قرار توحيد أسئلة الامتحانات لمراحل النقل بمدارس مدينة زوارة (غرب ليبيا) والذي صدر في مارس 2017، نتج عنه شكوى جماعية من 5 مدارس للتعليم الخاص ضد مراقب التعليم بزوارة تم تقديمها إلى مدير هيئة الرقابة الإدارية فرع الزاوية، تتلخص فحواها بأن المراقب قرر توحيد الامتحانات النهائية لمراحل النقل لطلبة التعليم الأساسي والثانوي بالمخالفة للقانون.
هذه الشكوى جاءت بعد رفض مكتب التعليم اعتماد نتائج امتحانات الدور الثاني للمدارس التي تمردت على القرار، ومن ضمن تلك المدارس مدرسة “أنس” للتعليم الحر التي تقع شمال مدينة زوارة، والتي وصف مديرها خالد أبو الشواشي قرار مراقب التعليم بأنه “دكتاتوري وتعسفي”.
صُدمنا بالأخطاء
خاصة وأن المدارس حسب قوله لم ترفض القرار دون أسباب، فقد امتثلت في بادئ الأمر وطبقت القرار في امتحانات الدور الأول لأنه كان توافقياً ويهدف لمكافحة الفساد في التعليم العام والخاص ومنعاً لتسريب الأسئلة، ولكن بمجرد ظهور نتائج الدور الأول “صُدمنا بالأخطاء الفادحة التي تمت من قبل اللجان المشكلة من مكتب التعليم” يقول أبو الشواشي.
تلك الأخطاء التي يتحدث عنها المدير ارتُكبت في “رصد الدرجات والمركزية في التصحيح والمراقبة وتغييب إدارات المدارس تماماً، مما خلف نتائج كارثية”، بناءً على ذلك اتفقت خمسة مدارس على رفض إعادة التجربة في امتحانات الدور الثاني، وبالتالي إجراء امتحانات مستقلة وقانونية حسب اللائحة الصادرة من وزارة التعليم، وتحصلوا على اعتماد من إدارة الامتحانات بالمدينة بحسب مدير مدرسة أنس.
كتاب وكيل الوزارة
لكن موافقة إدارة الامتحانات التي كانت ضد قرار مراقب التعليم كان لها تبعاتها السلبية، فقد أعفى المراقب مدير مكتب الامتحانات من مهامه كردة فعل، كما أكد أبو الشواشي، ورفض اعتماد نتائج المدارس الخمس بعد ظهورها رغم كل المحاولات للتحاور معه.
ولعل مراقب التعليم يستند في اتخاذ هذه القرارات على كتاب وكيل وزارة التعليم بحكومة الإنقاذ الوطني رقم 1164-2- 2015 والصادر في 5 أبريل 2015، والذي نوه فيه الوكيل إلى وجوب توحيد الأسئلة بين المدارس لطلبة النقل لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي.
“ولكن هذا مخالف للقانون المعمول به في هذا الشأن والوكيل لا يحق له إصدار قرارات” بحسب أبو الشواشي، وهو ما جعل المدارس الخمس تلجأ إلى الشكوى والقانون، مطالبين الرقابة بالتدخل وبشكل عاجل لحل هذا الإشكال.
تمسك بالقرار
في مكتبه يتمسك سالم التلوع مراقب التعليم بقرار توحيد الامتحانات ويصفه “بالصائب”، يقول التلوع لـ”مراسلون” إن قرار التوحيد جاء بعد دراسة مطولة مع كل الجهات ذات العلاقة بالتعليم، سواء المتوسط أو العالي، بداية باجتماعات تم عقدها خلال العامين 2016-2017 مع إدارات مكتب التعليم، وإدارات جميع مدارس المدينة التي يفوق عددها 35 مدرسة بين تعليم متوسط وأساسي.
ولأن دراسة جدوى القرار وعوائق تنفيذه والعمل على حلحلتها أخذت بعض الوقت تأخر تنفيذه، وتم تطبيقه في الفصل الثاني من هذا العام بحسب التلوع.
يرى التلوع أن توحيد الامتحانات ورفع مستوى الضبط في المدارس ضرورة يفرضها واقع “التراجع الكبير للمستوى التعليمي للطلبة”، والذي لاحَظتْه أيضاً إدارات الكليات والمعاهد العليا، “فأساتذة الجامعات غير راضين عن مستوى أغلب طلبة الدفعات الجامعية الجديدة” حسب قوله.
“وبالنظر لآلية التدريس في مدارس التعليم الخاص تحديداً” يقول مراقب التعليم فلا بد من توحيد الامتحانات، لأنها أصبحت “مدارس تجارية بحتة إلا القليل منها” كما عبّر المراقب، وهذا ما جعل إدارته تعيد النظر في العملية التعليمية بالمدارس العامة والخاصة، الأمر الذي خلص بهم إلى إصدار هذا القرار الذي لم يرضِ المدارس الخمس.
مباركة الوزارة
الخلاف والشكاوى المقدمة من الطرفين جعلت وزير التعليم بحكومة الوفاق الوطني د. عثمان عبد الجليل يعقد لقاء توافقياً بين المتخاصمين في سبتمبر الماضي، للوصول إلى حل لا يؤثر على الطلبة الممتحنين، وطالب الوزير المدارس الخمس بإحالة أوراق الامتحانات للدور الثاني إلى الوزارة لإعادة مراجعتها والنظر فيها.
ولكن بعيداً عن هذا الخلاف وقبل هذا اللقاء التوافقي، أشاد الوزير بتجربة توحيد الامتحانات وباركها أثناء زيارته الميدانية للمدينة الحدودية مع تونس في مايو 2017.
وصرح في لقاء موسع مع مسؤولي التعليم والامتحانات بالبلدية أن هذه التجربة خطوة مميزة، ووزارة التعليم ستعمل على تطبيقها في أقرب الآجال الممكنة، لأنها ستحد من عمليات الغش والتجارة بالأسئلة، ولم يكتف الوزير بالإشادة، بل قرر صرف مرتب إضافي كمكافأة مالية لجميع أعضاء اللجنة العامة للامتحان الموحد.
حقائق وأرقام
خاضت تجربة الامتحانات الموحدة في زوارة 35 مدرسة بينها 23 مدرسة عامة و 12 مدرسة خاصة، وشملت طلبة مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي مع استثناء المرحلة الابتدائية لأسباب فنية.
وقد وصل عدد نماذج الامتحانات الموحدة إلى 25 ألف نموذج، وتم الإشراف على تلك الامتحانات من قبل لجنة موحدة بلغ عددها 26 عضواً، شكّلها مكتب التعليم بالبلدية، بالإضافة إلى مراقبين لكل مدرسة ناهيك عن لجان الإشراف المباشرة الموجودة في كل مدرسة والتي تجاوز عدد أفرادها 400 معلم ومعلمة.
يُقر التلوع بأن “هذا العمل الدقيق” وكتجربة أولى في المدينة، من الطبيعي أن ينتج عنه “بعض الأخطاء” في رصد الدرجات أو النتائج “ونحن نعترف بذلك”، وتلك الأخطاء كانت حجة من اشتكوا ضد مراقب التعليم، ولكن “من لا يعمل لا يخطئ” بحسب التلوع.
لذلك يقول التلوع إن ما أخّر إعلان نتائج الدور الثاني هو تشكيل لجان للمراجعة قامت بالتدقيق أكثر من مرة لتجاوز “الأخطاء السابقة”.
ليس ردة فعل
ويستغرب التلوع تقديم الشكوى ضده بحجة عدم قانونية القرار بعد ظهور النتائج، في حين وافقت المدارس الخمس عليه قبلها، وما زاد استغرابه وصدمته، حسب قوله، أن يتحصل طالب بإحدى المدارس الخاصة على تقدير ممتاز في كل معدلاته السابقة، وفي الامتحان الموحد يتحصل على نسبة ضعيفة جداً، وكذلك أن تزودهم إحدى المدارس بقائمة تضم خمسة طلبة ناجحين بالترتيب الأول المكرر بنفس السنة في الفصل الأول، وأن يقوم معلم واحد بتدريس أربع مواد مختلفة، “من هنا أدركنا جيداً أن التعليم في خطر” في مثل هذه المدارس، ويتابع “لابد من وقفة جادة وهذا ما يجعلني أفتخر وأتمسك بهذا القرار الذي حد من المتاجرة بمستقبل أبنائنا، حتى وإن سجنت من أجله لن أبالي”.
ولكن رغم تمسك وفخر المراقب بقراره، إلا أنه ينفي إقالة مدير مكتب الامتحانات كردة فعل منه، بل تم إعفاؤه لأسباب أخرى بتاريخ سابق للتعميم الذي أصدره للمدارس الخاصة بشأن اعتماد امتحاناتهم الدور الثاني بشكل مستقل عن مكتب التعليم.
الطالب يعاني
“الطالب هو من عانى نتيجة هذا الخلاف” كما تقول عواطف إبراهيم والدة أحد الطلبة، حيث اشتكت الأم من تحامل مكتب التعليم على التعليم الخاص وعلى أبنائهم، “كون أبنائي يدرسون في مدرسة خاصة لا يعني أنهم غير أكفاء”.
تقول السيدة لـ”مراسلون” إن عدم اعتماد نتائج الدور الثاني هو تعطيل لمستقبل أبنائهم، مشيدة بالمدرسة الخاصة التي يدرس بها أبناؤها، فلم تلاحظ عواطف أن المدرسة قامت يوماً بإعطاء أبنائها علامات لم يستحقوها، وفي ذات الوقت لا تنكر وجود مدارس خاصة تتاجر بالعلم ولكن “لا للتعميم” تنهي عواطف حديثها.
د.عبد الله الكبوس متابع ملف التعليم ببلدية زوارة يقول “نحن كمجلس بلدي لم نطرح فكرة التوحيد ولكن باركناها بعد علمنا باجتماع كل المدارس واتفاقها على هذه الخطوة الاستباقية، وتابعنا تنفيذها وخاطبنا مكتب التعليم بتحمل المسؤولية القانونية لهذا الاجراء”، وحالياً يتابع المجلس ما يجري بخصوص الشكوى المقدمة وعقد لقاءً مع مكتب التعليم الذي اعترف بوجود بعض الأخطاء ووعد بمعالجتها في الدور الثاني وتجاوزها حسب الكبوس.
نافياً انحياز المجلس لأحد الطرفين في هذه القضية، ويؤكد أنهم يقفون على مسافة واحدة من الجميع “مع القانون وضد كل من يثبت انه يتاجر بأبنائنا ومستقبلهم”.
وبانتظار أن يصل المختلفون إلى قرار لازال مئات الطلبة الممتحنين في الدور الثاني ممن أحيلت أوراقهم إلى وزارة التعليم بانتظار أن تراجع إجاباتهم ويتم إعلان نتائج امتحاناتهم قبل بداية العام الدراسي الجديد على الأقل.