في افتتاحية عيد الفطر لعام 2013 على موقع السفارة الأمريكية كتبت ديبرا جونز السفيرة الأمريكية السابقة في ليبيا “في كلّ مرة أقود فيها سيارتي على طريق الكورنيش عبر مرفأ طرابلس، أتصوّر مستقبل ليبيا، حيث ترتبط طرابلس ببنغازي عن طريق البحر، والسياحة. وأرى الميناء وقد تمَّ تنظيف مياهه الضحلة من الأوساخ وأُعيدت تهيئته لاستقبال العبّارات والرحلات المكوكية التي تقوم بها السفن السياحية التي تنقل آلاف السياح القادمين لزيارة هذا البلد الجميل، وأرى السيّاح وهم ينزلون من السفن في طرابلس عروس البحر الأبيض المتوسط”.
موقع ليبيا الجغرافي، وساحلها الممتد بطول 1900 كلم على البحر الأبيض المتوسط وما لديها من موانئ وإمكانيات يجعلها من البلدان ذات النزعة البحرية، كما أن الاستثمارفي مجال النقل البحري السياحي يساهم في دعم الاقتصاد الليبي ونشر ثقافة السياحة البحرية في ليبيا وجعل الموانئ الليبية قبلة للعديد من السفن السياحية الكبيرة.
فهل لدى ليبيا اليوم أسطول تجاري متكامل يحوي سفن بضائع وناقلات نفط وسفناً سياحية؟
الشركة الوطنية العامة للنقل البحري هي شركة مساهمة ليبية مملوكة بالكامل للدولة، أنشئت عام 1975 وازداد إجمالي رأس مالها ليصبح (1.2) ملياردينار ليبي في عام 2009 وأعطيت لها الصلاحيات الكاملة بما في ذلك المشاركة مع الشركات في الداخل والخارج عامة كانت أو خاصة في نقل صادرات وواردات ليبيا من خلال تملك وبيع وإيجار واستئجار جميع أنواع السفن والناقلات.
السفن السياحية
امتلكت الشركة سابقاً أربع سفن سياحية هي “طليطلة” و”غرناطة” بطاقة نقل 848 راكباً و300 سيارة و 2200 طن من الحمولات في عنابر كل منها، والسفينة “قاريونس” التي تحمل 600 راكباً وعنابـر للبضاعة ومخازن للسيارات، والسفينة “الهناء”، دخلت كل من طليطلة وغرناطة الخدمة سنة 1981 ثم تلتها قاريونس فالهناء.
ساهم الأسطول السياحي بشكل كبير في إيجاد بديل للرحلات الجوية أيام الحصار الجوي الذي فرض على البلاد سنة 1992، حيث كانت هنالك عدة خطوط سياحية منتظمة وهي (طرابلس – مالطا – طرابلس)، (طرابلس – طنجة – الدار البيضاء – حلق الواد – طرابلس)، (طرابلس – بنغازي – الاسكندرية – اللاذقية – طرابلس)، (طرابلس – بنغازي – أزمير – بيريوس – طرابلس)، فازدهرت الحركة السياحية البحرية واكتسبت الشركة خبرات تشغيلية وفندقية جيدة.
وبعد رفع الحظر الجوي عن ليبيا عام 1999 وعودة الرحلات الجوية انتكست السياحة البحرية، وبدأت الشركة تخسر من بداية عام 2001، الأمر الذي أدى إلى بيع الأسطول السياحي بالكامل ابتداء من عام 2004.
في يوليو 2010 تم التوقيع على عقد بناء سفينة سياحية ليبية عملاقة تتسع لحوالي 4000 راكب وتضم 1739 غرفة وتحتوى على 18 طابقاً، كان توقيع العقد بأوامرمن هانيبال القذافي الذي كان يتحكم بقطاع الصناعة البحرية والموانئ في ليبيا، لكن الإطاحة بنظام والده أدى إلى التوقف عن إكمال بناء السفينة التي ساد اعتقاد حينذاك بأن شراءها لم يعدُ كونه استعراضاً غير مجدٍ، ثم تم بيعها لشركة (إم سي إس) للرحلات البحرية.
يقول الكابتن أبولقاسم المسماري عضو مجلس إدراة الشركة الوطنية للنقل البحري إن “السفينة التي كان هانيبال القذافي ينوي شراءها كانت سفينة ربحية، ولكن لم يكن بمقدورها الدخول إلى الموانئ الليبية نظراً لعدم جاهزية الموانئ الليبية لاستقبال السفن الكبيرة”.
سفن البضائع ( الكارجو)
امتلكت الشركة 12 سفينة تجارية بما فيها سفن بضائع عامة وسفن بضائع جافة وسفن شحن أفقي، ولكن جميعها بيعت بعد أن غرقت السفينة ابن حوقلعام 2002 قبالة السواحل الجزائرية ومات جميع أفراد طاقمها، وأصبحت الشركة اليوم لا تملك أية سفن لنقل البضائع.
يقول الكابتن حسن الجويلي مدير مصلحة الموانئ في الحكومة المؤقتة ومدير ميناء طرابلس البحري سابقاً “كانت إيرادات السفن التجارية (الكارجو) تأتي من ما تستورده الدولة الليبية من كافة احيتاجاتها، أما الآن فالدولة تدفع سعر النقل وتكلفة المادة المستوردة، ولم تعد هناك أية سفينة كارجو ليبية، جميع السفن تحمل أعلام دول أجنبية”.
حسب الجويلي فإن الشركات الأجنبية يكون لها وكيل بحري ليبي يقوم بالتنسيق الكامل لعملية نقل البضائع، بداية من تسجيل السفينة وتاريخ التحميل ثم تاريخ وصولها إلى الميناء حتى إتمام العملية.
أسطول ناقلات النفط
هذا هو المجال الوحيد الذي تمتلك فيه الشركة سفناً، حيث تركز حالياً على اقتناء ناقلات النفط ومشتقاته وناقلات الغاز المسال، وتملك أسطولاً يتكون من ناقلات ذات أنواع وأحجام مختلفة مملوكة لشركات مستقلة بنظام سفينة واحدة لمالك واحد وتملك الشركة الوطنية العامة للنقل البحري كافة أسهم هذه الشركات.
ناقلات النفط التي تمتلكها الشركة الوطنية للنقل البحري عددها 23 ناقلة أغلبها عمرها من أربع إلى خمس سنوات، مؤجرة بالكامل لشركة البريقة لتسويق النفط ويصل إيجار السفينة إلى 16 ألف دينار ليبي في اليوم، وهذا التوجه كان مبنياً على ميزة أعطتها منظمة الأوبك للدول المصدرة للنفط وهي أن الدولة المصدرة يحق لها تصدير النفط بسفنها الخاصة بها.
يقول الكابتن حسن الجويلي إنه “بالرغم من حاجة البلاد لأسطول بحري سياحي إلا أن سياسة الشركة الجديدة اتجهت لامتلاك ناقلات النفط بأنواعها لضمان الأرباح، بدون النظر إلى حاجة المواطن وإلى تشجيع السياحة”.
ولكنه لفت النظر إلى أن الوضع غير المستقر بعد الثورة وفرض التأشيرات على المواطن الليبي في معظم الدول جعلا من الصعب على إدارة الشركة الحالية التفكير في عودة الأسطول التجاري والسياحي رغم الحاجة الماسة لهما.
الشركة حسب الكابتن المسماري حدثت لها انهيارات مالية كبيرة لسببين، الأول تدخل النظام السابق وجيشه في إدارتها، فسفن البضائع حسب قوله أصبحت في وقت ما سفن استطلاع للأسطول السادس، ناهيك عن الفساد الذي كان يحول دون تحقيق أرباح حقيقية وخاصة في السفن السياحية.
والسبب الثاني هو عدم التجديد فحسب النظام العالمي البحري كل سفينة تبلغ من العمر 20 سنة تصبح عليها غرامات مالية تسددها لدى دخول الموانئ، وهكذا أصبحت الشركة تعاني من خسائر بسبب عمر الأسطول السياحي والتجاري ولم تكن لديها القدرة على شراء سفن جديدة وبالتالي تدخلت الدولة وتم بيع الأسطول السياحي والتجاري دون التفكير في استبداله بما هو أحدث.
مؤخراً وبعد تفعيل إدارة التأمين والتعويض بالشركة والتي كان لها دور فعال في متابعة القضايا العالقة واسترجاع مبالغ مالية كبيرة كانت ضائعة على الشركة، يعتبر المسماري أن الأمورتتحسن، ويؤكد لـ”مراسلون” أن هناك خطة استراتيجية لشراء سفن نقل بضائع في الوقت القريب.