لم تخفِ إيمان – مختصة حجامة – دهشتها حين رأت علامات الجروح النازفة على جسد فاطمة (27 عاماً) التي أتت إليها رفقة والدتها بعد تلقيها نصيحة بعيادة إيمان لإزالة “التصفيح” الذي تؤمن أنه حرمها من الزواج.

تستغرب إيمان أن تسلم فاطمة نفسها لمن يستغلونها “بأسلوب رخيص لاهدف وراءه سوى جني الأموال”، وإن كانت تتفهم ما تصفه بـ”الدواعي الإنسانية التي ساقت هؤلاء النسوة لطرق أبواب المبتزين، والتصفيح إن كان موجوداً فطرق علاجه لن تكون بهذه الوحشية” حسب كلام إيمان.

لم تخفِ إيمان – مختصة حجامة – دهشتها حين رأت علامات الجروح النازفة على جسد فاطمة (27 عاماً) التي أتت إليها رفقة والدتها بعد تلقيها نصيحة بعيادة إيمان لإزالة “التصفيح” الذي تؤمن أنه حرمها من الزواج.

تستغرب إيمان أن تسلم فاطمة نفسها لمن يستغلونها “بأسلوب رخيص لاهدف وراءه سوى جني الأموال”، وإن كانت تتفهم ما تصفه بـ”الدواعي الإنسانية التي ساقت هؤلاء النسوة لطرق أبواب المبتزين، والتصفيح إن كان موجوداً فطرق علاجه لن تكون بهذه الوحشية” حسب كلام إيمان.

التصفيح والحجامة

معروف في بلاد شمال أفريقيا أن “التصفيح” هو ظاهرة قديمة منتشرة بأسماء مختلفة، تتعرض لها الفتيات الصغيرات لحمايتهن من فض البكارة، وتتم العملية على يد امرأة مختصة في “التصفيح” بطرق مختلفة، منها ما يستوجب إجراء جروح على الجسد ومنها ما لا يستوجب ذلك.

ويعتقد معظم من يؤمنون بهذه الأمور أن الفتاة “المصفحة” لا يمكن أن تفض بكارتها، ما يستوجب فك “التصفيح” قبل زواجها مباشرة وإلا فلن ينجح الزواج، وكذلك يُعتقد بأنه قد يتسبب في عزوف الرجال عن الزواج بالفتاة “المصفحة”.

تستقبل إيمان – وهي تعرف نفسها كمختصة في الحجامة والتداوي بالطب البديل – حسب ما قالت لـ”مراسلون”، عشرات النساء خصوصاً الكبيرات في السن ممن تجاوزت أعمارهن الأربعينات ولم يتزوجن، يحضرن إليها لإجراء عمليات حجامة معتقدات بأنها تزيل “التصفيح”، غير أنها تؤكد ألّا علاقة بين الحجامة و”التصفيح”، وأن من يدعي ذلك يسعى لتحقيق عوائد مادية فقط.

إزالة اللعنة

عائشة الترهوني والدة فاطمة التي قبلت الحديث هي وابنتها إلى “مراسلون” كان يعلو تعابيرها الندم والخجل مما حل بابنتها، حيث تقول “يبدو أن أخطائي مع ابنتي لازالت تتزايد بعد أن عرضتها دون قصد لتشويه جسدها من خلال عرضها على سيدة تدعي معرفتها بالحجامة، والتي بدورها استحدثت جروحاً متفاوتة في كامل جسد ابنتي دون رحمة، واليوم أنا هنا لأجد حلاً لما حل بها”.

ورغم ندمها تجد لنفسها المبرر بالقول “ابنتي تعرضت للتصفيح في صغرها وهي بحاجة ماسة لإزالة هذه اللعنة اليوم”، وهو ما توافق عليه فاطمة التي قالت إن محاولة والدتها لم تكن تخالف رغبتها في إزالة “اللعنة” التي أصابتها وأخرت من زواجها، وأنها ترغب بالزواج مثل رفيقاتها غير مكترثة بعواقب التجربة.

لا تحسم إيمان موقفها من هذا الأمر، حيث تؤكد أنه “لا زال محل خلاف كبير بين علماء الدين، الذين يرجح بعضهم أنه نوع من أنواع السحر، فيما يذهب آخرون إلى أنه ضرب من الخيال والخرافة”، وتستدل على كلامها بوجود حالات من النساء داخل السجن تعرضن للاغتصاب وفقدن عذريتهن دون عناء من الخاطفين رغم أنهن “مصفحات”.  

آراء متضاربة

حسب الشيخ المرحوم نادر العمراني رئيس قسم الدراسات والبحوث بدار الإفتاء الليبية فإن التصفيح شيء “موجود وملموس، وهو أحد أنواع السحر ويمكن إزالته ومعالجة المتعرضة له من النساء بالرقية الشرعية متمثلة في بعض الآيات القرآنية والاغتسال بها وشربها، أما الفعل فهو محرم شرعاً لكونه سحراً قد يعرض جسد الإنسان لإمكانية أن يسكنه جان” حسب اعتقاده.

كلام يرفضه تماماً الشيخ عبد اللطيف المهلهل عضو لجنة الأوقاف في المؤتمر الوطني العام سابقاً، موضحاً أن ما يتم أثناء عملية التصفيح – وهو قيام سيدة طاعنة في السن بتلقين الفتاة بضع كلمات مع تناول عدد معين من حبات التمر أثناء قيامها بنسج الصوف – لا يعدو كونه “إيهاماً للفتاة بأنها في حماية جان يقوم بحراستها من الرجال”.

المهلهل نفى أيضاً إمكانية “سكن الجان لجسد المرأة، لأن الإنس والجان لا يمكن أن يلتقيا تماماً كالماء والزيت، هذا الكلام غير منطقي” حسب تعبيره.

المهلهل الذي دافع بقوة عن قناعته بعدم وجود “التصفيح” أقرّ لـ”مراسلون” بأنه لكثرة الاتصالات التي يتلقاها من النساء وخصوصاً الكبيرات في السن طلباً للنصيحة في هذه المسألة فإنه يحاول أن ينصحهن “بقراءة ما تيسر من القرآن في الماء والاغتسال به والشرب منه” وذلك لتهدئتهن لا أكثرأ.

فشلن في الزواج

مسألة فض البكارة من عدمها تشكل هاجساً لدى الفتيات المقبلات على الزواج قد يعرضهن لضغوط نفسية شديدة، تدفعهن لفعل أي شيء يضمن مرور ليلة الزواج على خير، وتؤكد هاجر القماطي وهي طبيبة نساء وتوليد بأنها تستقبل العديد من النساء في عيادتها ممن تزوجن وفشل أزواجهن في فض غشاء البكارة رغم صغر سنهن وهن لازلن عذراوات.

ولأنها لا تملك تفسيراً لهذه المسألة تفضل التسليم بأن هؤلاء الفتيات “مصفحات”، وقد شهدت حالات لجأت فيها الفتيات إلى النساء الكبيرات في السن وطلبن المساعدة، ويتم العلاج حسب القماطي بأن تقوم العجوز “بحرق خيط من الصوف وخلطه برب التمر، ووضعه داخل حبات من التمر لتاكله الفتاة مع ترديد عبارة عكسية كانت قد رددتها في السابق أثناء عملية التصفيح الأولى، وبعد هذه العملية تم الزواج بسهولة” تقول هاجر.

إرهاق وخوف

وعن ذلك تقول الأخصائية النفسية منى محمد بأن الضغط النفسي قد يكون عاملاً رئيسياً في سير الأمور ليلة الزواج، “فحين تكون الفتاة مرهقة وخائفة وتعاني ضغطاً نفسياً شديداً، وكذلك زوجها حين يكون مرهقاً ويمر باختبار يمس رجولته، فمن المحتمل أن تفشل عملية الزواج”.

وترفض الأخصائية فكرة وجود أمور كالتصفيح تتحكم في حياة الفتيات اليوم، وتجزم بأن هذه الخرافات التي يتم إقناعهن بها تكون سبباً في فشل العلاقات الإنسانية وتعكير صفوها دون سبب، ولا يمكن اعتبارها سبباً في تأخر الزواج.

وهو ما تتفق معه نجاة عبد السلام الباحثة والأخصائية الاجتماعية، فإشكالية تأخر الزواج لا يمكن ربطها بالتصفيح حسب اعتقادها “بدليل أن أمهاتنا وجدّاتنا كن يتزوجن رغم كونهن مصفحات وهن في سن صغيرة، ولربما من المنطقي أكثر أن نرجع السبب لكون الشباب يتعرضون للموت في الحرب ما يجعل عددهم أقل من البنات في مثل سنهم”.

سبب آخر تراه عبد السلام دافعاً لعزوف الشباب عن الزواج هو الأوضاع الاقتصادية المتردية وعدم وجود فرص عمل ومساكن، ناهيك عن الشروط الخيالية للنساء والتكاليف الباهضة للزواج الليبي وما يتبعه من التزامات تثقل كاهل الشباب وتدفعهم لتأجيل فكرة الزواج إلى حين تحسن الوضع الاقتصادي.

فاطمة تحاول جاهدة معالجة آثار الجروح بجسدها والتي تسببت فيها سيدة تدعي علاج السحر بالأعشاب والحرق بالنار والخدش بالمشرط إلى جانب صب القصدير الساخن في إناء به ماء فوق رأس الفتاة المتاخرة عن الزواج، وهو الأمر السائد في كل المدن الليبية وتروج له النساء والأمهات اللاتي سبق وأن ارتدن مثل هذه المنازل طلباً للتداوي، بينما تقف الجهات الرقابية بعيداً رغم حالات الضرر الشديد التي ثبت حدوثها خلال أداء هذه الطقوس.