ضبط شحنة الحبوب المخدرة (12 مليون حبة ترامادول قادمة من دولة الهند) في بداية شهر أكتوبر 2017 من قبل الأجهزة الأمنية بميناء مصراتة، يكشف بأن ليبيا مازالت سوقاً رائجاً للمخدرات تعاطياً وتجارة، وطريقاً رئيسياً لعبور المخدرات إلى دول الجوار.
يؤكد ذلك تقرير المخدرات العالمي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات في مايو 2017 الذي خلص إلى أن تجارة المخدرات تشهد ازدهاراً في العديد من دول العالم.
فما هو سوق المخدرات الرائج في ليبيا وما هي مصادره وأسعاره وإحصائياته؟
الهيروين، الأكثر ضرراً
وهو من المخدرات المهبطة للجهاز العصبي والتي تُحدث السكون والهدوء، ويتم إنتاجه من الأفيون المستخلص من نبات الخشخاش، ولهذا يعتبر من المؤثـرات الأفيونية، كما يتم إنتاج المورفين والكودائين من الأفيون.
ليس للهيروين أي استخدام طبي، أما المورفين والكودائين فلهما استخدامات طبية كثيرة، ومن أشهر طرق تعاطي الهيروين الحقن في الوريد والتدخين والشم والاستحلاب (المضغ).
بدأ انتشار مخدر الهيروين في ليبيا في الأحياء الغنية بمدينة طرابلس، ثم تغلغل إلى الأحياء الفقيرة ثم انتقل لباقي المدن خاصة القريبة منها.
وبحسب ساسي موسى الأخصائي النفسي في معالجة الإدمان في وحدة الدعم النفسي والاجتماعي بالمركز الوطني لمكافحة الأمراض فإن سعر 1 جم من الهيروين الذي نقاوته تقارب 30% يصل ما بين (200- 300) دينار ليبي، ويتم تداوله في الأحياء الغنية، أما المناطق الشعبية فسعر 1 جم من الهيروين نقاوته تقارب 3% ينخفض إلى (15- 25 دينار ليبي).
ويقدر ساسي عدد مدمني الهيروين في ليبيا بـ 10% من العدد الكلي للمدمنين أي حوالي 27000 مدمناً (0.4 % من عدد السكان)، أما عدد متعاطي الهيروين فيقدر بـ 5% من المتعاطين أي حوالي 55000 متعاط (0.8% من عدد السكان).
ويقول الأخصائي النفسي إن دراسات المركز أثبتت أن تدخين الهيروين هو الأكثر رواجاً بين فئات متعاطي الهيروين “وهو أول ما يتعمله المتعاطي ثم ينتقل إلى طريقة الشم ثم المضغ وأخيراً إلى الحقن في الوريد”.
ويعد الهيروين أخطر أنواع المخدرات ويسمى “أخطبوط المخدرات” لسرعة الإدمان عليه وازدياد عدد متعاطيه في العالم الذي بلغ 35 مليون شخص حسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2017.
ولا تـزال المؤثرات الأفيونية، بما فيها الهيروين، أكثر أنواع المخدرات ضرراً من الناحية الصحية لارتباطها بخطر الجرعات المفرطة المميتة وغير المميتة، وخطر الإصابة بالأمراض المعديـة مثـل فيروس نقص المناعة البشرية أو التهاب الكبد الوبائي والمخاطر الأخرى المتمثلة في العلل الطبية والنفسية المصاحبة.
أما مصادر الهيروين المتجه إلى ليبيا فهي التوجو والسنغال من دول غرب أفريقيا والسودان وتركيا وأفغانستان، كما أن موقع ليبيا الجغرافي بين الدول المنتجة والمستهلكة جعلها منطقة عبور رئيسية للمخدر المتجه لأوروبا، حسب كلام ساسي.
الأفيون، رخيص ونادر الاستخدام
وهو مخدر مستخلص من نبات الخشخاش وقوته أضعف من الهيروين بـ 50 مرة، ولهذا السبب إضافة إلى رائحته الكريهة الفاضحة فهو نادر الاستخدام في ليبيا، لكنه شائع في مصر ورخيص الثمن.
وبحسب ساسي فإن سعر “قرش الأفيون” أقل من نصف دينار ليبي، وأغلب المتعاطين لهذا المخدر هم من سائقي الشاحنات من سكان المناطق الحدودية مع مصر مثل مدينة طبرق، ويستخدم بطريقة الاستحلاب ولا تتجاوز نسبة مستخدميه 0.001% من عدد المدمنين.
الحشيش، الأكثر انتشاراً في ليبيا
يعتبر الحشيش الذي يُستخرج من نبات القنب من المهلوسات ويعد أكثر المخدرات انتشاراً في العالم، حيث يبلغ عدد متعاطيه 183 مليون شخص حسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2017.
ويكشف ساسي عن كارثة تدخين الحشيش في ليبيا بقوله إن 70% من مدخني التبغ في ليبيا الذين تتراوح أعمارهم بين 14–40 عاماً هم متعاطون لمخدر الحشيش
وتقدر دراسات المركز عدد متعاطي الحشيش بنسبة 75 % من المتعاطين، أي حوالي (12% من عدد السكان).
وللحشيش مسميات مختلفة في ليبيا مثل “النتشة والطروف والجونته” والتي تباع بأسعار مختلفة حسب طولها، فالتي يبلغ طولها حوالي 3 سم يصل سعرها ما بين 5- 10 دينار، والذي يبلغ طولها حوالي 6 سم يصل سعرها إلى 20 دينار.
انخفاض أسعار الحشيش جعل ساسي يقول إن سعر هذا المخدر في ليبيا أقل من سعره في بلد المنشأ وكأن هناك من يدعم تجارته، “يمكنني القول بأن المخدرات هي السلع المدعومة وليست المواد الغذائية”.
وتعتبر ليبيا منطقة عبور رئيسية لمخدر الحشيش القادم من المغرب (90%) والجزائر والمكسيك والمتجه لآسيا وأوروبا، وخاصة بعد قفل الطريق بين المغرب وأسبانيا وأمريكا والمكسيك، كما يوجد في ليبيا حشيش أفغاني وتشادي ومصري ولبناني حسب تقارير المركز.
يُخلط الحشيش مع التبغ أو المعسل ويدخن وهذه المرحلة الاولى لتعاطي الحشيش، أما طريقة الاستحلاب او طريقة الغمرحيث يتم حرق الحشيش مع الفحم ويغطى ببطانية ويتم شم الدخان المتصاعد فهذه المراحل الأخيرة من تعاطي الحشيش.
يقول ساسي إن هناك ارتباطاً بين استخدام الحشيش وحوداث السيارات في ليبيا، فقد بينت دراسات المركز أن 90% من مرتكبي الحوادث الشنيعة هم من متعاطي الحشيش الذين تحدث لهم هلوسة بصرية في تقدير المسافات.
الأقراص المخدرة، الترامادول والمنشطات
سجلت السنوات الأخيرة وجوداً كبيراً للأقراص المخدرة في سوق المخدرات في ليبيا، والتي تدخل بعضها بطريقة مشروعة وبعضها بطريقة غير مشروعة، وبعضها أُعد ليكون دواء وبعضها أُعد ليكون مخدراً، ومنها المهلوس والمخدر والمنشط، وأشهرها الترامادول وأرتان وفاليوم وريفوتريل والإكستاسي وسوبوتكس وقزانكس وميثادون وأبتريل.
يقول ساسي إن أكثر الأقراص المخدرة انتشاراً هي الترامادول، وهو من عائلة الأفيونات ويعتبر بديلاً للأفيون، وزادت نسبة تعاطيه لتصل إلى 80% من المدمنين (أي حوالي 3% من عدد السكان)، ويصل ثمن الشريط المحتوي على 12 قرص المصنوع في الهند إلى 8 دينارات ليبية، أما الترامادول المصري فيصل سعره إلى 15 ديناراً ليبياً وهي أسعار أرخص من دول المنشأ.
ويرجع ساسي رواج سوق الأقراص المخدرة إلى رخص ثمنها وشرائها بدون وصفات طبية من الصيدليات ومحلات التبغ ومحلات الخضار والمواد الغذائية.
أما إكستاسي فهو نوع من المنشطات التي تؤدي إلى الإدمان فيسمى في الشارع الليبي بـ”المكسد” و”مراد علم دار” و”حبة الملوك” و”دورني بعد أسبوع”، ويسبب فرحة ومتعة تختلف عن المنشطات العادية وتعتبر غريبة بعض الشيء، بسبب ميلها لإصدار إحساس بمتعة الاتصال الجنسي مع الآخرين وتقلل من الشعور بالخوف والقلق.
وتصل نسبة متعاطي إكستاسي إلى 30% من المدمنين (1.2% من عدد السكان)، وقد انخفض سعر القرص منه ليصل إلى 3 – 5 دينارات ليبية بعد أن كان بـ40 دينار ليبي وقت دخوله لسوق المخدرات أول مرة منذ سنوات، فيما يبلغ سعر القرص في مصر بـ20 دولار أمريكي حسب تقرير الأمم المتحدة.
كما أن هناك 20% من المدمنين (0.8% من عدد السكان) يتعاطون أقراص الأمراض النفسية مثل ريفوتريل الذي يُسمى في الشارع بحبوب الشجاعة وأبتريل وغيرها.
نوع آخر من أقراص الإدمان يوجد في سوق المخدرات ويتعاطاه حوالي 8 % من المدمنين (حوالي 0.3 % من عدد السكان) وهومخدر امفيتامين المنشط والذي يتواجد بتسميات مختلفة مثل الكبتاجون والريتالين والديكسامفيتامين والميثامفيتامين.
يقول ساسي إن أغلب المتعاطين من فئة طلبة الجامعات العلمية والرياضيين وخاصة رياضيي كمال الأجسام، وهي أقراص توهم الشباب أنها تؤدي إلى السهر أو إلى التحصيل الدراسي، وحسب دراسة أجريت في عام 2013 بينت أن 13% من طلبة الكليات التطبيقية في جامعة طرابلس يتعاطون مخدر امفيتامين الذي يصل سعر القرص منه “صنع مصري” من 3 إلى 4 دينار ليبي والإدمان عليه سريع.
الكوكايين، غالي السعر ونادر الاستخدام
يعتبر من المنشطات الطبيعية ويستخلص من أوراق نبات الكوكا الذي ينمو في أمريكا الجنوبية، وكان يستعمل كمخدر موضعي في جراحات العين والأنف والحلق وحالياً لايُستعمل في العلاج، وهو مسحوق أبيض والطريقة الأكثر رواجاً لتعاطيه هي الشم.
وتصل نسبة متعاطي الكوكايين إلى 2% من المدمنين (0.08% من عدد السكان) وهو غير شائع بسبب ارتفاع سعره الذي يصل من 300 – 400 دينار ليبي.
المستنشقات (المذيبات الطيارة)
وهي مجموعة من المواد التي تحدث التعود والإدمان، وبعضها يُستنشق عن طريق الأنف وبعضها عن طريق الفم، وتنتشر هذه العادة بين الأطفال والمراهقين وبعضها يستنشق مباشرة وبعضها بخلطه مع مواد أخرى ومن أهمها (الصمغ، مشتقات البترول، مواد التجميل).
تسبب هذه المستنشقات النعاس والدوار والاسترخاء والهلوسة والأفكار الخاطئة وعدم التقدير والحكم السليم وفقدان الوعي، وحسب المركز فإن نسبة متعاطي المستنشقات تصل إلى 3 % من المدمنين (حوالي 0.12 % من عدد السكان).
ندرة البيانات
بالإشارة إلى التقارير السابقة الخاصة بالمخدرات والتي ينشرها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والتي كان آخرها عام 2017 لم تحتوٍ تلك التقارير على بيانات خاصة بليبيا، ماعدا بعض الأرقام من سنوات سابقة مثل كمية الكوكايين المضبوطة عام 2007، أو سعر الحشيش عام 2005 (15.4 دولار لكل جم)، وسعر الهيروين عام 2005 (39.37 دولار لكل جم)، ولا توجد أية بيانات عن أسعار باقي المخدرات مثل الكوكايين والأقراص المخدرة ولا توجد بالتقاريرأية نسب عن عدد المدمنين لأي نوع من أنواع المخدرات.
ويلخص الرسم البياني التالي نسبة المدمنين لكل نوع من المخدرات إلى عدد السكان: