توقفت الصديقتان وئام وسهى أمام واجهة إحدى محلات بيع الملابس بوسط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة الذي يعج بالمارة لتتناقشا بشأن تصاميمها، لكن ارتفاع الأسعار دفعهما للابتعاد بسرعة البرق عن المحل.
تتحدث الصديقتان مع بعضهما عن سبب هذا الارتفاع الكبير للأسعار في شتى المجالات في وقت نزلت فيه القوة الشرائية للمواطنين إلى أدنى مستوياتها بسبب ارتفاع نسبة التضخم وانهيار قيمة الدينار التونسي.
توقفت الصديقتان وئام وسهى أمام واجهة إحدى محلات بيع الملابس بوسط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة الذي يعج بالمارة لتتناقشا بشأن تصاميمها، لكن ارتفاع الأسعار دفعهما للابتعاد بسرعة البرق عن المحل.
تتحدث الصديقتان مع بعضهما عن سبب هذا الارتفاع الكبير للأسعار في شتى المجالات في وقت نزلت فيه القوة الشرائية للمواطنين إلى أدنى مستوياتها بسبب ارتفاع نسبة التضخم وانهيار قيمة الدينار التونسي.
تعمل الصديقتان منذ سنوات في شركة الكهرباء والغاز الحكومية التي تدفع أجورا محترمة مقارنة ببقية الشركات الحكومية، لكنهما مع ذلك لم يخفيا عجزهما عن شراء ملابس جديدة من ماركات أجنبية.
السيدتان اللتان قضيا حوالي عشر سنوات في العمل قادتهما الدهشة من غلاء الأسعار للحديث عن استيائهما من سعي الحكومة الحالية إلى تجميد الزيادة في أجور الموظفين بسبب الأزمة الاقتصادية.
وثار جدل كبير لدى أوساط الموظفين الحكوميين وعددهم يناهز 700 ألف موظف بعد إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن إمكانية الدخول في سياسة التقشف وتجميد الزيادة في الأجور وخفض النفقات.
تدهور معيشي
تتنقل وئام وصديقتها من محل تجاري إلى آخر مواصلتان الحديث عن تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد التي أصبحت في أشد الحاجة إلى موارد مالية جديدة لتمويل موازنتها بسبب تدهور عائداتها.
تتفق السيدان على أن الموازنة الجديدة التي سينطلق البرلمان التونسي في مناقشتها بعد أيام قليلة على أنها تضم إجراءات “خطيرة” ستزيد من تأزيم الوضع الاجتماعي والمقدرة الشرائية للطبقة المتوسطة.
تقول وئام التي تتقاضى شهريا نحو 550 دولارا بتذمر شديد إن الموازنة الجديدة للحكومة تتضمن فرض ضرائب “مجحفة” وإقرار زيادات “مشطة” في بعض السلع الاستهلاكية وفي الكهرباء والماء والبنزين.
تقطع صديقتها حديثها لتعبر بدورها عن رفضها الشديد لمشروع الموازنة الجديدة فهو بالنسبة إليها “سيثقل كاهل الموظفين البسطاء الذين أصبحوا يتداينون كل شهر من أجل لقمة العيش وتعليم أبنائهم”.
تقول بنبرة فيها كثير من الغضب “نحن غير مستعدين للتضحية أكثر”، معتبرة أن الحكومة تلجأ فقط إلى الطبقة الشغيلة والكادحة لتعبئة مواردها المالية عوضا عن محاربة الفساد والمتهربين من الضرائب.
لا تتفق وئام مع صديقتها في وجهة نظرها برفض مزيد من التضحية لبلد يعيش عامه السادس من الانتقال بعد الثورة، لكنها تشدد على أن تضحية الشغالين باقتطاع ضرائب جديدة “لابد أن تقابلها شروط”.
هذه الشروط ربطتها أساسا بضرورة انخراط كل الفئات من التونسيين وخاصة أصحاب الأعمال وميسوري الحال في مساعدة جهود الحكومة لتعبئة الموارد حتى تقلص من آثار التداين الخارجي المستمر.
تتحدث وئام بروح من الوطنية عن قبولها بالتضحية رغم أن حالها المادي متدهور بسبب التزامها باستخلاص ديونها البنكية. ولكنها لا تخفي في آن واحد مخاوفها من عجز الحكومة على الخروج من الأزمة.
شح الموارد
غير أن وزير المالية التونسية لمياء الزريبي عبرت عن أملها في أن تقود الإجراءات الجديدة بالموازنة في الحد من عجز الموازنة وإعادة تنشيط الاقتصاد الذي يعيش أحلك فتراته بعد الثورة الشعبية.
وكانت الحكومة التونسية طلبت من الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة نقابية تأجيل الزيادة في الأجور بسنة عوض سنتين لكن اتحاد الشغل رفض تأجيل الزيادات وتوعد بالتصعيد ملوحا بالإضرابات.
وقالت الزريبي ردا على سؤال عن رد الحكومة بشأن رفض النقابات العمالة تجميد الأجور للعام المقبل إن “الحكومة تواصل الحوار مع بقية الأطراف الاجتماعية لإيجاد حلول وسطية ترضي الجميع”.
لكنها أقرت بأن الحكومة متمسكة بتجميد الأجور التي شهدت تطورا كبيرا نتيجة الزيادات المتتالية للأجور بعد الثورة، مبينة أن هامش تحرك الحكومة في المجال الاقتصادي والتوازنات المالية “لم يعد كبيرا”.
وبلغت كتلة الأجور حوالي 40 بالمائة من حجم الموازنة وهو ما عمق عجز الموازنة بسبب ارتفاع النفقات مقابل تراجع الإنتاجية، ما يدفع الدولة إلى الاقتراض الخارجي من أجل خلاص الأجور.
وتبرر وزير المالية التونسية لمياء الزريبي بتوجه الحكومة لتجميد الزيادة في الأجور إلى ضعف الموارد الذاتية للدولة المتأتية خاصة من الضرائب وكذلك من التراجع الحاد في عائدات الشركات الحكومية.
رفض قاطع
لكن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الأخير من توجهات الحكومة عكس رفضا متصلبا تجاه سياسة التقشف، فهو يتمسك بقوة بإقرار الزيادات المبرمجة في الأجور للعام المقبل التي تم الاتفاق عليها.
بوعلي المباركي عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل يقول لمراسلون إن رفض الحكومة الزيادة في الأجور هو “تنصل من المسؤولية يمس من مصداقيتها ويثير توترات اجتماعية تعصف بالاستقرار”.
ويذكر بأن الشغالين كانوا دوما في صف الحكومات لإنقاذ الاقتصاد المتدهور وأنهم تحملوا أعباء كثيرة على امتداد عقود، مشددا على أنه لا يمكن إثقال كاهلهم بمزيد الضرائب في ظلّ تدهور وضعيتهم.
ويتوقع مراقبون بأن تدخل البلاد في حلقة جديدة من الإضرابات العمالية في شتى القطاعات إن لم يحصل اتفاق بين الحكومة ونقابة العمال حول مسألة الزيادة في الأجور ما يجعل البلاد مقدمة على شتاء ساخن.