فدوى كامل – زوارة
في مدينة زوارة أقصى الساحل الليبي غرباً رافق “مراسلون” السيدة فتحية جمعة وهي تعد مائدتها لإفطار أحد أيام شهر رمضان 2017، والتي تختلف كثيراً حسب قولها عن “موائد زمان” من حيث التنوع والحداثة في طرق الإعداد والشكل النهائي للمائدة.
حسب فتحية فإن ما كان يتم إعداده كمؤونة قبل حلول شهر رمضان من قبل العائلات الزوارية يتمثل في “إرن سوويك” وهي ما تعرف بالزميطة التي يتم إعدادها من الشعير، و”ارن چامان” ويسمى “دقيق بالماء” وهي وجبات كان الناس يتسحرون بها كونها غنية بالحبوب المتنوعة التي تساعد في إبعاد الظمأ عن الصائم وخاصة لو كان رمضان في فصل الصيف.
اما عن أنواع الحلوى فتضيف فتحية ضاحكة بأن “ما يقدم اليوم على مائدتنا من كيكات عالمية مثل التشيز كيك وكيك الكراميل وغيرها، لم تكن موجودة بل كنا نحضر أنواع الكعك المنزلي قبيل رمضان مثل الكعك الحلو والمالح وكعك بالحلقوم”، وهي ما كان يقدم مع الشاي بعد الإفطار، وحتى “الغريبة” وهي نوع من الحلويات القديمة كانت تعدها فقط العائلات الأكثر غنىً في المنطقة.
على مائدة فتحية ومع انطلاق مدفع الإفطار بدأت العائلة بـ”شق إفطارها” على عجين تمر بزيت الزيتون وقليل من الحلبة المطحونة (وهي عادة قديمة لا زالت كثير من العائلات محافظة عليها) مرفقة بكأس من اللبن الرائب أو الحليب البارد.
وبينما احتوت الأطباق الموضوعة إضافة للشوربة التقليدية على البيتزا والشاورما و”الطاجين التركي” والمعجنات، تقول فتحية أنه في السابق كانت الوجبة الرئيسية والمفضلة لدى أغلب العائلات هي “البازين” (عبارة عن عصيدة من دقيق الشعير تؤكل مع المرق والبطاطا والفلفل) وخاصة بالسمك “الحوت” أو بسمك السيبيا “الشوباي”، وبالذات عند وجود ضيوف.
والأطباق الجانبية التي ترافق البازين إما أن تكون “البراك (أوراق السلق المحشية بالأرز واللحم والخضار) أو الكفتة أو أكلة تسمى بالأمازيغي “تيعبودين” وهي عبارة عن كرات من اللحم المقدد والبصل والبقدونس”.
مائدة طرابلس
يرى بشير الفلاح وهو باحث ومدون للتراث الليبي الطرابلسي أن “أكل زمان بقدر بساطته ولكنه كان أروع من أكل اليوم الذي تطغى الآلة على إعداد كل شيء فيه تقريباً”، ففي السابق كان الخبز يعد في المنزل وحتى العجين الذي يستخدم في أكلة “رشتة البرمة” (عبارة عن عجين مطبوخ بمرق اللحم المقدد مع البقوليات) أيضاً يتم عجنه وقصه بالمنزل.
في السابق حسب الفلاح كان الطبق الأصلي اليومي الدائم طيلة شهر رمضان هو”الشوربة العربية”، وماعداها عبارة عن أنواع من المرق بالفاصولياء أو البازيلاء، أو أطباق جافة مثل الكسكسي أو الأرز أو المعكرونة بأنواعها، ولم تكن تدخل ضمن المائدة أصناف المقليات والمشهيات والمتبلات مثل اليوم.
في السابق أيضاً حسب الفلاح كان الناس يستعملون السمك كبديل عن اللحم بسبب غلاء سعره، وكانت الشوربة العربية تطبخ بسمك “التريليا” أو “الشكورفو” أو “المناني”، وأيضاً كان الناس يعدون أكلة “الحرايمي” وهي عبارة عن مرق بسمك “الفروج” والبطاطا، أو طاجين الحوت لوحده أو بالخضار، أو الطباهج بالحوت (وهي عبارة عن سمك مقلي وخضار مقلية يتم خلطها مع صلصة الطماطم بالثوم).
وإن كانت العائلة ميسورة الحال فإنها كانت تحرص على وجود “العصبان” الذي يقدم مع الكسكسي، أو “القرقوش” وهو اللحم المجفف الذي يساعد على إعداد وجبة كسكسي مختلفة توضع فيها أنواع كثيرة من الخضار المفيدة.
كل هذا مختلف تماماً عن ما تقدمه العائلات الطرابلسية اليوم في موائد إفطارها، حيث لا بد من البيتزا والمعجنات بالإضافة للكباب والبوريك والقلاية وغيرها من أصناف الطعام العالمية.
مائدة بنغازي
من المائدة الطرابلسية إلى المائدة البنغازية التي تحتفي بشهر الصيام بأنواع مختلفة من الأطعمة، حيث كانت العائلات البنغازية في السابق حسب كلام سلوى المبروك وهي صاحبة معمل طبخ، تشق إفطارها على كوب الحليب باللوز الذي تعده الأمهات في البيوت مع التمر، و “الروينة” وهي عبارة عن حبوب متنوعة مطحونة تخلط بالماء أو الحليب وتحضرها الأمهات قبل رمضان بالتزامن مع طحن القهوة وغربلتها وإعدادها.
ليبدأ بعد ذلك الإفطار الذي يحتوي في معظم الأيام على الشوربة التقليدية والكيمة (لحم مفروم مطبوخ مع البصل والبهارات) والبراك، بالإضافة لوجبة رئيسية من الأرز أو مرقة الفاصولياء بكرش الخروف.
أما الحلويات تقول سلوى فقد كانت “لقمة القاضي” هي الحلوى التي لا يعرف البنغازيون غيرها في رمضان حتى منتصف الثمانينات، حين قام محل الحلويات الشهير “بوعشرين للحلويات الشامية” بإدخال الكنافة والقطايف من المناطق المجاورة “من منا لا يعرف هذا المحل” تقول سلوى.
وفي السهرية والسحور كانت “مهلبية الرز” هي ما يأكله الناس ليلاً، حيث كانت النساء تقمن بطحن الأرز وغربلته قبل رمضان لتطبخ منه يومياً ما يكفي عائلتها مع الحليب وتسكبه في إناء واحد يزين بالقرفة والزبيب تأكل منه كل العائلة، فيما تم استبدالها اليوم بالكراميل والكاسترد وموس الشوكولا وغيرها من الأكلات العالمية التي ترى سلوى أنها تفقد ليالي رمضان خصوصيتها التي كانت تغلب عليها جو الألفة واللمة العائلية والأكل التقليدي.
وحتى المشروبات اختلفت حيث المشروبات الغازية والمعلبة أصبحت تحتل المائدة، والشوربة أيضاً الآن اختلفت عن السابق حيث راج تقديم شوربات الخضار والعدس بالكريمة، مع أطباق البيتزا والشيش طاووق والبرجر والكنتاكي والتشيكن رول وغيرها التي أصبحت تقدم في معظم بيوت المنطقة الشرقية برمضان، والذي تستغربه سلوى هو أن الإقبال على هذه المأكولات أكبر من المأكولات القديمة رغم الاختلاف في الفائدة والقيمة الغذائية وكمية الدهون بين الطعام التقليدي والمستورد.
المائدة الجنوبية
المائدة الليبية في الجنوب على ما يبدو كانت الأقل تأثراً بعولمة الطعام، وذلك حسب عائشة معتوق مديرة جمعية “البيت الاصيل” في سبها، والتي ترى أن التغيير في المائدة والعادات الرمضانية جاء بالتدريج ولم يحدث تغييراً بشكل كامل، وتُعلل ذلك بالظروف الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة الجنوبية بالعموم.
وحيث أن الزراعة كانت ولازالت الطابع السائد للمنطقة، فمن المتعارف عليه أن يقوم الزوج في بداية موسم الحصاد بترك “حسبة رمضان” من الحبوب التي تستخدم لطبخ “الهروشية” المكونة من القمح الأخضر المجفف والمطحون والذي تطبخ به الشوربة مع اللحم أو الشحم المقدد يومياً في رمضان.
وبالرغم من ضيق ذات اليد لمعظم سكان مدينة سبها تقول عائشة أن هناك أنواعاً من الطعام كان لا بد للعائلات أن يجهزوها بأنفسهم قبل رمضان، مثل البهارات والبصل والفلفل والطماطم المجففة، وأنواع أخرى يتم تجفيفها وطحنها وتسمى “حوايج العيش” والعيش هو البازين بلهجة أهل الجنوب، وفي موسم تحضير حوايج العيش حسب عائشة كان يسمع “دق المهاريس في كل البيوت”.
ثم تأتي “ليلة القرش” وهي الليلة الفاصلة بين شعبان ورمضان وتعرف في الشمال بـ”ليلة الموسم”، تحضر فيها وجبة “الهريسة” بالقديد أو العصبان وتجتمع فيها كل العائلة في بيت الجد ويفترق المجتمعون بعد العشاء قبل وصول “الدبداب” وهو المسحراتي الذي يعلن عن وقت السحور لليلة الأولى من رمضان.
بعدها يبدأ اليوم الأول الذي تحضر فيه أطباق محددة تتكرر على طول الشهر، حيث لا بد من التمر واللبن لشق الإفطار ثم الهروشية والبازين والكفتة والبراك وفي الغالب تستخدم في تحضير الطعام الخضراوات والحبوب التي يزرعها الزوج ويخبئ منها مؤؤنة العائلة لشهر الصيام.
حلويات “القافولي” و”الكابوركا” تقدم بعد الإفطار ومنها ما يحضر من نبتة القصب ومن قلب نبتة الحنظل بعد إزالة المرارة منه، بالإضافة إلى حلوى الجلية وهي تصنع من القمح أو الذرة ويتم تحضيرها بالسكر والعسل والكعك العادي والكعك المخمر، وهذه الأنواع حسب عائشة لازالت تباع في الأسواق وهناك إقبال كبير عليها.