دبابات حربية وأسلحة آلية ثقيلة وقوات جيش وشرطة بملابسهما المختلفة متناثرة على جانبي الطريق يحملون مدافع “ألار بي جي” والبنادق الآلية، هذا أول ما تشاهده قبل اجتيازك أول نقطة دخول لمدينة العريش بمحافظة شمال سيناء.. هنا كمين “بالوظة”.. هنا أول خطوط الحرب على الإرهاب.

 ***

وتبلغ مساحة محافظة شمال سيناء حوالي 27564 كم2 ويقدر عدد سكانها بـ 346 ألف نسمة لعام 2017، و يعيش نحو  88.5% من السكان على الشريط الساحلي، ويعتمد سكان المحافظة على الزراعة والصيد. ومع التجول في مدينة العريش ستجد أكثر من 200 سلعة إسرائيلية منتشرة في أسواق المدينة، الزيت، المكرونة، الفول الذرة، وحتى الخضروات والفاكهة، معظمها سلع تدخل البلاد بطريقة غير شرعية من أسواق قطاع غزة.

 ***

يقول أبو زين الجبالي، أحد أبناء القبائل البدوية في العريش إن قوات الأمن قيدت حركة التجارة ومنعت دخول بعض السلع إلى المحافظة خوفًا من اختباء العناصر الإرهابية داخل سيارات البضائع، ويلجأ تجار العريش إلى المهربين لجلب البضائع الإسرائيلية من أسواق غزة بالاتفاق مع تجار فلسطينيين، وتمر السلع عبر الأنفاق القليلة المتبقية في مدينة رفح الحدودية.

البضائع الإسرائيلية تباع بأسعار مرتفعة لأنها تستورد بالعملات الأجنبية بالإضافة إلى تكلفة التهريب حيث يحصل المهرب على 10 آلاف جنيه في النقلة الواحدة، يضيف أبو زين “الوضع اختلف منذ 8 سنوات، كانت البضائع المصرية هي التي تُهرب إلى غزة“.

وحركة عبور السلع من وإلى سيناء لا تقتصر على السلع الغذائية فقط، فالمخدرات والسلاح على أولويات المهربين، فموقع شبه جزيرة سيناء الجغرافي يجعل الكثير يمتهنون التهريب فهي تطل على البحرين الأبيض والأحمر وتشترك في حدودها مع نظامين مختلفين “إسرائيل- غزة”، بالإضافة إلى أن سيناء منزوعة السلاح تقريبا بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وأخيرا لا توجد بها تنمية تجذب سكان الدلتا إليها، رغم مواردها واتساع مساحتها.

 

كيف يتم التهريب؟

كشف مصدر أمني بشمال سيناء -رفض ذكر اسمه- طريقة تهريب المواد المخدرة عبر الشريط الحدودي مع إسرائيل قائلًا: عملية تهريب المخدرات عبر السياج الأمني الإسرائيلي لا تستغرق سوى 10 دقائق، والمهربون يخططون جيدا لها ويحددون ساعة الصفر بدقة، يقسمون أنفسهم 3 مجموعات كل مجموعة لا تقل عن فردين، وكل مجموعة لها دور محدد لا تخرج عنه، يتم شحن البضاعة والمشاركين في العملية في سيارة دفع رباعي وتنطلق في الدروب الصحراوية المنخفضة حتى لا ترصدهم قوات حرس الحدود ويسيرون نحو التلال الجبلية وتتوقف في مكان غير مكشوف بالقرب من الشريط الحدودي، وتبقى المجموعة الأولي ( قائد السيارة ومساعده المسلح) في السيارة وتتحرك المجموعتان بالبضاعة مسرعين نحو السلك الشائك.

يضيف: “على بُعد كيلو ونصف من الشريط الحدودي تقوم المجموعة الثانية المسلحة بالاختباء خلف الكثبان الرملية المقابلة للشريط الحدودي الفاصل بين شمال سيناء وإسرائيل أو فلسطين، ويطلقون النيران العشوائية نحو قوات حرس الحدود، بهدف خداعهم وإشغالهم، وهذه علامة ساعة الصفر وبدء عملية التهريب.

وتكون مهمة المجموعة الثالثة والأخيرة اختراق الشريط الحدودي وهم يهرولون مسرعين نحو الأسلاك الشائكة حاملين سلم خشبي يصعدون عليه لتهريب أو جلب شحنة المواد المخدرة أيًا كانت “حشيش” أو “هيروين” من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني.

بعض المهربين يقطعون الأسلاك الشائكة مستخدمين مقص حديدي ويسلمون الأموال ويستلمون البضائع الموضوعة داخل أجولة” يكمل المصدر: “وهناك طريقة أخري هي أن يقوموا برفع الأسلاك الشائكة من الأطراف السفلى ويقوم الطرف الثاني بدفع أجولة المخدرات من أسفل السلك ثم يسحبه المهربون وأخر يقوم بدفع كيس الأموال لهم، كل هذا يحدث في دقائق خلال إطلاق النار على قوات حرس الحدود حتى تعود المجموعة الثالثة إلى زملائهم في المجموعة الأولي وفي ثوان تنسحب المجموعة الثانية وتفر السيارة مسرعة.

 ***

سومري الزغبي ينتمي لأحد قبائل رفح يقول لـ”مراسلون”: بعد أن هجّرت قوات الأمن الأهالي في رفح وهدمت 90% تقريبا من الأنفاق بين مصر وغزة لجأ المهربون إلى تهريب البضائع الخفيفة وأهمها المخدرات عبر الشريط الحدودي الذي يربط بين شمال سيناء وحدود فلسطين وإسرائيل وهو عبارة عن سلك شائك ارتفاعه ما بين 5 إلى 7 أمتار وكل 500 متر نقطة أمنية بها عسكري مسلح ببندقية آلية كما يقول الزغبي.

وأكد أن أكثر المناطق التي تستخدم كنقاط للتهريب هي: “العجرة والمهدية ورفح والبرس بجنوب مدينة رفح المصرية” وأيضا عند العلامة 44 الدولية، لأنها نقاط بها تلال جبلية وكثبان رملية وعرة تساعدهم على  الاختباء والفرار.

ويجلب المهربون الهيروين والكوكايين من إسرائيل ويهربون لهم الحشيش والبانجو، وأحيانا تتم عمليات مقايضة الهيروين بالبانجو الذي يتم زراعته في سيناء بكثافة ويفضله المستهلك الإسرائيلي، فكل كيلو هيروين يساوي 20 كيلو بانجو.

يتذكر الزغبي: “في عام 2010 كان ربع كيلو الهيروين بـ 400 دولار وكان وقتها سعر الدولار لم يتجاوز 6 جنيهات أي أن سعره بالمصري حوالي 2400 جنيه، في حين أن البدو كانوا يبيعوا نفس الكمية بـ 20 ألف جنيه، والآن ربع كيلو الهيروين الخام بألف دولار، والأسعار في النهاية تتحدد بحسب الأنواع والجودة.

ويُباع كيلو الحشيش للجانب الإسرائيلي بما يعادل 40 ألف جنيه مصري، وكيلو البانجو بـ 1600 جنيه.

عبر البحر

الشيخ جبر الترايبي، أحد كبار مشايخ رفح يقول قبل أكتوبر 2014 كان أهالي رفح والشيخ زويد رزقهم الأساسي من العمل في التهريب عبر الأنفاق وكانوا يهربون البضائع والسلاح أو المخدرات أو المواد الغذائية وكان البدوي الذي يعمل في التهريب عبر الأنفاق كان يتقاضي في النقلة الواحدة في اليوم ما يقرب من 400 دولار، وكانوا يعملون بشكل منتظم يدر عليهم أموال كثيرة.

ثم كان أن أصدرت الحكومة المصرية قرارا بتهجير أهالي منطقة رفح المقيمين علي الشريط الحدودي بمحافظة شمال سيناء وهدمت 90 % من الأنفاق بين مصر وقطاع غزة.

ويوجد في شمال سيناء نحو 13 قبيلة بدوية منها “الترابين” و”السواركة” و”الاحيوات” و”الأرملات”، ويعمل أفراد منهم في التهريب، خاصة قبيلة السواركة والتي كانت تنفذ عمليات تهريب الأفارقة لإسرائيل مقابل 5 آلاف دولار للفرد، لأن أرضهم “القبلية” تقع على الحدود بين مصر وإسرائيل وغزة.

يضيف الترايبي بعد هدم الأنفاق ابتكر بعض سكان مدينة رفح الذين لا يعرفون مهنة أخرى، طرق جديدة في التهريب، وجعلهم يقبلون تهريب المخدرات، وبعضهم  انضم للجماعات التكفيرية من أجل توفير المال لأسرهم.

يقول الترايبي، رغم أن عمليات التهريب عبر البحر الأحمر صعبة لأن قوات البحرية تحمى حدود المياه الإقليمية بشكل صارم، إلا أن طريقة الأسطوانات المعدنية تنجح في التهريب، يوضح: “يضع المهربون الأسلحة أو المخدرات داخل أسطوانات معدنية من “الاستانلس”ولكنها غير ممتلئة وتغلق بشكل محكم، ويتم تعويمها عبر البحر الأحمر حتى تخرج من المياه الإقليمية المصرية، وتلك العملية تتم ليلا حتى لا ترى القوات البحرية تلك الأسطوانات

ويراقب لنشان تابعين للقوات البحرية الحدود المصرية الإسرائيلية بالبحر الأحمر أحدهما على الشاطئ والأخر في عرض البحر لرصد السفن والقوارب التي تخترق الحدود.

وحينما تخرج الأسطوانات من المياه الإقليمية المصرية يستلمها المهربون الإسرائيليون، ولكن تلك العملية لها حسابات معقدة مثل قياس سرعة الأمواج والرياح حتى لا تنجرف البضائع بعيدا عن الهدف ويتم التقاطها عبر سفن أو من خلال غطاسين يقوموا بسحبها ونفس العملية تتكرر حينما يتم التهريب من إسرائيل إلى حدود سيناء البحرية.

وهناك طريقة أخرى كما يقول الترايبي، يتم فيها وضع الأسطوانات داخل مراكب الصيد ثم يغطونها بـ “طاولات أسماك” للتمويه إذا استوقفهم خفر السواحل، مؤكدا أن عمليه التهريب تتم وقت تغيير خدمات حراسة خفر السواحل ما بين الساعة الثانية والثالثة بعد منتصف الليل، حيث يأتي لنش من الجانب الإسرائيلي وتتم عملية التسليم والتسلم على حدود المياه الإقليمية وتنتهي العملية في أقل من دقائق.

يؤكد الترايبي أن هناك أماكن ومتخصصون في تخزين البضائع المعدة للتهريب، فيضع المهربون البضائع داخل أجولة بلاستيكية كبيرة ويغلقونها بإحكام، وتنقل على  ظهور الجمال في بطن الصحراء حتى  تصل بعض المغارات الموجودة بمناطق المهدية أو البرس، حتى يحين موعد التهريب إلي خارج المياه الإقليمية.

وتتم اتفاقات المهربين الإسرائيليين والمصريين عبر التواصل باستخدام أجهزة “الثريا” الأكثر أمانًا والتي تتميز بخدمة تحديد المواقع ولا يستخدمون شبكة المحمول الإسرائيلية خوفًا من المراقبة ورصد الاتصالات، مؤكدا أن أجهزة “الثريا” متاحة في سيناء بـ ألفين دولار.

***

مصدر أمني بشمال سيناء، قال لـ”مراسلون” إن الحرب علي الإرهاب تسببت في تراجع الأمن الجنائي في شمال سيناء وأصبح مجهود كافة القطاعات الأمنية موجه إلى الأمن السياسي وضبط الإرهابيين، وأتاح ذلك الفرصة لزيادة نشاط المهربين، مؤكدا أن حماية الشريط الحدودي هي مسئولية قوات حرس الحدود.

 

تصوير: نشوى فاروق