ممرضتان فقط في قسم الطوارئ بمستشفى زوارة (120 كلم غرب طرابلس)، هو كل ما شاهده مراسلون أثناء زيارته للمستشفى الذي يعاني نقصاً حاداً في طاقم التمريض لأسباب مختلفة، يأتي في مقدمتها إغلاق المعهد الصحي بالمدينة أيام حكم القذافي.
تدهور الخدمات
بعد جولة قصيرة على غرف التمريض والكشف، وممرات المستشفى الخالية تقريباً من الممرضات والممرضين التقى “مراسلون” برئيسة الممرضات المكلفة بالمستشفى سميرة العطوشي التي بدأت حديثها بشكوى من النقص الحاد في طاقم التمريض الذي أدى إلى تدهور تقديم الخدمات الصحية كما يجب أو تأخرها، مستغربةً عدم وضع حلول جذرية أو حتى جزئية لهذه المشكلة.
ما يصعب الأمر على العطوشي هو أنها ومن معها من فريق قليل العدد يضطرون لمواجهة المواطنين يومياً بشكل مباشر، وهم من يتلقى اللوم على أي تقصير حتى لو لم يكن ضمن اختصاصهم، رغم أنهم يحاولون تقسيم أنفسهم لتغطية ما يمكن من خدمات حتى ولو فوق طاقتهم، فحسب قولها قسم العناية في المستشفى بسبعة أسرّة تعمل عليه ممرضتان فقط، في الوقت الذي يُلزم قانون الطب والمستشفيات وقوف ممرضة على كل سرير بقسم العناية المركزة.
مدير المستشفى عبدالعزيز عصارة يؤكد أيضاً أن النقص في طاقم التمريض أثر سلباً على أداء المستشفى، وحسب قوله هناك 100 ممرضة ضمن الكادر الوظيفي للمستشفى وظائفهن مقسمة على جداول مكثفة وورديات متتالية لا تقل أي منها عن 12 ساعة عمل متواصلة، ولا توجد في المستشفى أية ممرضة معفية من هذا الجدول إلا لأسباب قانونية، “ولكن الأمر يزداد صعوبة كل عام” يقول عصارة.
توزيع غير عادل
عضو المجلس البلدي زوارة باسم دهان المتابع لملف الصحة يتفق أيضاً مع إدارة المستشفى على أن المشكلة معقدة ومتفاقمة، خاصة مع استمرار إغلاق المعاهد المتخصصة وعدم تخريج دفعات جديدة من الممرضات مع تقدم سن جزء من الكادر الموجود حالياً ودخول عدد منهم في سن التقاعد وتراجع ظروفهم الصحية.
لكن هذا ليس السبب الوحيد حسب دهان، فهناك أيضاً سوء توزيع الممرضين على الوحدات الصحية في المدينة من عيادات ومستوصفات رغم أن المستشفى ينبغي أن يكون في المقدمة وتغطى احتياجاته أولاً.
وقد سعى المجلس البلدي وفقاً لكلام دهان وخاطب كل الجهات المعنية وقدم مبادرات ومقترحات لتغطية العجز في المستشفى، وكل ما حصل عليه هو حلول مؤقتة من نوع توفير طاقم تمريض خضع لدورة تدريبية قصيرة لا تؤهله لسد الاحتياجات المطلوبة.
ما يحتاجه المستشفى يقول دهان هو “إعادة توزيع عادلة من شأنها توفير خدمات أفضل للمواطنين”، وما وصفه بـ”تقاعس وعدم قدرة المسؤولين على اتخاذ إجراءات حاسمة لتوزيع الكادر التمريضي” هو خارج سلطة المجلس البلدي الذي لا يملك سوى تقديم الدعم المادي واللوجستي.
“لا نمتلك السلطة”
مدير مكتب الخدمات الصحية بالمدينة شعبان أبوسنوقة يختلف مع دهان في أن توزيع طاقم التمريض غير عادل، رغم أنه يتفق معه في الأسباب الأخرى التي تحدث عنها، ويؤكد أن العدد أصلاً غير كافٍ والحل الوحيد يكمن في فتح معاهد الصحية وتخريج دفعات جديدة.
حسب أبوسنوقة هناك حوالي 300 عنصر طبي يعملون تحت إدارة مكتب الخدمات الصحية بين أطباء وكادر تمريض، موزعين على تخصصات مختلفة منها الصيدلة والتمريض والمعامل والمختبرات على كافة الوحدات الصحية بالمدينة، وعدم نقل الممرضات إلى المستشفى يعود لأسباب إدارية بحتة، “فالتقسيم في الإدارات تقسيم وزاري من وزارة الصحة”.
“نحن كإدارة لا نملك أي سلطة قانونية تجبر الكادر التمريضي على الانتقال إلى المستشفى، وقد عرضنا عليهم الانتقال للمساعدة في المستشفى بشكل ودي وإنساني، ولكن للأسف كل طاقم التمريض أعلن رفضه بشدة” يقول أبو سنوقة.
“دكتاتوري وظالم”
كثرة الحديث عن المعهد الصحي قاد “مراسلون” إلى عائشة المعلول مديرة المعهد الصحي بزوارة سابقاً، التي أصرت على أن قرار إغلاق المعاهد الذي أصدرته الحكومة الليبية في بداية التسعينات كان قراراً “دكتاتورياً وظالماً وخطيراً”.
القرار حسب المعلول اتخذ بدون دراسة للوضع وبدون وضع استراتيجية بديلة لتوفير كوادر مؤهلة، فالمعهد كان يخرّج سنوياً حوالي 30 ممرضة إضافة إلى خريجات الشُعب الأخرى، وكان ذلك يغطي حاجة المدينة والمناطق المجاورة، “مرت حوالي 17 سنة على إغلاق المعهد، دون وجود معاهد بديلة لسد العجز” تقول المعلول.
تجربة عائشة المعلول في إدارة المعهد سابقاً وإدراكها لخطورة الموقف جعلها تسعى بكل ما تملك لإلغاء هذا القرار وإعادة فتح المعهد الصحي بزوارة، على غرار المعاهد التي افتتحت في مدن أخرى غرب طرابلس.
“خاطبت كل الجهات المسؤولة وعقدت معهم بعض الاجتماعات المشتركة مع إدارة المستشفى السابقة لفتح المعهد من جديد، ولكن لم تتحقق نتائج فعلية، ولم يؤخد الأمر بجدية” كما تقول، ولا زالت تعلن استعدادها للإشراف على المعهد في حال تم افتتاحه مجدداً بحكم خبرتها “ولو بأبسط الإمكانات” على حد قولها.
حلول غير مطبقة
زيتونة معمر من لجنة الصحة ببلدية زوارة أكدت أنهم يسعون لإنشاء معهد متخصص للتمريض، وقد تحصلوا بالفعل حسب كلامها على قرار من رئاسة الوزراء بذلك، “ولكن الجهات المحلية المباشرة هي المسؤولة عن متابعة هذا الملف كما يجب لتسرع في تنفيذه” تقول معمر.
وبانتظار تحقيق ذلك لا تعتقد بأن الحلول المؤقتة قد توفر كوادر تمريضية يعتمد عليها، فالدورات القصيرة التي تقدمها المعاهد الخاصة قد توفر عناصر تمريضية مساعدة يتم تعيينهم نظراً لنقص العدد، خاصة أنه لا يمكن استجلاب كوادر أجنبية في ظل الظروف الراهنة في ليبيا “نحن نفقد كل يوم الكوادر الأجنبية المتعاقد معها سابقاً” بسبب عدم إحالة مستحقاتهم المالية من العملة الصعبة، وكذلك نقص السيولة المالية في المصارف التي جعلت البعض منهم يعجز حتى عن دفع إيجار بيته، وهذا ما دفعهم للرحيل واحداً تلو الآخر.
وفيما يبقى التخبط الإداري مستمراً في مختلف القطاعات بليبيا، توشك زوارة على خسارة كل ما بقي فيها من ممرضين مؤهلين للعمل، وتزداد وحشة ممرات المستشفى في غياب ملائكة الرحمة.