منظر سيدةٍ تضع مبلغاً من المال في صندوق مكتوب عليه “تبرعات لقسم الولادة” لفت انتباه “مراسلون” بمجرد وصوله لمستشفى زوارة البحري العام واليتيم في المدينة، وعند سؤالها قالت “عندما تعرضت لوعكة اضطرتني لدخول المستشفى وجدت طبيباً وممرضة، واحتجت إلى إسعافات بسيطة لم تكن متوفرة”.

تقول السيدة الأربعينية – رفضت التصريح عن اسمها – إن افتتاح هذا المستشفى الذي يشغل مؤقتاً مبنى عيادة قديم، فيما مقره الرسمي تحت الصيانة منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، هو حلم يراود كل سكان زوارة (أقصى الغرب الليبي).

منظر سيدةٍ تضع مبلغاً من المال في صندوق مكتوب عليه “تبرعات لقسم الولادة” لفت انتباه “مراسلون” بمجرد وصوله لمستشفى زوارة البحري العام واليتيم في المدينة، وعند سؤالها قالت “عندما تعرضت لوعكة اضطرتني لدخول المستشفى وجدت طبيباً وممرضة، واحتجت إلى إسعافات بسيطة لم تكن متوفرة”.

تقول السيدة الأربعينية – رفضت التصريح عن اسمها – إن افتتاح هذا المستشفى الذي يشغل مؤقتاً مبنى عيادة قديم، فيما مقره الرسمي تحت الصيانة منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، هو حلم يراود كل سكان زوارة (أقصى الغرب الليبي).

هذا المبنى هو الثاني الذي شغله المستشفى منذ دخول مقره الصيانة قبل حوالي ثلاثين عاماً، حيث شغل في البداية مبنىً قديماً يعود بناؤه لعهد الاحتلال الإيطالي لليبيا، إلا أنه تعرض لسقوط قذائف عليه إبان الثورة عام 2011 وأصبح آيلاً للسقوط مع تفاقم المشاكل الفنية به في تلك الفترة، فانتقل الطاقم ليتراص بالكامل داخل مبنى كان عيادةً للعيون.

اسم المستشفى مكتوب على لافتة باهتة أعلى المبنى العتيق، ومما يمكن ملاحظته فور الدخول إليه هو النقص الشديد في الإمكانات والكوادر الطبية، وكون المكان لايتسع للمرضى الذين يرتادونه يومياً – والحديث هنا للسيدة س. أ. – فمساحته صغيرة، وكل الخدمات الطبية “المتواضعة أصلاً” تقدم من مكان واحد.

يعمل رغم المعاناة

عن هذه “العيادة المستشفى” التي تبعد عن العاصمة 120 كلم غرباً يقول مديرها د.نضال الكيلاني إنها تقدم خدمات لقرابة 45 ألف نسمة، بالإضافة إلى سكان المناطق المجاورة التي أُغلقت معظم مستشفياتها لأسباب أمنية وفنية.

ويذكر الكيلاني أن الأقسام المُفعّلة هي “الإسعاف والباطنة والجراحة والنساء والولادة والكلى والمختبرات الطبية وعيادة الاطفال”، هي أقسام كثيرة يقول، ولكن معظمها عبارة عن غرفة أو غرفتين، مشيراً أن بعضها يعمل على مدار اليوم مثل الإسعاف وقسم النساء والولادة بالرغم من الظروف الصعبة.

المستشفى الفقير لم يقف عن العمل طيلة السنين الماضية حتى اليوم، ويُقدم ما يمكن تقديمه رغم المعاناة، وهذا ما أثبتته آخر إحصائية لعمل المستشفى التي أطلعت “نادية معمر” رئيس قسم الإحصاء بالمستشفى “مراسلون” على نسخة منها.

فحسب تلك الإحصائية المستشفى استقبل منذ يناير2016 حتى أكتوبرالجاري 381 حالة لقسم الجراحة والباطنة، و198 حالة لقسم العناية، أما قسم النساء والولادة فاستقبل 890 حالة منها 640 ولادة طبيعية و250 ولادة قيصرية بالإضافة لـ 1434 حالة كشف عام، وبالنسبة لعيادة الاطفال فاستقبلت 1156 حالة، وبطبيعة الحال فقد كان العدد الأكبر من الحالات مسجل في قسم الإسعافات الأولية متجاوزاً 10000 حالة، وإضافة لكل ذلك فقد شهدت غرفة العمليات 340 عملية جراحية كبرى و300 أخرى صغرى.

استنزاف المستشفى

“هذه الحالات نستقبلها بمعدات بسيطة وأساسية، وتعتبر بدائية مقارنة بالعالم ولكن لا بديل لنا سواها” يقول د.حكيم الغالي رئيس قسم العناية بالمستشفى، ويُضيف أن الإمكانيات محدودة ولذلك أصبح المستشفى يقتصر على جراحات كبرى مُستعجلة لإنقاذ الأرواح فقط.

ويرى الغالي أن هناك سوء إدارة من ناحية استنزاف المستشفى بالعمليات الباردة التي يمكن تأجيلها، وذلك لتوفير ما يمكن توفيره لعمليات الحياة أو الموت، وإلا ستُغلق غرفة العمليات وحتى المستشفى حسب كلامه، وما يزعج رئيس قسم العناية أيضا هو اضطراره للاصطدام بثقافة بعض المواطنين وعدم تفهمهم الوضع الحرج للبلاد، “وكأننا نحن سبب ما يعانيه المستشفى”.

الحال نفسه بمخازن الأدوية التي تكاد تكون اسماً فقط تقول مديرتها د.نجاة العزابي، وتوضح أن ذلك يعود لخلوّها من معظم الأدوية والمستلزمات الطبية التي يحتاجها المستشفى خاصة هذه الفترة.

توفير الأدوية ضعيف جداً من المخازن العامة تؤكد العزابي، فلا تتم الاستجابة للطلبيات إلا بكميات تكون رمزية أو بأخرى لا تحتاجها الأقسام الطبية أبداً، بالإضافة إلى غياب شبه تام لخدمات جهاز الإمداد الطبي الذي كان يغطي بشكل كبير هذا الجانب.

الطاقم الأجنبي

نقص الإمكانات في المستشفى عرقل بشكل كبير عمل العناصر الطبية الوطنية التي تبلغ 67 عنصراً، والطبية المساعدة البالغة 255 عنصراً حسب سجلات إدارة المستشفى، بالإضافة إلى 38 آخرين من الطاقم الأجنبي.

وهنا يشتكي د.مايكل اليكسيف أحد هذه العناصر لـ”مراسلون” أن الكثير من رفاقه ممن تعاقدوا مع الدولة الليبية غادروا بسبب توتر الوضع الأمني وتأخر المرتبات إلى جانب ما ذُكر سابقاً، لكن وحسب كلامه فإنهم سيبقون قدر المستطاع مراعاةً للجانب الإنساني قبل المادي.

وبالرغم من أن اليكسيف كان يتحدث بشكل عاطفي؛ لكنه لم يُخفِ تدهور أمورهم، لدرجة أنهم أصبحوا لا يمتلكون ثمن إيجار بيوتهم بسبب عدم صرف مرتباتهم منذ أبريل الماضي حسب كلامه، بالإضافة إلى إيقاف الحوالات المالية منذ نوفمبر2015، “هذه الظروف التي عادة ما تكون هاجساً يدفعنا لترك العمل عند التفكير بها” يقول الطبيب الأجنبي.

الدولة غائبة

إدارة المستشفى تُقدر جيداً وضع الطاقم الطبي الأجنبي وتُسانده، وتعتبر مغادرتهم “الضربة الكبرى” حسب كلام الكيلاني مدير المستشفى، ولكنهم – أي الإدارة – لا يملكون إلا السعي معهم في إتمام إجراءات صرف مرتباتهم، وهذا ما اضطر الإدارة أن تقترض مبلغاً لتمنحه لهم كسلف، بحيث يسيّرون بها أوضاعهم، “فلا مفر من القيام بدور الدولة الغائبة”.

حلول تلك المشاكل التي تحدّث عنها أكثر من مصدر؛ كان من المفترض تقديمها من وزارة الصحة مباشرةً، باعتبارها الجهة التي تتبعها المرافق الطبية، ولكن نتيجة للعجز الواضح من الحكومات المتعاقبة في إدارة المستشفيات بشكل عام، وتوقف الدعم اللازم والمخصصات الضرورية بشكل خاص؛ تدّخل المجلس البلدي زوارة بوضع آليات للمتابعة والدعم المباشر لتغطية نقص الاحتياجات الضرورية واللازمة.

يقول باسم دهان عضو بلدية زوارة أن البلدية وضعت آليات للدعم المالي لبعض العناصر الطبية الأجنبية، وشراء الأدوية والمواد الطبية وتقديم الدعم اللوجستي، والتكفل بسداد الديون المتراكمة والتي كان يجب على وزارة الصحة سدادها، ويتابع لم ينتهِ دور البلدية فيما ذكر آنفاً، فهناك اجتماعات دورية مع مسؤولي وزارة الصحة لوضع حلول للمشاكل المتفاقمة، وكذلك للاتصال بجهات مانحة وداعمة.

تدخُّلُ البلدية جاء أيضاً بعد أن طال أمد الأزمة مع عدم وجود سياسة واضحة، ما ينذر بحدوث كارثة إنسانية، “نحن نناشد المسؤولين في الحكومة للتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه” يختم دهان حديثه لـ”مراسلون”

مناشدة لأهل الخير

ما يحدث للمستشفى من مشاكل جعل أقسامه تعمل بشكل عشوائي وغير منظم يقول الكيلاني، فالمستشفى لا يملك استراتيجية واضحة يتم من خلالها وضع خطة للمدى البعيد.

ويذكر الكيلاني أن هناك بعض المنظمات حاولت مد يد المساعدة مثل “أطباء بلا حدود”، ولكن ماوفروه كان عينياً وبسيطاً، وأحياناً كثيرة لا يُطابق ما تتطلبه احتياجات المستشفى، “لأنهم يقدمون حسب ما يتوفر لديهم وليس كما نحتاج”.

يجد المدير نفسه مضطراً لطلب العون من أي جهة تود المساعدة، سواء من المجلس البلدي أو الأوقاف أو الهلال الأحمر أو حتى من رؤوس الأموال أو الأشخاص، “من أي أحد لا يهم ما دام سيتم توفير الاحتياجات”.

طلبُ المساعدة لا يقتصر فقط على المعدات والأدوية، بل حتى لترميم مبنى المستشفى المتهالك، فحسب تقييم رئيس قسم الصيانة شعيلي فطيس إن المبنى المُهيأ كعيادة جعله يتحمل أكثر من طاقته، حيث استُنزفت إمكانياته المتواضعة بسبب الاستهلاك الكبير مثلما حدث لشبكة المياه والصرف الصحي، الرطوبة منتشرة في كل الأقسام مسببة تصدعات في الجدران، “نخشى من القادم” يقول فطيس، مطالباً هو الآخر بتدخل من وزارة الصحة التي على ما يبدو لا ترد على أحد سواء بالسلب أو الإيجاب.

“لا ندري هل سيكون لنا مستشفى ذات يوم”، سؤال يغلفه الكثير من الإحباط تردده تلك السيدة المتبرعة بقليل من المال وبكيس يحوي بعض الأدوية والإسعافات الأولية.