظل على يسار المؤسسة الثقافية الرسمية، ما يسمح بوجود مساحة من نقدها. لم تفرض هذه الثوابت على أى من محرريها بل كان الجميع على توافق وانسجام فكرى واضح، وإن احتفظ كل محرر بأفكاره الرئيسية. ربما ساهم ذلك فى تبنى أفكار الثورة، لم يحدث انقسام واضح حول القضايا الرئيسية مثلا فيما بينهم، وهو ما مكنهم ايضا من اتخاذ مواقف متشابهة فى كثير من الأحيان، لم يكن من الصعب أن يرفض أى منهم التعاون مع الجريدة فى تدعيم جماعة الإخوان عند وصولهم للسلطة. كانت الجريدة الوحيدة تقريبا – المنتمية إلى الإعلام الرسمي والتى يملكها مجلس الشورى الإخوانى – بينما يتقدم محرروها جميعا التظاهرات ضد الفاشية الدينية، وضد جماعة الإخوان، يوقعون البيانات ضد الجماعة وإعلامها. رفضوا العمل تقريبا بعد ان عجزوا عن كتابة ما يريدون. ولذا لم يكن من الصعب على الإطلاق حتى من قبل 30 يونيو بفترة طويلة أن يسعوا إلى تحرير الجريدة من جماعة الإخوان، لم يكن ثمة خلاف بينهم على طريقة إدارة الجريدة، أو خطها التحريرى، فالثوابت لا خلاف عليها، ولا أحد يمكنه أن يؤيد فاشية أو يكتب ليكفر الآخرين أو منعهم حتى من التعبير عن رأيهم. ربما كان “التقارب الفكري” وتلاشى الفوارق الإيديولوجية بين محرريها هو الذي حمى الجريدة لتصبح “فكرة ” وتصبح مرآة حقيقة للثورة المصرية فى صعودها وانحدارها.

اقرأ أيضا: أخبار الأدب: صحيفة بلا رئيس تحرير