أصدرت دائرة القضاء الإداري في محكمة استئناف طرابلس الأربعاء 22 آذار/ مارس حكماً بإيقاف تنفيذ مذكرة تفاهم إيطالية ليبية بشأن مكافحة الهجرة غير النظامية، وقضى حكم الدائرة بوقف تنفيذ مذكرة التفاهم في الشق المستعجل، إلى حين الفصل في موضوع الدعوى القضائية.
إلا أن هذا الحكم ليس نهائياً حسب بيان وزارة العدل في حكومة الوفاق الذي صدر في اليوم التالي ليؤكد أن “القضية لازالت منظورة أمام المحكمة للفصل في الموضوع” وإصدار حكم ينهي الخصومة.
أصدرت دائرة القضاء الإداري في محكمة استئناف طرابلس الأربعاء 22 آذار/ مارس حكماً بإيقاف تنفيذ مذكرة تفاهم إيطالية ليبية بشأن مكافحة الهجرة غير النظامية، وقضى حكم الدائرة بوقف تنفيذ مذكرة التفاهم في الشق المستعجل، إلى حين الفصل في موضوع الدعوى القضائية.
إلا أن هذا الحكم ليس نهائياً حسب بيان وزارة العدل في حكومة الوفاق الذي صدر في اليوم التالي ليؤكد أن “القضية لازالت منظورة أمام المحكمة للفصل في الموضوع” وإصدار حكم ينهي الخصومة.
المذكرة التي وقعها فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني يوم الخميس 2 فبراير 2017، مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني لدعم مراقبة الهجرة غير النظامية عبر ليبيا، ومكافحة الاتجار بالبشر وتهريبهم، والسيطرة على الحدود الجنوبية، تعتبر تفعيلاً لاتفاقيات سابقة هي “معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون” الموقعة في بنغازي 2008، و”إعلان طرابلس” الموقع في 2012.
فحوى المذكرة
نصت المذكرة السارية لمدة ثلاث سنوات من تاريخ التوقيع عليها، على تعاون روما مع ليبيا لضبط الحدود الليبية البرية والبحرية، وتقديم إيطاليا الدعم والتمويل لبرامج تنموية في المناطق الليبية المتضررة من الهجرة غير النظامية وكذلك تقديم الدعم التقني والفني للأجهزة الليبية المكلفة بمكافحة الهجرة غير النظامية وتأمين الحدود.
كما تلزم المذكرة الجانب الإيطالي بالعمل على تجهيز وتمويل ما تحتاجه مراكز الإيواء الليبية المؤقتة القائمة حالياً للمهاجرين وتأهيل المرافق الصحية بها، وتدريب العاملين فيها على التعامل مع أوضاع وظروف هؤلاء المهاجرين.
وإلى جانب الحديث عن مبادرات تنموية على مستوى الدول “المصدرة للهجرة” للحد من هذه الظاهرة، تحدثت المذكرة عن إقامة برامج تنموية لتوفير فرص العمل المناسبة في المناطق الليبية المتأثرة بظاهرة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر ضمن ما وصفته “مفهوم استبدال الدخل” للمهربين وتجار البشر.
وكل ما ورد في المذكرة من مبادرات أو ما سينتج عنها من مقترحات تعهدت إيطاليا بتمويلها “بما لا يترتب عليه عبء إضافي على ميزانية الدولة الإيطالية المرصودة بالخصوص، ومن خلال الاستفادة مما يقدم لها من الاتحاد الأوروبي”.
ردود الفعل
ردود الفعل الرافضة للمذكرة استندت في معظمها على عدم أحقية المجلس الرئاسي بالتوقيع عليها، فمثلاً يعتبر علي القطراني عضو المجلس الرئاسي المقاطع أن المجلس الرئاسي وحكومته لا يملكان “الأهلية القانونية والدستورية لإبرام أية اتفاقات أو تفاهمات إقليمية أو دولية، لمخالفة ذلك للإعلان الدستوري الذي ينظم السلطات في ليبيا ويحدد اختصاصاتها”.
فيما أصدر عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي بياناً اعتبر فيه أن السراج “لا يحمل أية صفة قانونية بدولة ليبيا” وفقاً للإعلان الدستوري – في إشارة منه لعدم اعتماد حكومة الوفاق من قبل مجلس النواب حتى الآن –، واتهم الحكومة الإيطالية ودول أوروبا بأنهم يريدون أن يتخلصوا من الأعباء والمشاكل الخطيرة المترتبة على الهجرة غير النظامية.
دعوى الطعن
حكم المحكمة صدر في الدعوى التي تقدم بها ستة مواطنين ليبيين أبرزهم وزير العدل السابق صلاح المرغني والمحامية الليبية عزة المقهور، للطعن ضد رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، والممثلين القانونيين لكل من وزارات الخارجية والدفاع والداخلية، في قرار توقيع مذكرة التفاهم الليبية الإيطالية.
واعتبر الطاعنون أن المذكرة ستحول ليبيا إلى مركز أوروبي لإدارة الهجرة كما أنها تضمنت أحكاماً تتجاوز المعاهدة السارية، من حيث قيام إيطاليا بالتدخل في مراقبة البحرية والتي لم يكن منصوصاً عليها في اتفاقية 2008، و طالب الطاعنون بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
تقول المحامية عزة المقهور “الغاية من المذكرة هو منع وصول المهاجرين إلى إيطاليا وذلك بالسماح للسطات الإيطالية بالدخول إلى المياه الإقليمية الليبية وإيقاف المهاجرين في عرض البحر، وإرجاعهم إلى ليبيا ومحاصرتهم في الأراضي الليبية في حالتها الراهنة، وهو بمثابة حيلة لبناء السور البحري شمال ليبيا”.
تأخذ المقهور أيضاً على إيطاليا أنها لم تلتزم بموجب هذه المذكرة بالمساعدة في ترحيل المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، بل تركت الأمر للدولة الليبية المنهكة والضعيفة وغير القادرة على منع انتهاكات حقوق الإنسان خاصة التي ترتكب في مراكز الإيواء.
وتضيف المقهور “مكان تنفيذ المذكرة هو ليبيا دون غيرها، وسيكون عبء تنفيذ الالتزامات على الدولة الليبية، ولم تتعهد إيطاليا إلا بتوفير الأدوية دون الأطباء ولا بنقل المرضى لإيطاليا للعلاج، مما ينذر بإمكانية انتشار الأوبئة والأمراض داخل البلاد، بالنظر إلى وضع الخدمات الصحية المنهارة تماماً”.
إيجابيات وتحفظات
ردود الفعل عامةً لم تكن إيجابية على توقيع هذه المذكرة، ففي حين أيدها عدد قليل من المواطنين والمختصين وقف الغالبية موقف الرافض أو المتحفظ في أحسن الأحوال، على غرار المستشار محمد حمودة خبير شؤون الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر في وزارة العدل الذي يقول “لست مؤيداً ولست معارضاً لمذكرة التفاهم ولكن لدي بعض التحفظات”.
ومع تأكيده على أحقية حكومة الوفاق باعتبارها المعترف بها دولياً إبرام مذكرات التفاهم، كونها بذلك تمارس اختصاصاً أصيلاً للسلطة التنفيذية، تحفظ حمودة على منطقية “أن تتوافق إرادتان حرتان بإلزام بعض الدول ببنود المذكرة، والاتفاق على إقناع الدول المصدرة للهجرة بقبول إرجاع مواطنيها”.
وكذلك أشار إلى أن في المذكرة “مصطلحات مجملة مثل وصف مراكز الإيواء بالمؤقتة، دون أن تحدد أماكنها ولا عددها ولا قدرتها الاستيعابية، كما كان على المفاوضين الليبيين التفاوض على تحديد الميزانية المرصودة لتنفيذ الاتفاق والتي بقيت مجهولة في المذكرة”.
رغم ذلك تبقى هناك إيجابيات حسب رأيه أبرزها تبصير المجتمع الدولي بضرورة التكاتف لحل هذه المشكلة، واستعداد إيطاليا لمد يد العون وتقاسم الأعباء المالية مع ليبيا فيما يتعلق بمراكز الإيواء، وكذلك بناء القدرات الليبية وخاصة في الجيش والشرطة”.
ضعف دبلوماسي
لكن من وجهة نظره المشكلة تكمن في عدم وجود رؤية واضحة لإدارة هذا الملف من قبل حكومة الوفاق، وهو ما بدا واضحاً حسب رأيه من طريقة اختيار الحكومة لأعضاء اللجنة القانونية التي قامت مع الجانب الأوروبي بكتابة نص المذكرة، والذين لم تتوفر لديهم الكفاءة المطلوبة.
المفاوضون الليبيون فشلوا حسب حمودة في الحصول على أية مكاسب مقابل قبولهم إيواء ملايين المهاجرين غير الليبيين على أرض ليبيا، مثل المطالبة برفع التأشيرة الإيطالية عن المواطنين الليبيين، أو تحديد مبلغ مالي يكفي للصرف على تنفيذ الاتفاق بدل ترك الرقم مجهولاً، وهو ما يدل حسب رأيه على ضعف الدبلوماسية الليبية.
ويؤكد حمودة أنه يجب على اللجنة المشكلة أن تضبط الأوتار لحماية أمن وسيادة ليبيا من خلال التأكيد على عدم تسيير دوريات بحرية مشتركة في البحر المتوسط، من شأنها أن تحقق المخاوف من بناء السور البحري، وأن تركز على ضبط الحدود البرية خاصة الجنوبية والتي سيقلل ضبطها من تدفق المهاجرين إلى ليبيا.
هذه ليست مذكرة التفاهم الأولى التي يتم توقيعها في دول حوض المتوسط، حيث أبرمت اتفاقيات بين كل من فرنسا مع الغرب، وألمانيا مع تونس، وألمانيا مع مصر، وليبيا مع مالطا، وكذلك وقعت ليبيا مع إيطاليا سبعة صكوك دولية، وربما تكون هذه المذكرة بادرة لاتفاقية إقليمية تكون فيها كل الدول التي لها علاقة بالهجرة غير النظامية أطرافاً لها القدرة على فرض شروطها وتقاسم الأعباء بما يحقق نتائج منصفة للجميع.