منذ لحظة عرض الفيديو الذي نشره تنظيم الدولة الإسلامية على شبكة الإنترنت في الخامس عشر من فبراير الحالي، والذي يظهر عملية إعدام 21 عاملاً مصرياً تم اختطافهم قرب مدينة سرت وسط ليبيا منذ أشهر، بدأ المشهد السياسي والعسكري في البلاد يتغير بشكل دراماتيكي.

هزة عنيفة أحدثها مشهد ذبح المواطنين المصريين الأقباط، استدعت ردود فعل متباينة ومن الجميع على اختلاف انتماءاتهم، فبينما أدانت الغالبية العظمى هذا العمل لجأت شريحة أخرى لتغليب نظرية المؤامرة وافتراض عدم صحة الفيديو.

منذ لحظة عرض الفيديو الذي نشره تنظيم الدولة الإسلامية على شبكة الإنترنت في الخامس عشر من فبراير الحالي، والذي يظهر عملية إعدام 21 عاملاً مصرياً تم اختطافهم قرب مدينة سرت وسط ليبيا منذ أشهر، بدأ المشهد السياسي والعسكري في البلاد يتغير بشكل دراماتيكي.

هزة عنيفة أحدثها مشهد ذبح المواطنين المصريين الأقباط، استدعت ردود فعل متباينة ومن الجميع على اختلاف انتماءاتهم، فبينما أدانت الغالبية العظمى هذا العمل لجأت شريحة أخرى لتغليب نظرية المؤامرة وافتراض عدم صحة الفيديو.

وتصاعدت حدة المواقف بعد قيام القوات المصرية بشن غارات جوية على مواقع قالت إنها لتنظيم الدولة الإسلامية في درنة انتقاماً لقتل مواطنيها، راح ضحية تلك الغارات سبعة أشخاص بينهم عائلة مكونة من اب وأم وأطفال ثلاثة بحسب مصادر محلية.

تبعتها عملية إنزال قامت بها قوات خاصة مشتركة مصرية ليبية على أحد معسكرات التنظيم بدرنة، راح ضحيتها 155 فرداً من التنظيم وأسر 55 آخرين تم نقلهم إلى القاهرة بحسب صحف إيطالية، وهو ما لم تؤكده مصادر رسمية ليبية حتى اللحظة.

مباركة ليبية

الغارات بررها صقر الجروشي قائد سلاح الجو التابع لمجلس النواب بأنها تمت بالتنسيق مع المجلس وبمشاركة طائرات ليبية.

أما اللواء خليفة حفتر الذي يقود عملية الكرامة “أيد وبقوة” ما وصفه “التدخل العسكري المصري لضرب داعش”، موضحاً بأنه يعتبر القاهرة “مدينة ليبية شقيقة”، ليستدرك في ذات التصريح لقناة تلفزيونية مصرية بأنه لا يحبذ أن يكون التدخل برياً بل “تدخلاً جوياً لا يطال الأرض” وأن يكون “واضحاً وسريعاً، وليس سرياً”.

كما ظهر إصرار الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني على السماح للقوات المصرية بتوجيه ضربات لمواقع تقول أنها للإرهابيين داخل ليبيا، في تصريح وزير الخارجية محمد الدايري الأربعاء بعد عودته من القاهرة، حيث قال إن الحكومة الليبية “طالبت مصر باستمرار توجيه ضربات عسكرية لداعش بالتنسيق مع الجيش الليبي”.

بيد أن مجلس النواب المعني بالأمر لم يصدر عنه أي تصريح بخصوص هذه الضربات لا من قريب ولا من بعيد، ولم يتطرق لذلك حتى في بيان رئيسه عقيلة صالح الذي بث يوم 16 فبراير وهنأ فيه الشعب الليبي بذكرى الثورة، رغم أن كلمته جاءت في نفس اليوم الذي شهد قصف الطيران المصري.

فيديو مفبرك

الرد من حكومة الإنقاذ بطرابلس جاء غاضباً وسريعاً، ومشككاً في صحة الفيديو من أساسه، وذلك على لسان عدد من المسؤولين على رأسهم عمر الحاسي رئيس الحكومة، الذي أدان ما وصفة بـ”العدوان المصري الآثم” على ليبيا.

فيما ذهب خليفة الغويل رئيس المجلس الأعلى للدفاع بحكومة الحاسي أبعد من ذلك، حين صرح لصحيفة الخبر الجزائرية بأن قوة الحماية التي شكلتها رئاسة الأركان التابعة للمؤتمر بطرابلس وذهبت لتأمين مدينة سرت، لم تجد أي آثار للإرهابيين أو لجثث الضحايا.

وتطابقت تصريحاته مع رئيس حكومة الإنقاذ ووزير خارجيته في مطالبة المجتمع الدولي بفتح تحقيق في صحة الفيديو الذي يصور الجريمة، مؤكدين جميعاً بأنه “مفبرك”.

ومتجاهلين مقاطع الفيديو التي بثها التنظيم في الثامن عشر من فبراير، والتي يستعرض فيها قوته العسكرية في أرتال طويلة من المركبات، متجولاً في شوارع مدينة سرت بعدته وعتاده، رافعاً الرايات السوداء التي أصبحت رمزاً لتنظيم الدولة الإسلامية.

مواقف هادئة

أما موقف  دار الإفتاء الليبية فجاء مخالفاً للتوقعات، حيث اعترفت في بيان صادر عنها بوجود تنظيم الدولة الإسلامية في سرت وسيطرته على عدد من المباني الحكومية فيها، واستنكرت جريمة ذبح المصريين الأقباط في ليبيا، مدينة في ذات الوقت ما وصفه البيان بالقصف “العشوائي الآثم للمدنيين” في مدينة درنة.

داعية “المواطنين جميعاً والثوار خصوصاً” إلى تفويت الفرصة على “من يكيدون للبلد من السياسيين المغامرين”، وإلى عدم الانجرار وراء تنظيم الدولة الإسلامية لأن “أعمالها بعيدة كل البعد عن الإسلام وإن تسمت باسمه، لما تضمنه مسلكها من أصول فاسدة” بحسب البيان.

شابه هذا الموقف في الهدوء والانتظار ما حدث على الجبهة الغربية المفتوحة بين قوات جظران وكتائب تابعة لمدينة مصراتة تتقاتل حول منطقة الهلال النفطي، حيث توقف إطلاق النار بين الطرفين منذ خبر سيطرة داعش على مدينة سرت وما تبعه من أحداث، ورغم رفض الطرفين الإدلاء بأية تصريحات، إلا أن مصادر من الخط الأمامي للمعركة أكدت لـ “مراسلون” توقف كافة العمليات العسكرية بين الطرفين.

تمرير قرارات

تزامن مع كل ذلك صراع حاد دار داخل أروقة مجلس النواب، ساهم الوضع السياسي المرتبك في تأجيجه، سببته ضغوطات لتمرير قرار بتعيين قائد عام للجيش الليبي، وهي صفة لم تكن موجودة في هيكلية الجيش أساساً.

قوبلت هذه الضغوطات برفض شديد من بعض النواب، لدرجة تهديدهم بشكل علني أنهم سيسحبون عضوياتهم من المجلس في حال تم تمرير القرار دون تصويت، حتى أن النائب مصعب العابد وصف هذا الوضع بـ “العبث بمجلس النواب”.

تمخض عن الصراع إحالة مقترح إلى اللجنة التشريعية في البرلمان باستحداث صفة جديدة أسموها القائد العام للجيش الليبي، دون تسمية شخصية بعينها لشغل هذه الصفة، رغم أن كل التوقعات تشير إلى أن اللواء خليفة حفتر سيشغل هذا المنصب في حال تم إقراره.

انقسام عمودي

السلطة السياسية والعسكرية في شرق البلاد بدأت ملامح الانقسام فيهما تتضح للعيان، وذلك مع زيادة الضغط باتجاه فرض اللواء خليفة حفتر قائداً عاماً للجيش بدعم بعض أعضاء البرلمان وقطاع من أهالي بعض المدن الليبية.

وهو ما يراه مؤيدوه حقاً له باعتباره يقود الحرب على الإرهاب، ويرى فيه المعارضون تقويضاً للعملية الديمقراطية وفرضاً لسياسة الأمر الواقع، خاصة بعد سعيه لتشكيل مجلس أعلى لقيادة الجيش يراد له في نظر هؤلاء أن يكون بديلاً عن مجلس النواب المهدد بالانهيار تحت الضغوط.

فرغم تحفظ المجلس على الموقف كاملاً عقدت قيادات الجيش برئاسة اللواء حفتر وحضور بعض أعضائه ووزراء من الحكومة، اجتماعاً مع قيادات الجيش المصري حضره الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصياً، هدفه التخطيط لمزيد من العمليات العسكرية داخل ليبيا، حسب مصادر إعلامية متطابقة.

مخاض سياسي تمر به المؤسسات السيادية الليبية في هذه الأزمة، قد ينتج عنه وضع جديد بالكامل يفرضه الأمر الواقع وموازين القوى التي لم تتضح بعد، خاصة وأن الموقف الميداني على الأرض تغير بسقوط أحد أكبر المدن الليبية في يد تنظيم الدولة الأمر الذي عزز مخاوف القوى المساندة للبرلمان في طبرق وحكومة الثني، بينما وجدت قوات فجر ليبيا وحكومة الحاسي نفسها محرجة بعدما أنكرت مراراً وجود الإرهاب في ليبيا لتلجأ للهجوم على التدخل المصري باعتباره مخرجاً من الحرج السياسي شعبياً ودولياً.