الحديث عن تهريب مشتقات النفط من ميناء الزاوية (40 غرب طرابلس) لم يكن يستند على تقرير رسمي من الدولة، إلى أن اتهم مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بداية يناير الماضي سريّة تابعة لحرس المنشآت فرع المنطقة الغربية بالقيام بهذا العمل.
مكافحة وتهريب!
صنع الله الذي سارعت وكالات إخبارية محلية إلى نقل تصريحاته أكد تهريب المحروقات المدعومة المخصصة للسوق الليبي من ميناء الزاوية عن طريق سرية “النصر”، وقال “إن هذه الجرائم الاقتصادية والمنظمة دولياً تسببت في خسائر بمئات الملايين من الخزانة العامة للدولة”.
سرية النصر لم تقف ساكنة ضد هذا الاتهام المباشر، فردت بسرعة بالنفي في بيان مصور انتشر عبر الفيسبوك، واستنكرت تصريحات صنع الله وقالت إن العاملين في ميناء الزاوية يقومون بعملهم بشكل جيد، ولا يشاركون في التهريب وإنهم يعانون من التلوث الناجم من المصفاة.
تصريح صنع الله وردُّ السريّة جعل “مراسلون” يتجه للميناء الذي يعد من أهم الموانئ النفطية في ليبيا للبحث عن بعض الإجابات، ورغم صعوبة الحصول على تصريحات من هناك، إلا أن أحدهم وافق على الحديث دون ذكر اسمه.
يقول المصدر إن الأجهزة المسؤولة عن ضبط التهريب هي نفسها من تقوم بعمليات التهريب، أي أنها تقوم بالتهريب لصالحها ولكن تعمل على مكافحته عندما يكون لصالح أطراف من خارج مدينة الزاوية.
المصدر ذكر أن خفر السواحل في نقطة مصفاة الزاوية وحرس المنشآت النفطية المسمى بفرقة الإسناد الثانية يعملان في نفس الجانب، حيث يضبطان عمليات التهريب من العصابات الموجودة في زوارة (120 كلم غرب طرابلس)، وفي ذات الوقت يعملان على تهريب الوقود لحسابهما الخاص.
يتزودون في البحر
ما ذكره المصدر الذي يعمل داخل الميناء أضاف جسماً آخر مشاركاً في عملية التهريب وهو خفر السواحل، الأمر الذي حتّم على “مراسلون” الاتصال بالعميد أيوب قاسم الناطق الرسمي باسم البحرية الليبية.
قاسم نفى تواجد خفر السواحل داخل الميناء، وأوضح أن تأمين الميناء ليس من اختصاص خفر السواحل وإنما هو مهمة أجهزة أخرى، “عمل البحرية ضبطي داخل البحر” يؤكد الناطق.
وفي معرض حديثه عن التهريب، قال قاسم إن الناقلات التي تم ضبطها في المرة الأخيرة قبالة سيدي سعيد بالقرب من زوارة غرب ليبيا، كانت تتزود بالوقود داخل البحر من خلال أنبوب يصل إلى مسافة كيلومترين في عمق البحر، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى تجهيزات كبيرة ومصروفات ضخمة وهو ما يطرح سؤالاً حول مصدر هذه الأموال والتنظيم.
ومع ذلك يؤكد قاسم أن البحرية تمتلك القدرة على إيقاف تهريب النفط ومشتقاته، إلا أنها تعاني من نقص الإمكانات، وحسب كلامه فقد ضبطت البحرية أكثر من 12 ناقلة تحمل ملايين اللترات من الوقود الليبي المهرب بعد عام 2011.
بالإضافة إلى لقاء قاسم، حاول “مراسلون” جاهداً التواصل مع أطراف مسؤولة من جهاز حرس المنشآت المكلف بحراسة الميناء، ولكنهم جميعاً لم يدلوا بأي تصريحات.
“عاصفة البحر الأبيض”
رغم تصريحات قاسم بخصوص ضبط ناقلات التهريب إلا أن رئيس لجنة أزمة الوقود والغاز ميلاد الهجرسي يتهم جميع الجهات الرسمية في الدولة بالتقصير في دعم لجنته لمكافحة تهريب مشتقات النفط.
ويوضح الهجرسي أن اللجنة تعلم وتحدد المناطق التي يتم من خلالها التهريب لأنها تحت المراقبة والرصد، ولكن لا يجب التصريح بهذه المواقع للإعلام للمحافظة على سرية عمليات الضبط ومكافحة التهريب.
الهجرسي كشف لـ”مراسلون” أن اللجنة أطلقت عملية “عاصفة البحر الأبيض المتوسط” التي لا تقتصر فقط على مكافحة تهريب المحروقات، بل حتى المواد الغذائية والخردة والأسماك وغير ذلك من المواد التي يضر تهريبها بالاقتصاد الليبي.
على “الهجرسي” يرد قاسم قائلاً “لسنا ضد لجنة أزمة الوقود والغاز وعملية عاصفة البحر الأبيض المتوسط لمكافحة التهريب” ولكن البحرية الليبية ليست مرتبطة بشكل إداري رسمي معها حسب كلامه، وطالب بعدم الزج باسم البحرية الليبية بدون تنسيق رسمي أو وجود دور حقيقي لها، مطالباً اللجنة بالتواصل مع البحرية والتنسيق بشكل مناسب وعدم الاكتفاء بـ”التصريحات الإعلامية الخاطئة”.
طرق التهريب
وبالعودة لميناء الزواية ولمصدرنا الذي أكد تعرض من يحاول الخوض في موضوع تهريب الوقود إلى التهديد من قبل المجموعات المسلحة المسيطرة على هذه التجارة غير القانونية، يقول إن طرق التهريب تنقسم إلى نوعين، الأول من خلال الخزانات الصغيرة من سعة 40 ألف لتر التابعة للمحطات، وذلك من خلال استخراج طلبيات للمحطات فوق حاجتها لتهريب الفائض، إضافة إلى تأجير محطات وتهريب مخصصاتها من الوقود عبر البر، وهذه الطريقة خاصة بصغار المهربين.
الطريقة الثانية تُستخدم فيها ناقلات تهرب النفط إلى مالطا ضمن “أعمال” كبار المهربين، ولا تصل الناقلات إلى الميناء النفطي ولكنها تبقى بعيدة عن الميناء وتتم تعبئتها بأنابيب خاصة، وهي الطريقة نفسها في التعامل مع ناقلات النفط القادمة من الخارج لنقل مشتقات النفط بالشكل القانوني أيضاً.
حيث يقوم المهربون بجلب ناقلات صغيرة تقوم بالتعبئة من مستودعات شركة البريقة لتسويق النفط، من خلال الأنبوب المخصص لضخ الوقود إلى الخزانات من نواقل النفط التي تحمل الوقود المستورد الواصل إلى ليبيا، ولكن في عمليات التهريب يتم الضخ بشكل عكسي، بحسب المصدر
عمليات التهريب –بحسب المصدر المطلع في ميناء الزاوية – تتم بالتحايل القانوني حيث تخرج كميات الوقود المهرب بإيصالات رسمية لحساب الشركات وبإجراءات قانونية كاملة وبعد سداد قيمتها نقداً، وبسبب نقص إمكانيات هذه المجموعات المسلحة العاملة في تهريب الوقود لا يتم تهريب النفط لأسباب مختلفة.
وتتكبد ليبيا خسائر سنوية تقدر بأكثر من ثلاثة مليارات دولار أمريكي نتيجة تهريب المحروقات المدعومة، وفقا لتصريحات مدير مكتب التحقيقات في مكتب النائب العام الصديق الصور، والذي أعلن في يناير كانون الثاني الماضي اتخاذ إجراءات قانونية لضبط المهربين محلياً ودولياً.
وبحسب الصور أصدر النائب العام في ليبيا في ذلك الوقت أوامر قبض في حق متهمين في قضايا إقفال الحقول النفطية وتهريب الوقود، إضافة إلى قرار بمنع مديري الشركات النفطية من السفر.