منذ وصول التيار الإسلامي إلى سدة الحكم، وعملية إعادة هيكلة بطيئة تحدث لوزارة الاوقاف المصرية، خاصة بعد تعيين وزير أوقاف أعاد للذاكرة عصر”تعليمات المنبر”، التي ينص فيها على ضرورة دعم الرئيس وسياسات حكومته، فما بالنا بمن كان خطيبا إخوانيا ولم ينصاع إلى تعليمات الجماعة من داخلها واختصم مع وزير أوقافها؟


منذ وصول التيار الإسلامي إلى سدة الحكم، وعملية إعادة هيكلة بطيئة تحدث لوزارة الاوقاف المصرية، خاصة بعد تعيين وزير أوقاف أعاد للذاكرة عصر”تعليمات المنبر”، التي ينص فيها على ضرورة دعم الرئيس وسياسات حكومته، فما بالنا بمن كان خطيبا إخوانيا ولم ينصاع إلى تعليمات الجماعة من داخلها واختصم مع وزير أوقافها؟

على أريكة قريبة من الأرض جلس الشيخ أحمد عبد المنعم (٤١ عاما) أمام منزله بقرية تابعة لمركز مدينة كفر الشيخ شمال الدلتا، حاكيا سيرته في الانشقاق عن جماعة الإخوان المسلمين التي بدأت قبل الثورة بعامين ولم تنته تداعياتها على حياته حتى الآن.

“اكتشفت بالقراءة والبحث كيف أن منهج حسن البنا الذي تربينا عليه في الجماعة، يختلف عما ذكر في القرآن”، هكذا بدأ الشيخ عبد المنعم حكايته، مستبعدا عنها الهوى الشخصي، واضعا إياها في قلب السجال الفكري، مردفا ”لقد وضع حسن البنا للجماعة تصورا وقواعد كاملة للأسرة فالمجتمع فالوطن والعالم، بينما القواعد في ديننا مرتبطة أصلا بمبدأ التقوى، وعندما فاتحت قياداتي بهذه المساجلات واجهوني باستنكار: كيف تراجع ما تربينا عليه لمدة ٨٠ عاما؟”.

لا تناقش ولا تجادل حسن البنا

حاول الشيخ الذي تربي صبيا في أحضان الجماعة، منذ انضم إلى معهده الأزهري قبل ٢٥ عاما، أن يقنعهم أن يتركوه لتجريب وتطوير منهجه الجديد النقدي لحسن البنا، فجاوبوه بأنهم ليسوا حقل تجارب، فكر في لحظتها أن يترك الجماعة لكنه آثر التريث، عله يستطيع إقناعهم بعد إقناع العضوية القاعدية من حوله، كما أن عِشرة العمر الطويلة قيدته.

مرت أشهر استطاع خلالها تكوين حلقة دراسية من أعضاء الإخوان المقتنعين بمقاربته النظرية، اكتشفت الجماعة مشروعه ورصدوا جمهوره وخيروهم بين الجماعة والاستمرار معه، “خرج العشرون من الإخوان، لاقتناعهم بأن منهجي أقرب للقرآن، فأعتبروني ثائرا وخارجا عن الطاعة وحولوني إلى التحقيق أمام القيادات التنظيمية الأعلى”، يختتم الشيخ حديثه عن هذه المرحلة من الصراع.

أمام لجنة التحقيق التنظيمية شرح الشيخ أحمد مجمل نظريته الفقهية، التي تنزه القرآن -كما يقول- عن أتباع فكرة البنا المعرضة للبوار والتلف، كان حتى هذه اللحظة مقتنعا أن النقاش قيمة والحجة والجدال هي الحاسمة، لكن نتيجة التحقيق أوصت بفصله من التنظيم منهية طموحه في تصحيح المسار الفكري كما أعتقد.

انشقاق، اعتقال، تشويه سمعة

يستكمل الشيخ حكايته: ”اعتقدت الجماعة أنني بمجرد الخروج عن طاعتهم سيتم سجني، راهنوا على أن يريحهم أمن الدولة من صداعي، فالانشقاق معناه بداية تنظيم جديد، وأجهزة الأمن غالبا ما تكون مهتمة بفهم تناسلات التنظيمات الاسلامية والتلاعب بها، وبالفعل تم اعتقالي انا و١٣ شخصا من مجموعتي الجديدة لمدة ٣٣ يوما، فلما وجدوا أني خارج الشكوك الثلاثة( تشكيل تنظيم، حمل السلاح، التنظير السياسي) تركونا”.

منذ هذه اللحظة تحول الشيخ المنشق إلى عدو للجماعة، أشاعوا عنه انه عميل لأمن الدولة، حاصروه ورفضوا أن يدخل المساجد التابعة لهم، أصبح غريبا ومطاردا من الجميع، وعندما تيقن الأمن من عدم عودته للإخوان أو غيرهم من التنظيمات سمحوا له بالعمل في مسجد الخياط القريب من منزله شرط ألا يخطب الجمعة.

الثورة أعادت الخطيب إلى المنبر

لم يصعد الشيخ أحمد منبر المسجد إلا في الجمعة التي تلت سقوط نظام الرئيس مبارك، حاول الإخوان أعادته فرفض، ويفسر قائلا ”الخلاف معهم لم يكن شخصيا حتى أعود بعد سقوط النظام، فأنا ضد مشروع حسن البنا الفكري إجمالا، وجاء عقاب رفضي صاعقا، منعوا أي إخواني من القدوم للمسجد وألبوا علي السلفيين بحجة تشكيكي في بعض روايات الأحاديث النبوية”.

كانت خطبة الجمعة التي انفرد بها الشيخ صداعا لكل القوي الاسلامية، فعندما يسأله المصلين عن أي المرشحين يصوتون له كان يرد: “انتخبوا من شئتم، لكن لا تنتخبوا الأحزاب الإسلامية فوالله لن يوصلونا للدين”. وكان الامر يصل أحيانا الى احتداد بعض المصلين عليه وهم يذكرونه بضرورة مهاجمة الليبراليين والعلمانيين، كما اعتادوا في مساجد أخرى.

الوزير: هل انتخبت الرئيس مرسي؟

بتولي الشيخ طلعت عفيفي حقيبة الاوقاف في وزارة هشام قنديل في أغسطس الماضي، انتقل الصراع لمستويات أعلي حين فوجئ الشيخ أحمد بقرار وزاري بإبعاده عن الخطابة وتحويله لمنصب إداري، تم استدعاءه لديوان عام الوزارة بالعاصمة للقاء الوزير، اعتقد المنشق أن ضغينة السلفيين ضده وادعاءهم عليه سيكون محل نقاش فكري مع الوزير لكنه صدم حين سأله الوزير من أول لحظة: هل انتخبت الرئيس محمد مرسي أم لا، ولماذا تنتقد الاخوان والسلفيين وتدعوا الناس إلى عدم التصويت لهم؟

جدير بالذكر أن حركة تطهير وزارة الأوقاف من الدعاة والخطباء غير الداعمين للتيار الاسلامي، قد أسفرت -وفقا لتقارير صحفية- عن إقالة ٩ من مديري الأوقاف في المحافظات، كانت أشهرهم حالة كمال بربري مدير أوقاف السويس، الذي دخل مع من تم إقالتهم في اعتصام أمام ديوان الوزارة بالقاهرة.

هكذا عاد الشيخ وجماعته معتصما أمام مديرية الأوقاف بمحافظة كفر الشيخ، معترضا علي منعه من الخطابة دون عرضه علي لجنة تناقشه في أفكاره، ولم يفض اعتصامه إلا بعد أن تشكلت لجنة صورية، استمعت إليه وأوصت بتنفيذ قرار الوزير بمنعه.

في هذه اللحظة من الحوار مع الشيخ، كان مريدوه في الدرس قد حاوطوا مراسل “مراسلون” في مجلسه أمام المنزل، استقبلهم بترحيب وأختتم مقابلته بالقول:”لم أجد بدا من تقديم طلب إجازة بدون مرتب، أنا خلقت للدرس، أي نعم الحرمان من المنبر قاس، ومنزلي ليس برحابة المسجد، لكني مستمر في المقاومة”.