رفض قائد السيارة الأجرة الدخول إلى المنطقة، أوقف محرك سيارته وقال: “لن أدخل هذا المكان، مشيرًا إلى منزل بدوي صغير “هذه بداية نجع المطاريد”، بيئة صحراوية وطرق ومدقات غير ممهدة وبيوت صغيرة من طابق واحد متناثرة فوق مساحة شاسعة من الرمال.. لا مؤشرات على وجود بشر هنا ولا دولة أيضا.
انتهت رحلة البحث عن مصادر تتحدث لـ”مراسلون” عن تهريب السلاح والمخدرات إلى قرية “نجع المطاريد” التي تقع في أقصى غرب محافظة الإسكندرية، وحسب المصادر فهي إحدى نقاط ارتكاز للبضائع المهربة من غرب مصر عبر الصحراء أو من خلال البحر الأبيض المتوسط.
موقع النجع الجغرافي وطبيعة سكانه جعلاه نقطة تلاقي للمهربين ومخزن للبضائع المهربة، فالنجع يبعد عشرات الكيلو مترات جنوب البحر المتوسط ففي أقل من ساعة تصل البضائع المهربة من خلال البحر إلى النجع ويتم تخزينها أو نقلها إلى محافظات أخرى، كما تبعد 45 كيلو متر عن الدروب الصحراوية التي يستخدمها المهربون غرب مصر، وسكان النجع الذين ينحدرون من القبائل البدوية من عرب مرسي مطروح والسلوم والعامرية لديهم معرفة بالدروب الصحراوية في غرب مصر ويتنقلون بحرية بعيدًا عن أعين الأمن، وعلاقاتهم بالقبائل الأخرى تضمن لهم أدلاء في المناطق الوعرة في الصحراء الشرقية.
التنقل داخل نجع المطاريد من منزل إلى الأخر مهمة شاقة، فكل ما تجده قدمك رمال أو صخور أو تلال، تلاحقنا عيون الأهالي القليلة بتوجس فلا مكان للغرباء، رفض معظمهم الحديث، نصحنا عجوز بدوي بالانصراف، قال: لا يوجد هنا سوى المخدرات والسلاح، فمن تريدون؟، وانصرف مسرعًا ولم ينتظر إجابة.
تعيش 13 عائلة بدوية كبيرة في نجع المطاريد يعملون في مجال التهريب كما يقول الشيخ هلالي الذي تجاوز عمره 65 عامًا، يضيف في الليل يطلق أفراد من العائلات الأعيرة النارية بكثافة لمدة 5 ساعات متواصلة أحيانًا كنوع من فرض السيطرة وإثبات الذات، وفي الصباح يمكنك أن ترى فوارغ الطلقات، هنا يمكنك أن تجد كل أنواع المخدرات والأسلحة النارية الخفيفة المهربة من الخارج، كيف تدخل البلاد؟، ما هي وسائل التهريب؟.
الأسلحة تأتي من ” السودان، وليبيا التي أصبحت مؤخرا من أهم الدول الموردة للسلاح إلى مصر، وتأتي المخدرات خاصة الحشيش والهيروين والذي يطلق عليه سكان النجع “الأبيض” من دول المغرب ولبنان، والأردن، إيران، وعمان، يجيب هلالي الرجل البدوي العجوز الذي وافق على الحديث لـ”مراسلون” بشرط إخفاء هويته.
هناك 4 طرق رئيسية لتهريب البضائع إلى مصر، أولها حدود الصحراء الغربية، فتأتي البضائع من ليبيا إلى الصحراء الغربية ويتم نقلها إلى الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد أو من السلوم إلى العلمين عند بداية طريق وادي النطرون يعبرون خلالها دروب صحراوية سرية في منطقة بعينها يطلقون عليها “خشم العيش” وهي منطقة قريبة من مطار العلمين لا تعرفها قوات الأمن تلتقي فيها سيارات الدفع الرباعي والمحملة بالبضائع ثم تتجه إلى نجع المطاريد في الإسكندرية، وثاني طريق هو الصحراء الشرقية عبر سلسلة جبال البحر الأحمر عبر درب الأربعين على الحدود السودانية والتي يستغلها المهربون في نقل البضائع المهربة حتى تصل إلى مركز البداري في أسيوط ثم يتم التوزيع من تلك النقطة.
الطريق الثالث هو البحر المتوسط، وتشتهر 3 محافظات بعمليات التهريب وهي الإسكندرية وكفر الشيخ ودمياط، لكن الأشهر هي الإسكندرية، وتدخل البضائع من البحر إلى نجع المطاريد مباشرة ويتولى “تجار” النجع عمليات نقلها إلى محافظات الدلتا والصعيد، فيما تنتقل البضائع في الطريق الرابع عبر دروب جبال سيناء على الحدود الشمالية الشرقية لمصر.
ويشير هلالي إلى أن طرق التهريب الأربعة الرئيسية تمر عبر دروب صحراوية ومدقات جبلية وعرة لا تعرفها قوات الأمن وحرس الحدود، وإذا كانت تعرف بعضها فلا تستطيع دخولها لوعورتها، كما يستغل المهربون الأدلاء للسير ليلا على هدى النجوم بلا أضواء السيارات حتى لا تكشفهم الشرطة.
ومعظم البضائع من الأسلحة والمخدرات المهربة من تلك الدول يتم تخزينها عند “بطن الجبل وتُوزع بالمحافظات المختلفة للاستهلاك المحلي.
يشرح هلالي: هناك متخصصون في النجع مهمتهم تخزين البضائع أسلحة أو مخدرات ويطلقون عليها “التصقيع” يتم تغطيتها جيدًا بأقمشة وتوضع في أجولة بلاستيك وتدفن في الرمال بطريقة معينة في منطقة يطلق عليها المهربين “بطن الجبل”، وهدف “التصقيع” هو إخفاء البضائع عن الأمن وانتظار الوقت المناسب لنقلها إلى محافظات أخرى.
يقول اللواء شريف عبد الحميد، مدير مباحث الإسكندرية، لـ”مراسلون” إن منطقة غرب برج العرب من أكثر البؤر الإجرامية التي تعمل في تهريب المخدرات، مشيرا إلى أن قوات الأمن ضبطت خلال العام الحالي قضيتي مخدرات في برج العرب أبرزها ضبط نصف طن حشيش مغربي وهي ما عرفت إعلاميا بسقوط “إمبراطور المخدرات“.
ووصف عبد الحميد القضية بأنها ضربة قوية لتجار المخدرات بسبب الكمية المضبوطة، مشيرا إلى أن المباحث الجنائية تتصدى بكل قطاعاتها لتجار السلاح والمخدرات والمهربين وتعمل بكامل طاقاتها من أجل ضبطهم لأنهم يبيعون الموت للمواطنين الآمنين.
وأكد عبد الحميد، أن قوات الأمن وجهت ضربة لتجار ومهربي السلاح بغرب الإسكندرية، بعد ضبط أفراد أحد أكبر العائلات بنجع المطاريد أثناء تهريب 13 قطعة سلاح آلي ومئات الطلقات.
في قلب العمليات
ضباط الشرطة لا يستطيعون دخول نجع المطاريد، هكذا رد أبو عامر (اسم مستعار) وسيط تهريب على تصريحات مدير المباحث، فأغلب العائلات لديها أسلحة آلية ومستعدة لمبادلة القوات النار إذا تم الاقتحام، ويحتاج النجع لمأمورية كبيرة لتطويق القرية وستؤدي عملية اقتحام النجع خسائر في الأرواح، مضيفا من يتم ضبطهم هم التجار الصغار أو ما يطلق عليهم تجار القطاعي لكن المهربين الكبار يمارسون عملهم بشكل طبيعي.
وأبو عامر الذي تحدث لـ”مراسلون” بشرط عدم ذكر اسمه متزوج ولديه 3 أطفال يعمل مقاول مهربين، فهو يتفق مع المهربين والمساعدين والأدلاء وينظم عمليات التهريب مقابل 50 ألف جنيه عن كل عملية وأحيانًا أكثر حسب نوع البضاعة وخطورة نقلها.
ويكشف أبو عامر عن طرق تهريب السلاح والمخدرات في البحر، شارحا: تتوقف البواخر وسفن نقل البضائع التي تعمل في تهريب الأسلحة والمخدرات في عرض البحر بمناطق الساحل الشمالي على البحر المتوسط خارج المياه الإقليمية، وينتظرها المهربون في لنشات صغيرة توضع فيها صناديق الأسلحة والمخدرات وتغطى بمعدات الغطس أنابيب أوكسجين والعوامات للتمويه، وتتجه إلى الشاطئ بمناطق مختلفة بسواحل المحافظة منها أبو قير شرق الإسكندرية، أو في العلمين، أو الساحل الشمالي وسيدي كرير أو أبو تلات بغرب المدينة.
يضيف مؤخرًا دخل الصيادين في مجال التهريب بعد حالة الكساد التي أصابت مهنتهم، حيث يتلقون البضائع من البواخر وسفن النقل الكبيرة ويتم إخفائها حول محرك مركب الصيد بعد ربطها في أكياس بلاستيكية حتى لا تتعرض للتلف، وإذا كانت كمية المخدرات كبيرة توضع في عوامات كبيرة ثم يربطوها بحبال قوية متصلة بـ “جنش” معلق بالسفينة بحيث تكون أسفل الماء ويتم سحبها حتى الشاطئ الذي ينتظر عنده مساعدين ينقلون البضاعة إلى النجع.
ويؤكد أبو عامر أن عمليات التهريب البرية على الحدود المصرية الليبية تعتمد على الأدلاء الذين يعرفون الدروب الصحراوية والتمركزات الأمنية، ويتم استخدام سيارات الدفع الرباعي والجمال في نقل البضائع، وتتحرك السيارات ليلا أو عند مطلع الفجر على هدى النجوم التي يعرفها دليل الصحراء الذي يتقاضى 40 ألف جنيه عن كل عملية تهريب.
وتتراوح أسعار المهربين كما يقول أبو عامر الذين يشحنون البضائع، بحسب نوعيتها وطرق نقلها، فمثلا الحشيش أو الهيروين الذين يتم نقلهما عبر قارب في البحر أو مركب يحصل المهرب من 50 ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه حسب الكمية.
ومهربي الأقراص المخدرة يتراوح سعرهم في النقلة ما بين 30 ألف جنيه و70 ألف جنيه بحسب الكميات أيضا، وتهريب السلاح له اتفاقيات خاصة حيث يبدأ سعر النقلة من 90 ألف جنيه إلي أكثر من 150 ألف جنيه بحسب كميات الأسلحة وطريقة التهريب، وكل تاجر يحدد طريقة التهريب التي يرى أنها أكثر أمانًا لبضاعته.
تأمين وصول البضائع
ويستخدم المهربون أجهزة التليفونات “الثريا” في التواصل بينهم، وهي هواتف تعمل على الأقمار الصناعية ولا ترتبط بشبكات محلية بعينها وتكون غالبا أكثر أمانا، كما أنها تعمل في جميع الأماكن في عرض البحر أو قلب الصحراء بدون الحاجة إلى أبراج تغطية
يقول “نصار” شاب يبلغ من العمر 25 عامًا إن هواتف “الثريا” يجلبها تجار السلاح مهربة عبر سيناء وأنفاق غزة والمطارات حيث يوجد تجار متخصصين في سيناء يبيعون تلك الأجهزة مقابل 4 ألاف دولار بدون بيانات مسجلة لمالكه خشية تعرضه للملاحقات الأمنية.
ويعمل “نصار” (اسم مستعار) مهرب وأحد أهالي نجع المطاريد، أن هناك شخص يعمل مع تجار المخدرات والسلاح يطلق عليه اسم “الكشاف” وهو كل مهمته المراقبة أثناء عملية تهريب البضائع و إبلاغ التجار إذا وجد أي عناصر من رجال الشرطة أو حرس الحدود.
ويوضح نصار الكشاف يختار مكان مرتفع بعيدًا عن مكان عملية التهريب ويعطي إشارة الخطر عبارة عن إطلاق عيار ناري في الهواء أو إطلاق صاروخ إضاءة من الألعاب النارية في السماء عند اقتراب القوات، مؤكدا في الصحراء يسلك المهربين دروبًا غير معروفة لقوات الأمن ولكن يتم تأمين العملية بعدد من الكشافين والمسلحين لحين تسليم البضائع إلى التجار.
ووضعت إحصائيات قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية محافظة الإسكندرية ضمن أعلى المحافظات في تجارة المخدرات والسلاح في الوجه البحري مع 3 محافظات أخرى هي مطروح والبحيرة والقليوبية، فيما أعلنت مديرية أمن الإسكندرية عن ضبط 2880 قضية اتجار في مخدر الحشيش العام الماضي بمضبوطات بلغت 6700 طربة حشيش، و2700 قضية اتجار في مخدر الهيروين، ومنذ بداية شهر يناير وحتى شهر أبريل الحالي تم ضبط 900 طربة حشيش، و223 ألف قرص مخدر، و450 قضية اتجار في مخدر الهيروين، و19 قضية اتجار في الأسلحة النارية.
تصوير: نشوى فاروق