أصبحت المؤسسات الحكومية التابعة للدولة في تونس تعاني من أزمات مالية خانقة للغاية أثرت سلبا وبطريقة مباشرة على اقتصاد البلاد بعدما كانت في السابق تعتبر أحد ركائز الاقتصاد بتحقيقها لمرابيح مالية هامة على غرار شركة فسفاط قفصة. 

وقد تكون هذه الأخيرة إحدى الدلائل الدامغة على تردي الوضع المالي للشركات الحكومية فهي حاليا تتعرض إلى اعتصامات عشوائية عصفت بإنتاجها وصادراتها حتى أصبحت حملا ثقيلا على الدولة بعدما كانت تدر أرباحا سنوية بحوالي 900 مليون دولار. 

أصبحت المؤسسات الحكومية التابعة للدولة في تونس تعاني من أزمات مالية خانقة للغاية أثرت سلبا وبطريقة مباشرة على اقتصاد البلاد بعدما كانت في السابق تعتبر أحد ركائز الاقتصاد بتحقيقها لمرابيح مالية هامة على غرار شركة فسفاط قفصة. 

وقد تكون هذه الأخيرة إحدى الدلائل الدامغة على تردي الوضع المالي للشركات الحكومية فهي حاليا تتعرض إلى اعتصامات عشوائية عصفت بإنتاجها وصادراتها حتى أصبحت حملا ثقيلا على الدولة بعدما كانت تدر أرباحا سنوية بحوالي 900 مليون دولار. 

وحلقة الأزمة باتت تشتد ضيقا وانحسارا على مجموعة من الشركات الحكومية التي كانت بدورها مصدرا لتعبئة موارد مالية هامة للدولة. فاليوم أصبحت الحكومة تلتجئ لفرض ضرائب مشطة على كل الفئات بسبب تضرر مثل هذه الشركات المنهكة.

شركات منهكة 

فعلى سبيل المثال تعاني الشركة التونسية للكهرباء والغاز التي لطالما اشتكى منها المواطنون وأصحاب المصانع على حد سواء من تضخم فواتيرها وغلائها، من خسائر مالية بلغت إلى حدود شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي نحو 500 مليون دولار. 

بدورها تعاني شركات النقل العمومي مثل شركة السكك الحديدية بتونس وشركة نقل تونس التي تضم شبكة الميترو وشبكة الحافلات الصفراء من عجز مالي مرشح أن يبلغ حدود 500 مليون دولار، وهو أمر سيزيد من الأعباء على نفقات الدولة المنهكة. 

وهذه المؤسسات ليست سوى قطرة في بحر من مؤسسات أخرى بات بعضها قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس بسبب حالة الانكماش الاقتصادي وهو ما يستدعي كل مرة تدخل الدولة لضخ المال من خزينتها لإنعاش بعضها ولاسيما بعض البنوك الحكومية. 

وكان البنك الدولي دق ناقوس الخطر بشأن تدهور وضعية الشركات الحكومية التونسية. ففي تقرير له أقر البنك الدولي بتراجع عائدات نحو 95 مؤسسة حكومية بنسبة 30 بالمائة، مفيدا بأن صافي خسائرها في عام 2012 زاد عن 200 مليون دينار. 

أسباب الانهيار 

حول أسباب هذا التردي يقول خبير الاقتصادي معز الجودي لمراسلون إن “هناك ثلاثة أسباب أدت لتدهور وضعية تلك المؤسسات أولها سوء الحوكمة وغياب الرقابة وثانيها الفساد المستشري وثالثها التعيينات الوظيفية التي تستند إلى الولاءات السياسية”. 

ويضيف بأن بعض المؤسسات الحكومية العريقة باتت في وضعية محتشمة بسبب استمرار تدني عائداتها، لافتا إلى أن من بين أسباب فشلها هي “اشتغالها بأكثر من طاقتها التشغيلية المعقولة” على غرار شركة الخطوط التونسية وشركة فسفاط قفصة. 

ويجمع عديد الخبراء الاقتصاديين على أنه لم يقع تطبيق أية إصلاحات جذرية في المنوال التنموي للمؤسسات الحكومية منذ تسعينيات القرن الماضي، ويأتي هذا في وقت يتعالى فيه صوت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باستشراء الفساد في مؤسسات الدولة. 

ويرى الخبير الاقتصادي معز الجودي أنه في غياب إصلاحات عميقة للنظام برمته، فإن تدهور الوضع الحالي للمؤسسات الحكومية “مرشح بقوة للاستمرار مما سينعكس سلبا على الدولة التي سيتوجب عليها توفير المزيد من الدعم المالي والقروض”. 

حلول مطروحة 

وعن الحلول التي يراها مجدية لإنقاذ هذه المؤسسات من الانهيار، ركز الجودي على ضرورة إنجاز تدقيق لمعرفة أسباب بلوغها هذه المرحلة المتردية ثم حصر المؤسسات التي يتعين المحافظة عليها في مجالات حساسة على الطاقة والكهرباء والمياه. 

في حين يرى أنه من الأنجح للدولة أن تدرج بعض المؤسسات الحكومية التي تواجه منافسة شديدة في بعض القطاعات في باب الخصخصة من أجل ضخ دماء جديدة في تلك المؤسسات والاستفادة من خبرات القطاع الخاص وتعبئة موارد مالية جديدة. 

كما عبر في نفس السياق عن استغرابه من تواصل الدولة لعب دور الحاضنة لأكثر من 200 مؤسسة تنشط في مجالات “ليست لها طابع استراتيجي على غرار مؤسسة تصنيع العجلات المطاطية التي تتخبط في أزمة مالية خانقة شارفت على الإفلاس”. 

وأكد لمراسلون بأن التفويت في بعض المؤسسات العمومية بالإمكان أن يدر عائدات مالية محترمة لخزينة الدولة ويغنيها عن التوجه إلى الاقتراض المالي الخارجي، مشيرا إلى أنه بالإمكان خصخصة 20 مؤسسة عمومية لإنقاذها من الإفلاس والاندثار. 

الموقف الحكومي 

أما الموقف الحكومي بشأن وضعية المؤسسات والمنشآت العمومية فقد جاء على لسان وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد عبيد البريكي الذي أكد في حديث لمراسلون أن “عملية تخصيص بعض المنشآت العمومية غير مطروح العام المقبل”. 

عن سب ذلك حذر البريكي من حصول أزمة جديدة بين الحكومة واتحاد الشغل على خلفية ملف التفويت في المنشآت الحكومية، في وقت تشهد فيه العلاقة بين الطرفين حالة توتر بسبب إصرار الحكومة على تجميد الزيادة في أجور الموظفين العام المقبل. 

بيد أنه اعترف في نفس الوقت بالحالة الصعبة التي تواجهها المؤسسات الحكومية التي يعاني أغلبها من أزمات هيكلية وظرفية، قائلا “لقد حان الوقت للبدء في تنفيذ الإصلاحات وتقييم نطاق تدخل الدولة فيما يتعلق بنشاط بعض المؤسسات والمنشآت”.