يعرفه أهالي سرت جيداً فقد كان قاضياً للأحوال الشخصية إبان سيطرة تنظيم داعش عليها، وكان مسؤولاً عن قضايا الزواج والطلاق وخلافه، وأثناء معارك تحرير المدينة انتشر خبر مقتله على نطاق واسع إعلامياً بصفته أحد قيادات التنظيم، ومع أنه ينكر على نفسه صفة القيادي ويصر على أنه فرد من أفراد التنظيم، إلا أن ما بجعبته من معلومات أدلى بها لـ”مراسلون” تكشف عن مكانته بين أفراد جماعته.
فوزي محمد بشير العياط المحتجز حالياً في سجن بمدينة مصراتة، التقاه “مراسلون” وكان الحوار التالي:
س- من هو فوزي العياط؟
ج- أنا فوزي محمد بشير العياط، من مواليد طرابلس 1976م، خريج جامعة سرت مؤهل هندسة كهربائية، مقيم بمدينة سرت منذ العام 1987م.
س- أسستم في 2013 جماعة أنصار الشريعة في سرت، هل كانت تمهيداً لتأسيس “داعش ليبيا”؟
ج- هي لم تكن تمهيد لتأسيس داعش، في عام 2013 تأسست أنصار الشريعة في سرت بإمرة علي الصفراني لتكون جماعة دعوية هدفها محاربة المخدرات والظواهر السلبية، وما دفعنا لنعلن فيما بعد تبعيتنا لـ”تنظيم داعش” هو انطلاق عملية الكرامة في شرق ليبيا، ومخاوفنا من انتصارها في أيام معدودة، خاصة بعد خروج بيان مناصر لها من سرت، عندها أحسسنا بالخطر كأنصار الشريعة وبعد اجتماعات متواصلة قررنا مبايعة داعش والانضمام تحت إمرتها.
س- حدثنا عن ولادة “داعش ليبيا” باعتبارك أحد قادة التنظيم، وكيف تمت مبايعة البغدادي وقتذاك؟
ج- للتصحيح أنا لست أحد قادة التنظيم في ليبيا، بل أنا مجرد فرد فيه وعملت قاضياً للأحوال الشخصية.
“داعش ليبيا” تأسست في درنة عام 2014 تحت إمرة حسن الشاعري المعروف بـ “أبو حبيبة”، وكانت لديه مجموعتان أحدهما في بنغازي والأخرى في درنة.
و”أبو حبيبة” هو جهادي ليبي، سجن في العراق أثناء الغزو الأمريكي وتم الإفراج عنه لاحقاً، وبعد مجيئه لليبيا بمدة وبقاءه في درنة، أخذ قراراً بمبايعة التنظيم خاصة بعد توسع التنظيم في العراق والشام.
في نفس العام 2014، ارتأى زعيم أنصار الشريعة في ليبيا علي الصفراني أن نذهب أنا وأحمد صالح ووليد الفرجاني وعلي اقعيم، إلى الرقة السورية لمبايعة التنظيم.
س- ولكن كيف تذهبون إلى سوريا لمبايعة التنظيم وهو موجود في ليبيا، أليست درنة الليبية أقرب لكم جغرافياً من الرقة السورية؟
ج- أثناء وجودنا في سرت عام 2014 لم نكن نعلم أن التنظيم له موطئ قدم في ليبيا في درنة وأن “أبو حبيبة” قد بايعه.
وقد ذهبنا بالفعل إلى سوريا، والتقينا بأفراد من التنظيم بينهم تركي البنعلي (أمير ديوان الإفتاء بتنظيم داعش)، و أبو محمد العراقي (أمير ديوان الحدود بتنظيم داعش)، و أبو محمد العدناني (المتحدث الرسمي باسم التنظيم) وآخرين.
بعد أن ناقشنا الفكرة مع أبو محمد العدناني، أبلغنا أن التنظيم موجود بالفعل في ليبيا، في مدينة درنة، وأميره “أبو حبيبة”، وأنه يتعين علينا العودة لليبيا.
عدنا إلى ليبيا، واجتمعنا مع علي الصفراني في مربوعتي (مضافة منزلي) بسرت، وتمت البيعة فيها فعلاً في سبتمبر 2014، بايعنا أبو عبد العزيز الأنباري وهو عراقي تم تعيينه أميراً للتنظيم في ليبيا بدلاً من أبو حبيبة، وحضر معه من سوريا إلى سرت للإعلان رسمياً عن التنظيم في سرت، كل من أبو معاذ العراقي، و أبو عامر الجزراوي، وحضر البيعة أنا وأبو حبيبة، وليد الفرجاني، علي الصفراني، عبدالهادي زرقون، أحمد صالح، وشخص يدعى حسان من درنة.
وللأمانة معظم أنصار الشريعة في سرت بايعوا تنظيم داعش، وبعد أن تمت البيعات في سرت، ذهب القادة إلى درنة لجمع بقية البيعات منها وأسسنا المراكز كمركز الحسبة ومركز الدعوة وغيرها.
س- كيف يتم تكليف القادة في ليبيا، خاصة وأن اغلبهم من جنسيات غير ليبية؟
ج- أبو عبد العزيز الأنباري – أمير التنظيم في ليبيا – وأبو معاذ العراقي، وأبو عامر الجزراوي، هم من يسيرون كل شيء ولا يمكن أن يتم شيء بدونهم.
س- هجومكم على بوابة بوقرين (شرق مصراتة) في مايو 2016، هل كان تمهيداً لدخول مصراتة والاستيلاء على أكبر رقعة جغرافية فعلاً بعد فرار جماعات تابعة لكم من درنة؟
ج- من قام بالهجوم على بوابة بوقرين والسدادة فيما بعد هم سرايا فقط وليس كامل المجموعة التي انسحبت من درنة، إضافةً إلى مجموعات من التنظيم من سرت تسمى بـ “سرايا الصحراء”.
حسب ما سمعت من المهاجمين، فهجوم بوقرين كان بهدف التحرك لبني وليد، للاستيلاء عليها وليس المستهدف وقتها مصراتة، وفشل موضوع السيطرة على بني وليد بعد هجوم قوات البنيان المرصوص علينا في سرت.
س- لماذا بني وليد؟
ج- لا أملك معلومات، فالتنظيم بشكل عام يحاول كسب أكبر رقعة جغرافية ممكنة.
س- وهل كنتم تتوقعون عملية عسكرية كبرى كالبنيان المرصوص للقضاء عليكم في سرت؟
ج- أنا كفرد في التنظيم أعرف جيداً أن أي هجوم على مصراتة كانت ستكون له ردة فعل كبيرة.
س- ولكنكم فجرتم بوابات مصراتة وحاولتم تفجير عدد من مؤسساتها الأمنية والعسكرية؟
ج- تفجير البوابات وقتها كان للتخفيف من وطأة الاشتباكات التي تشنها علينا قوات الكتيبة 166 في سرت، وضربات سلاح الجو الليبي.
س- بعد بدء عملية البنيان المرصوص هل تواصل معكم التنظيم في سوريا والعراق وهل كنتم تتلقون تعليمات منهم أثناء القتال؟
ج- القادة هم من يتلقون الأوامر، أما نحن كأفراد فلا نملك معلومات.
س- والقادة ليسوا ليبيين، ماهي الجنسيات الأكثر حضوراً في صفوف التنظيم بسرت؟
ج- أكثر ثلاثة جنسيات تشكل التنظيم في سرت هي التونسية والمصرية والسودانية، وهناك جنسيات أخرى كالسنغالية والنيجيرية والسعودية، وعراقيين اثنين.
كنت أتوقع أعداد أفراد التنظيم وقتها لا يتجاوز 1500 فرد، فيما بعد عرفت أن العدد أكبر.
س- لماذا أعدمتم الأقباط على شواطئ سرت في فبراير 2015؟ وما الرسالة التي أردتم توجيهها من ذلك؟
ج- المعلومة الوحيدة التي أملكها أن من خرج في الإصدار المرئي لإعدام الأقباط المصريين هو أبو عامر الجزراوي وهو من قرأ رسالة التنظيم قبل عملية الذبح، وكان الهدف من الإصدار المرئي لإعدام الأقباط المصريين هو دعاية للتنظيم وكذلك للترهيب ولتجنيد المزيد في صفوفه لا أكثر.
س- على ماذا كنتم تعتمدون في تسيير أموركم في سرت خلال عامين؟
ج- كانت لدينا أموال مخصصة لأنصار الشريعة، إضافةً إلى ذلك كنا نمول أنفسنا عن طريق جماعات الصحراء التي كانت تستوقف سيارات نقل الوقود وتستولي عليها، و تستولي على أي سيارة مملوكة لجهة عامة.
س- قتلتم الشيخ السلفي خالد بن رجب في أغسطس 2015 فانتفض عليكم الحي السكني رقم 3، ما الذي دفع التنظيم لارتكاب تلك المجزرة؟
ج- من قتلوا وقتها 10 أشخاص، وما حصل أن التنظيم حدد ساحات معينة لصلاة عيد الفطر فيها، إلا أن بن رجب الذي كان إماماً لمسجد بالحي رقم 3، أصر على صلاة العيد في المسجد وخالف أوامر التنظيم، وأثناء وقت القبض عليه من التنظيم، حصلت مقاومة واشتباكات قتل فيها بن رجب وأصيب آخرون، وفي الساعات التي تلت دفنه، حصلت رماية من أقارب بن رجب من الحي رقم 3 على نقاط استيقاف تابعة لنا، وبعد اشتباكات دامت ثلاثة أيام استطعنا السيطرة على الحي.
س- خلال معارك البنيان المرصوص خرجت معلومات مفادها أنه تم تهريب عدد من قادة داعش من سرت عبر أحد القطع البحرية، هل هذا صحيح؟
ج- معلومة غير صحيحة، القادة أحدهم فر عبر الصحراء وهو أبو معاذ العراقي الذي نصب كأمير للتنظيم في ليبيا خلفاً لأبو عبد العزيز الأنباري الذي قتل في غارة جوية أمريكية على درنة عام 2015، والآخر هو أبو عامر الجزراوي بقي حتى الأيام الأخيرة من القتال في سرت وأرجح مقتله.
س- فرت معظم المجموعات التابعة لكم عبر دروب الصحراء، هل هناك محاولات حسب علمك لتنفيذ عمليات انتقامية ربما أو إعادة لملمة الصفوف؟
ج- نحن لم نسمع بخروجهم في وقتها، سمعنا بعد مدة أن من فرّ هو أبو معاذ العراقي ومعه حوالي مائة فرد من أفراد التنظيم من مركز الحدود والهجرة، وفر معهم بعض القادة مثل مالك الخازمي والي التنظيم في برقة، ولا أتوقع أن قرار فرارهم كان فردياً بل كان بعد تلقي أوامر من قيادة التنظيم.
س- كيف كانت الأيام الأخيرة لكم في سرت؟
ج- في الأيام الأخيرة كنا نعاني ضيقاً وحصاراً شديدين، لا نأكل، نشرب فقط، الشوارع كانت مكتظة بقناصة البنيان المرصوص، محاولتنا التنقل من منزل لآخر لا يعني إلا الموت.
س- كنت مختبئاً بمنطقة الجيزة البحرية تحت ركام المنازل المدمرة بفعل الاشتباكات، كيف حدث ذلك؟
ج- وقتها لم أكن أملك أكثر من خيارين اثنين، اما الاحتماء تحت ركام المنزل، لأن البقاء في مكان مكشوف يعني الموت، أو تسليم نفسي، وما خوفني من تسليم نفسي هو أن تكون نفس النتيجة أي قتلي، لأن من سأسلم له نفسي قد يكون قريباً أو صديقاً لأحد من قتلوا في اشتباكات سرت.
وجدت فتحة تؤدي إلى ركام منزل قصفه الطيران، وبعد أن احتميت تحت الركام، أصيب المنزل بقذيفة أخرى أغلقت الفتحة التي دخلت منها فأصبحت ميتاً وأنا حي، وقد فقدت إحدى عيني خلال الاشتباكات.