خبر اغتيال الناشط السياسي والمحامي عبد السلام المسماري – 54 عاماً – برصاصة مباشرة في القلب، أحدث رد فعل في مختلف المدن الليبية هو الأعنف منذ اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس في يوليو 2011.

ورغم كون هذه الجريمة جاءت ضمن سلسلة اغتيالات بدأت منذ أشهر في شرق ليبيا، وراح ضحيتها حتى اليوم العشرات من ضباط الجيش والشرطة كلهم يحملون رتباً ومناصب عالية، شكل هذا العمل تصعيداً نوعياً من قبل الجهة التي تقف وراء كل هذا القتل، فهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مدني لم يحمل السلاح يوماً، ولم يقاتل أعداءه إلا بقلمه ولسانه.

عدو الإخوان

خبر اغتيال الناشط السياسي والمحامي عبد السلام المسماري – 54 عاماً – برصاصة مباشرة في القلب، أحدث رد فعل في مختلف المدن الليبية هو الأعنف منذ اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس في يوليو 2011.

ورغم كون هذه الجريمة جاءت ضمن سلسلة اغتيالات بدأت منذ أشهر في شرق ليبيا، وراح ضحيتها حتى اليوم العشرات من ضباط الجيش والشرطة كلهم يحملون رتباً ومناصب عالية، شكل هذا العمل تصعيداً نوعياً من قبل الجهة التي تقف وراء كل هذا القتل، فهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مدني لم يحمل السلاح يوماً، ولم يقاتل أعداءه إلا بقلمه ولسانه.

عدو الإخوان

كان المسماري صاحب مواقف واضحة وصلبة من الكثير من القضايا التي تشغل الرأي العام في ليبيا، فقد عرف عنه معارضته الشديدة لإقرار قانون العزل السياسي، لدرجة أنه تعرض للاعتداء بالضرب في بنغازي إثر مقابلة تلفزيونية على قناة العربية، وصف فيها تنسيقية العزل السياسي بأنها “أداة للانقلاب على الشرعية”.

كما عرف أيضاً بمعارضته لسياسات جماعة الإخوان المسلمين، الذين وصفهم في آخر منشور له على صفحته بموقع فيسبوك بـ”العمالة والمراهقة السياسية”، في سياق اعتراضه على بيان وقع عليه 35 عضواً في المؤتمر الوطني العام جلهم من جماعة الإخوان، اعترضوا من خلاله على ما وصفوه بـ “الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر”، وأعلنوا تضامنهم مع مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي المعتصمين في القاهرة طلباً لعودته إلى الحكم.

أحداث متسارعة

جرائم الاغتيال لم تتوقف بعد وفاة المسماري، فقد اغتيل ضابطان في ذات اليوم وثالث صباح اليوم التالي في بنغازي جميعهم برتبة عقيد، لتكون الحصيلة 4 مستهدفين في أقل من 24 ساعة.

لم يصمت الشارع حيال هذه الجرائم، حيث خرج الشباب عشية الجمعة في معظم المدن الليبية منددين بجماعة الإخوان المسلمين، ومطالبين بحل الأحزاب السياسية حتى يصدر قانون الأحزاب، وكذلك طالبوا بحل الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وحل الميليشيات المسلحة وتشكيل جيش وطني وشرطة تحمي المواطن الليبي.

في بنغازي أيضاً يوم السبت فتح مجهولون أبواب سجن الكويفية ليهرب منه أكثر من 1000 سجين، محبوسون بتهم سرقة وقتل وغيرها ومن بينهم محكومون بالإعدام، تزامناً مع وصول وزيري العدل والداخلية إلى المدينة للوقوف على معطيات الوضع الأمني المتردي فيها.

رئيس الوزراء علي زيدان أعلن في مؤتمر صحفي السبت أيضاً عن عزمه إجراء تعديل وزاري سيشمل تقليصاً للحكومة و تبديلاً لبعض الوزراء، كما أعلن عن طلب ليبيا الاستعانة بفريق جنائي دولي متخصص يصل البلاد في غضون يومين للشروع في التحقيق بقضية اغتيال المسماري.

‫ومن ضمن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بحسب زيدان كان صدور أوامر بإغلاق المنافذ البرية مع دولة مصر بما يسمح بمرور البضائع فقط، تحسباً لعبور المساجين الفارين إلى مصر، وعزمها تسليم الدولة الجارة قائمة بأسماء المطلوبين للعدالة بهدف تسليمهم إلى ليبيا في أقرب وقت.

قائمة مستهدفين

في تلك الأثناء نشرت جهة مجهولة قائمة بأسماء عدد من الإعلاميين والنشطاء السياسيين الذين سيتم تصفيتهم جسدياً، وألحقتها بقائمة ثانية بعد أيام، هذه القوائم شملت عشرات الأسماء من بينها الصحفي عريش سعيد الذي أكد لمراسلون أن القوائم “ليست حقيقية”.

يعزي سعيد اعتقاده هذا لوجود أسماء “لم تفعل شيئا يستحق أن تهدد جراءه بالاغتيال أو مقارعة تجار الموت” بحسب تعبيره، وإن كان يعتقد أنه “لا يجب الاستهانة بها”، حيث يقول بأن الذين ينفذون الاغتيالات لن يردعهم عن ارتكاب المزيد من الجرائم أي وازع ديني أو أخلاقي.

حالة الخوف التي انتشرت في شوارع المدينة التي لم يتوقف القتل فيها طيلة الأيام التالية للجريمة، لم تمنع الشباب من التظاهر ليل الأحد أيضاً، وبعد ساعات على تفجير كبير طال مقر محكمة شمال بنغازي، التي انطلقت من ساحتها شرارات الثورة الأولى، أدى لجرح عدد من الأشخاص وتضرر المبنى بشكل كبير.

ذكرى شهيد

مظاهرة ليل الأحد كانت تحت عنوان “ذكرى شهيد .. إحياء وطن” بمناسبة ذكرى اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، وقصد منظموها وعلى رأسهم المسماري تجديد المطالبة بمحاكمة قاتله، إلا أنها تحولت للتنديد بالعنف الذي تصاعدت وتيرته بشكل كبير في السنة الأخيرة.

صدر عن المظاهرة بيان وصفه الكاتب والمحلل السياسي الليبي عبد الفتاح البشتي في حديثه لمراسلون بأنه “قوي جداً، وينبغي التوقف عنده كثيراً”، حيث وردت في البيان مطالبات كانت تتداول سراً بين فئة من الشباب وتخرج للعلن للمرة الأولى، مثل طلب “سحب صفة مفتي الديار من الصادق الغرياني وتسمية هيئة للإفتاء تجمع علماء البلد” بحسب البيان.

كذلك طالب بيان شباب بنغازي بـ”تجميد المؤتمر الوطني العام وتحميله المسؤولية كاملة فيما يجري من غياب الأمان وعدم بناء الجيش لحساب الأجندات الخارجية”، وتكرر مطلب تجميد الأحزاب السياسية، إضافة إلى حل المجلس المحلي لبنغازي الذي وصفوه بـ “الإخواني”، وتحويل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال، وحل مفوضية الانتخابات وهيئة تطبيق معايير النزاهة والوطنية.

من المطالب المثيرة للجدل كذلك كان قطع العلاقات مع دولة قطر، وإغلاق سفارتها في ليبيا، وتجميد قانون العزل السياسي وإعادته للشعب بالاستفتاء عليه، وحل جميع الكتائب والدروع واللجان الأمنية وإصدار قانون يجرم كل من يحمل السلاح خارج مؤسستي الجيش والشرطة.

رد مناقض

رد المؤتمر على هذا البيان كان مناقضاً تماماً للمطالب، فقد أصدر قراراً بتكليف “المجلس الأعلى للثوار” الذي قام بحصار الوزارات في طرابلس سابقاً للضغط وإقرار قانون العزل السياسي، والمتهم بتهديد أعضاء المؤتمر الذين كانوا يرفضون صيغة القانون للتوقيع عليه، تكليفه بتأمين البلاد بالتنسيق مع اللجان المختصة في المؤتمر.

وحمل رئيس المؤتمر نوري بو سهمين في كلمته فجر الإثنين 29 تموز – يوليو الحكومة مسؤولية أحداث بنغازي، ووجه الاتهام إلى أعوان النظام السابق في القيام بجرائم الاغتيالات والتفجير لزعزعة الأمن، ولم ينسَ أن يلوم الإعلام، ويلوح بسحب تراخيص القنوات الفضائية التي تمارس “الشحن الإعلامي” بحسب وصفه.

بنغازي الأمل

بالمقابل يستبشر البشتي ببيان شباب بنغازي ويؤكد أن مظاهرة مدينة الزاوية صدر عنها بيان قوي أيضاً ولكن ليس كبيان بنغازي، ويوضح “إن كان هناك أمل في التغيير فهو قادم من بنغازي دون غيرها”، إلا أنه يتحفظ على مطلب الشباب بتجميد الأحزاب السياسية.

حيث يقول البشتي “لا يمكن أن تكون هناك حياة سياسية في ليبيا بدون وجود أحزاب، والحديث عن قانون ينظم عمل هذه الأحزاب هو حديث يفتقد للخبرة السياسية، فأهم الأحزاب التي وصلت للسلطة في العالم كانت تعمل سراً وبدون قوانين منظمة”.

إلا أنه يُقر بأن “سوء أداء الحزبين المتصدرين للمشهد السياسي الليبي وصراعهما الدائم الذي عطل حال البلاد، هو الذي نفر الشباب من فكرة الحزبية، وساهم في ترسيخ مقولات عمل القذافي عقوداً على زرعها في عقول الشباب، مثل من تحزب خان والحزبية إجهاض للديمقراطية”.

من جهته يرى الإعلامي ربيع شرير أن بيان بنغازي على أهميته الكبيرة يبقى “بيان بوح”، قيلت فيه مطالب صريحة للمرة الأولى، ولكنه يفتقر لوجود “خارطة طريق لتطبيق تلك المطالب”.

أكثر من أسبوع مر على جريمة الاغتيال، ولا زالت الأحداث تتوالى بسرعة ولا تتوقف، المظاهرات وقطع الطرق في بنغازي مستمرة، المؤتمرات الصحفية لرئيس الوزراء وأعضاء الحكومة مستمرة، المؤتمر الوطني يمضي في قراره تكليف “المجلس الأعلى للثوار” بتأمين البلاد، وسحب تراخيص بعض القنوات الإعلامية، كرة الثلج التي تدحرجت ليس بمقدور أحد التكهن أين أو كيف ستتوقف.