هروب 250 مهاجراً في أغسطس 2016 الماضي من مركز “شهداء النصر” لإيواء المهاجرين غير النظاميين بمدينة الزاوية غربي طرابلس، قد يكون مؤشراً خطيراً على عدم قدرة ليبيا المضي قدماً لتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بينها وبين إيطاليا في فبراير العام الجاري، بشأن إقامة مراكز إيواء مؤقتة للمهاجرين فيها.
اعتراضٌ أمنيٌ
هروب 250 مهاجراً في أغسطس 2016 الماضي من مركز “شهداء النصر” لإيواء المهاجرين غير النظاميين بمدينة الزاوية غربي طرابلس، قد يكون مؤشراً خطيراً على عدم قدرة ليبيا المضي قدماً لتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بينها وبين إيطاليا في فبراير العام الجاري، بشأن إقامة مراكز إيواء مؤقتة للمهاجرين فيها.
اعتراضٌ أمنيٌ
عن تفاصيل هده الحادثة يقول مدير المركز العقيد فتحي الفار لـ”مراسلون” إن المركز ليس سجناً، حيث “نتعامل مع المُهاجرين بطريقة إنسانية، فهم بشر مثلنا غير أن ظروفهم سيئة للغاية، وهذا ماجعلنا لا نحمل أية أسلحة عند المعاملة المباشرة معهم أثناء تقديم الطعام، أو متابعة أحوالهم في الداخل”.
غير أن بعض المهاجرين “استغلوا” هذا الوضع – بحسب الفار – وقاموا بالاعتداء على أفراد الحراسة في المركز، وتمكن 250 من أصل 1500 مهاجر من الفرار فعلاً من مكان الاحتجاز المؤقت، “حيث قاموا بالاعتداء على أفراد الأمن، وسرقوا الأسلحة، ولم يكتفوا بذلك، بل وقاموا بإطلاق الرصاص على جنودنا ومنهم من لا يزال يعالج الإصابة حتى يومنا هذا”.
هذه الحادثة وانفلات زمام الأمور بالمركز تسببت في فوضى عارمة بالمدينة، ما جعل بعض المواطنين يلجؤون لمواجهة المهاجرين الفارين بالسلاح حين عثروا عليهم في مزارعهم، وبالقرب من بيوتهم، ما أدى إلى مقتل 16 مهاجراً هارباً نتيجة هذه الفوضى” يضيف العقيد.
بناء على حادثة الهروب، يعترض الفار على ما جاء في بنود الاتفاقية الموقعة بين البلدين، ويضيف أن 20000 مهاجر تم إيواؤهم بالمركز خلال 2016، تسرب منهم أكثر من 7000 مهاجر داخل البلاد بطرق مختلفة، “فما بالك بإضافة مخيمات توطين ولو مؤقتة حسب ما جاء في المعاهدة”.
فلتكن في الصحراء
ويتابع الفار أن مراكز ليبيا الرسمية الأربعة في المنطقة الغربية بالإضافة إلى مركز زوارة المؤقت جميعها تعاني من نقص شديد في الإمكانات المادية، وبالتالي سيكون هناك ضعف كبير في الجانب الأمني.
الفار وأثناء حديثه لـ”مراسلون” كان مستغرباً جداًمن طرح هذه الفكرة، “وإن كان لابد منها، فلتكن في الصحراء والجنوب القريب من منافذ تدفق المهاجرين، والبعيد عن الساحل لقطع الطريق على تجار الهجرة إلى أوروبا”.
يختلف العقيد أيضاً مع المنظمات الدولية والعالم بتصنيف الهجرة على أنها موسمية، فقوافل الهجرة حسب تأكيده أصبحت تتوافد طيلة العام على ليبيا نظراً للظروف القائمة، وهذا مايتطلب جهوداً مادية وأمنية مضاعفة، وخاصة الأخيرة “من سيوفرها” يتساءل، معارضاً فكرة أن تتدخل قوات أجنبية لهذا الغرض على الأرض، فذلك سيفتح ملفات التخوين وتهمة جلب الاستعمار “ونحن في غنى عنها” حسب قوله.
كارثة صحية
الاستياء من هذه الاتفاقية لم يكن أمنيا فقط، فبجملة “ربي راحمنا انه لم يأتينا أي وباء” بدأ د. حسين غويلة مدير إدارة الرصد بالجنوب الليبي التابعة للمركز الوطني لمكافحة الأمراض السارية والمتوطنة حديثه لـ”مراسلون”.
يردف غويلة أنه تزامناً مع هذه “الفوضى الأمنية وشبه انهيار القطاع الصحي” ستكون إقامة مخيمات للمهاجرين كارثة صحية ستحل بالبلاد، فهذا يعني فتح الأبواب للمهاجرين بشكل مضاعف، وإقامتهم لفترات طويلة، مؤكداً أنهم كمركز غير مستعدين أبداً، ولا يملكون أية قدرات طبية لاستيعاب ظهور أي أوبئة أو أمراض سارية، “وهذا يشكل خطراً كبيراً ويجب أن نكون صريحين مع أنفسنا”.
حسب غويلة فقد استلم المركز تنبيهاً من منظمة الصحة العالمية خلال عام 2016 بشأن انتشار مرض شلل الأطفال في دولة نيجيريا، حذرت فيه المنظمة ليبيا باعتبارها تستقبل مهاجرين من نيجيريا ودعتها لاتخاذ إجراءات وقائية ضد هذا المرض، وبناءً على هذا التنبيه يقول غويلة “عقدنا اجتماعات مكثفة ومستعجلة مع الجهات المسؤولة، إلا أننا لم نصل منها إلا لحقيقة واحدة، وهي أننا لا نملك فعل شيء إذ ما اجتاحنا أي وباء من المهاجرين”.
هذه الإدارة التي يُديرها غويلة هي واحدة من 36 إدارة رصد تتبع المركز الوطني لمكافحة الأمراض السارية، تشتكي جميعها من قلة الإمكانات، وتصرح أنها لا تمارس مهامها كما هو المفترض وخاصة في ملف المهاجرين حسب قوله،
“وهذا ما يجعلنا كإدارة ومركز نطالب بإيقاف تنفيذ هذه المذكرة بشكل نهائي، فكل الظروف لاتسمح بذلك”.
ظلمٌ للمهاجر
توطين المهاجرين سواء لفترات قصيرة أو طويلة، سيكون ظلماً للمهاجر نفسه حسب ما تراه د.آمال حمود – دكتوراه خدمة اجتماعية – فهو إنسان له كافة الحقوق التي يجب توفيرها له في مثل هذه المخيمات، كما أنه وحسب كلامها لا يجب إجبارهم – أي المهاجرين – على الإقامة فيها بمثل هذه المعاهدات، وإذ ما تم ذلك فالمهاجر بمرور الوقت سيطالب بحقوقه وهو غير ملزم بأية واجبات، وخاصة إذا ما كان بينهم أطفال؛ فإن من واجب الدولة الليبية توفير التعليم والصحة بشكل إنساني وطبيعي وفق القوانين الدولية، “فهل نستطيع ذلك؟”.
هذه الحقوق حسب رأي حمود تتطلب إدماجهم في المجتمع، وقد يتطور الأمر إلى حدوث زواج بينهم وبين ليبيات، وقد حدث هذا الأمر فعلاً وخاصة في الجنوب الليبي، وهذا سيمثل ظلماً بشكل أو بآخر للمهاجر، فحسب القانون الليبي لا تُمنح أية حقوق لأبناء المرأة الليبية المتزوجة بغير الليبي.
وحسب دراسات وأبحاث عديدة قامت بها الدكتورة تقول “إن الجانب الثقافي والديني له دور كبير، إذ أن معظم المهاجرين من ديانات مختلفة، وإدماجهم في مجتمع تسوده ديانة واحدة أيضا سيكون من الصعاب الكبيرة”، لا سيما في ظل الظروف الأمنية القائمة “أؤكد أن ثقافة تعدد الأديان وتقبل وجودها في المجتمع الليبي من أصعب ما يكون” حسب اعتقادها.
ليبيا لن تستفيد
اقتصادياً ترى حمود أن الإيجابية التي قد تتوفر من مثل هذه المخيمات حسب رأي بعض الليبيين، هي الاستفادة من المهاجرين كقوى عاملة أو منتجة على حد سواء، ما يوفر لهم الدخل الذي يطمحون إليه، ولكن الخبير الاقتصادي وعضو المجلس البلدي زوارة عيسى سعيد يرى عكس ذلك، حيث يقول إن المهارات الحرفية غائبة عند أغلب المهاجرين.
ويضيف سعيد أن ضعف القطاع الخاص الذي قد يستغل المهاجرين كعمالة، وعدم توفر إحصائيات علمية عن نوع وسعة حاجة السوق الليبي لمثل هذه العمالة، وأيضاً تمركز النشاط الاقتصادي على الساحل حيث تقرر إقامة مثل هذه المخيمات، يجعل فرص اللجوء إلى إيطاليا أفضل للمهاجر.
ولهذا يؤكد سعيد أن ليبيا لن تستفيد اقتصادياً من هذا المشروع ولا حتى سياسياً، بل الاستفادة ستكون “خاصة للاتحاد الأوروبي الذي أصبح يخشى تغيير ديموغرافية أوروبا إن استمرت الهجرة بهذه الأعداد” حسب قوله.
وجاءت مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في ثمان مواد، تتلخص في إقامة مراكز إيواء مؤقتة للمهاجرين بطريقة غير نظامية لحد تدفق أعدادهم إلى القارة العجوز، غير أن مستقبل هذه المذكرة ما يزال غير واضح وخاصة بعد صدور حكم من محكمة اسئناف طرابلس في 22 مارس المنصرم يقضي بوقف تنفيذ هذه المذكرة.