ثلاثة سيارات أمنية هي كل ما رآها “مراسلون” أثناء تجوله في مدينة سرت، وذلك قبل البدء في رصد الوضع الأمني في المدينة بعد سيطرة قوات البنيان المرصوص عليها وطرد تنظيم داعش منها.
إغلاق مبكر
إحدى تلك السيارات كانت واقفة عند إشارة ضوئية وسط المدينة، وبالقرب منها التقينا عبد الغني جبريل (48 عاماً) صاحب متجر متخصص في بيع البقوليات والعطريات.
يبدأ جبريل حديثه منزعجاً من غياب الأمن في مدينته، ما أثر سلباً عليها وعلى تجارته، فذلك يضطره وزملاؤه أصحاب المحال المجاورة لإغلاق متاجرهم قبل صلاة المغرب، خوفاً من أن يتعرض للسطو كما حدث لجاره الذي يملك محلاً صغيراً لبيع الخضروات.
ومثل معظم أهالي سرت يطالب جبريل مديرية الأمن بدوريات ليلية لتأمين المدينة بشكل عام، وخاصة في المناطق التي تشهد حركة تجارية كبيرة، بهدف القضاء على عمليات السرقة والإجرام التي يقوم بها “مجهولون” بحسب كلامه.
لا نملك مقومات
في مقر مديرية الأمن بسرت، والذي هو نفسه مقر مكتب إدارة المرور والتراخيص وتشغل المديرية جزءاً من مكاتبه بالكاد يستوعب موظفيها، بعد الدمار الذي لحق بمقرها الأساسي جراء الحرب، التقينا العقيد الصديق مصطفى بن سعود مدير مديرية أمن سرت الذي عبر مباشرة عن حنقه من “عدم الاستجابة” لعديد النداءات التي أطلقتها لجنة تفعيل الأجهزة الأمنية، والتي تطالب فيها منتسبي الأجهزة والإدارات الأمنية بالالتحاق بأعمالهم.
مُوضحاً أن قوة جهازهم العمومي تبلغ 800 رجل شرطة، 150 منهم فقط هم من يمارسون عملهم، ويشتكي بن سعود من عدم دعم الدولة لهم، حيث لم تقدم لهم وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني سوى إرسال فريق لتقييم الأضرار فقط، “وعدونا بالصيانة”، ولكن شيئاً لم يحدث حتى الآن حسب كلامه.
بن سعود الذي بدا بلا حول ولا قوة لم يُخفِ وجود سرقات يقوم بها مجهولون بين الفترة والأخرى، ورغم علمه بذلك لا يملك المدير أية إحصائيات عن حالات السرقة والاعتداءات الإجرامية التي تحدث في المدينة.
عسكري لا أمني
في غياب سيارات الشرطة لاحظ “مراسلون” انتشار سيارات أخرى عسكرية تابعة لقوات البنيان المرصوص في مداخل ومخارج المدينة، غير أن دور تلك القوة عسكري للقضاء على أية تحركات لداعش إن ظهرت، “وليس أمنياً” بحسب معاون آمر قوة تأمين وحماية سرت عقيد بحار علي امحمد رفيدة.
وبشأن إمكانية دعم مديرية أمن سرت، يقول رفيدة لـ”مراسلون” إن المديرية ينتسب لها المئات من العناصر الأمنية التي تستطيع أن تؤمن المدينة بالكامل، لكنهم “متخاذلون ومتخوفون من عودة داعش” على حد قوله.
يكرر رفيدة طيلة حديثه أن الحل يكمن في عودة عناصر الأمن بسرت لممارسة أعمالهم، وأشار إلى أنهم كقوة تأمين وحماية سرت ملتزمون فقط بالمهمة المنوطة بهم.
وحول الأعمال الإجرامية التي تحدث في المدينة يصفها معاون آمر القوة بـ “شبه الممنهجة” لمحاربة المجلس البلدي سرت، مشيراً إلى سرقة تعرضت لها منظومة السجل المدني بالمدينة قام بها أشخاص معروفون في سرت.
رفيدة لا يبرئ أحداً من تلك الاعتداءات والسرقات معمماً كلامه على عناصر تابعة للبنيان المرصوص تقوم ببعض الخروقات، لكنها “تصرفات فردية ولا تمثل إلا من قام بها”.
سنصدر بيانا
اجتماعياً صرح رئيس مجلس حكماء وأعيان قبائل سرت مفتاح مرزوق لـ”مراسلون” أنهم بصدد إصدار بيان “لرفع الغطاء الاجتماعي عن أي متورط في أية أعمال إجرامية بالمدينة”.
ولكن “رفع الغطاء” لا يكفي وحده يقول “مرزوق”، حيث يتفق مع العقيد الأمني والعسكري أن سبب تردي الأوضاع الأمنية في المدينة هو عدم التحاق رجال الأمن بأعمالهم.
وبالعودة للدور الاجتماعي يضيف الشيخ مرزوق أنهم شكلوا لجنة للتواصل مع جميع شرائح المجتمع، هذه اللجنة يفترض أن تضغط على كل المسؤولين للعودة لأعمالهم، وستطالب بلدية سرت بتنفيذ اللوائح والقوانين على المتغيبين.
وتابع الشيخ أنهم على تواصل مع غرفة عمليات البنيان المرصوص بشكل دائم، وأشار إلى أنهم قاموا بمحاولات لعودة أفراد الشرطة من أبناء سرت ممن نزحوا إلى المنطقة الشرقية لتأمين مدينتهم، “وبالفعل نجحنا في إعادة بعضهم”.
أسف وأسى
آخر مقام “مراسلون” في سرت كان في مكتب عميد بلدية سرت مختار المعداني، والذي لم يضف أي جديدٍ على كلام من سبقه حول أسباب “التدهور الأمني” في بلديته.
ويقول بنبرة لا يجاوزها الأسف إن إدارته غير قادرة على دعم مديرية أمن سرت، لعدم تحصلهم على “درهم واحد” منذ استلامهم مهامهم في ديسمبر الماضي، مستغرباً من صرف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ميزانيات لمدن لا مشاكل لها وغض الطرف عن سرت “المدمرة” على حد وصفه.
بانتهاء حديثنا مع المعداني الذي لا يملك هو الآخر أي شيء لتحسين الوضع الأمني في سرت، غادر “مراسلون” المدينة مروراً بإشارة المرور في وسط المدينة دون وجود سيارة الأمن التي رأيناها عند وصولنا، وحسب تصريحات مسؤولي المدينة فإن استمرار تردي الوضع الأمني وارد جداً إلى وقت غير قريب.