كيف تشخصون واقع الفساد في تونس اليوم؟

لقد حصل بعض التقدم في محاربة الفساد لاسيما على مستوى المنظومة التشريعية بعد التصديق على بعض القوانين الجديدة، لكن تبقى لدينا تحفظات خاصة بعد إقرار القانون المتعلق بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد الذي لم يسند إليها صلاحيات واسعة تجعلها تساهم بصفة فعلية في الحد من الفساد.

لقد أضر الفساد بقطاعات عديدة في الدولة مثل الجمارك والصفقات العمومية والإدارة وغيرها ويتطلب اللحد منه إرادة حقيقية وترسانة قوية من القوانين والتشريعات.

للأسف هناك عديد الاستطلاعات تؤكد أن غالبية التونسيين أصبحوا لا يثقون في مؤسسات وجهود الدولة لمقاومة الفساد لذلك نشهد حالة شبه عامة من التطبيع المجتمعي مع الفساد لهذا نحن ننظر في السبل الكفيلة لإعادة الثقة للتونسيين.

هل تعتقد بأن هناك نقلة نوعية في محاربة الفساد؟

هناك إقرار حكومي بتفشي ظاهرة الفساد بدرجة كبيرة لاسيما بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والتي كان من ضمن برامجها محاربة الفساد على خلاف حكومات ما بعد الثورة التي كان من أولوياتها محاربة الإرهاب لذلك تعاملت الحكومات إلى حدود سنة 2016 مع ظاهرة الفساد بنوع من التراخي.

كيف تقيمون الحملة التي تشنها حاليا الحكومة على الفساد؟

لقد عشنا مؤخرا على وقع سلسلة من الايقافات طالت مشتبه بهم في قضايا فساد لكن كهيئة وبقدر تشجيعنا الإجراءات الحكومية في الحرب على الفساد فإننا ندعو إلى المضي قدما من أجل تفكيك منظومة الفساد بأجهزة الدولة. ويجب التأكيد بأن الحرب على الفساد طويلة وتتطلب إرادة قوية للحد من انتشار الظاهرة لاسيما بمجال الصفقات العمومية وجهاز الجمارك والإدارة حيث تستغل بعض الأطراف نفوذها للحصول على رشاوى مقابل إسناد الرخص، هذا فضلا عن محاربة التهريب.

هل صحيح أن حملة الحكومة على الفساد انتقائية؟

لقد اتخذت الحكومة التي يوقدها يوسف الشاهد إجراءات عديدة مؤخرا في حربها على التهريب والمهربين وهي ظاهرة خطيرة تنخر الاقتصاد ولكن إذا اقتصرت الحرب على الفساد على هؤلاء الأشخاص بعينهم ففي ذلك الحين سأضم صوتي مع من يؤكدون بأن الحرب على الفساد انتقائية.

إذن الفساد لا يقتصر على ظاهرة التهريب بل يشمل مجالات عديدة كالجمارك والإدارة والصفقات العمومية وغيرها وهو ما يتطلب قرارات شجاعة لتفكيك تلك المنظومة لأن هناك اشخاص ومسؤولون بالإدارة يتمعشون من الفساد ومورطون بالأدلة والوثائق ونحن ننتظر من رئيس الحكومة التوجه في محاربته على الفساد التوجه إلى هؤلاء الأشخاص.

ألا تعتقد بأن الحكومة تراخت في حربها على الفساد؟

أظن أن الحكومة بصدد اتخاذ قرارات مهمة وشجاعة ونحن نساندها في ذلك مع العلم بأن عددا من القرارات تم اتخاذها بإيعاز من هيئة مكافحة الفساد. والحقيقة فإن تغلغل الفساد في كل القطاعات يجعل محاربته طويلة الأمد وتتطلب جهدا كبيرا وإرادة مستمرة.
هل لديكم جرأة لفضح رئيس الحكومة أو وزراء في حال تورطوا بالفساد؟

هذا أمر مؤكد. في حال تحوزي على ملفات فساد تخص أعضاء من الحكومة تأكدوا أنني لن أتوان في إحالتها على القضاء. وقد تمت إحالة ملفات عدد من الوزراء إضافة إلى وجود وزير مستشار تعلقت به شبهة فساد وقد تم استبعاده.

صحيح بأنكم تعرضتم إلى ضغوطات في حربكم عن الفساد؟

لا لم أتلقى تهديدات جدية ومباشرة أو إغراءات لقبول التخلي عن ملفات فساد بعينها.

لماذا لم يقع التشهير بالمفسدين وفضحهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم؟

دوري ليس الفضح أو التشهير بالناس عبر وسائل الإعلام فأنا رئيس هيئة محمول عليه واجب التحفظ واحترام مبدأ قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة. ولا يجب أن ننسى أن دوري هو التقصي وإحالة الملفات إلى القضاء الذي يبقى له سلطة إصدار الأحكام بالبراءة أو الإدانة.

هل استجابت الحكومة لدعم هيئتكم بالموارد المالية الكافية؟

ما يمكن قوله هو أن الحكومة خصصت للهيئة موارد بقيمة 100 مليون دينار (40 مليون دولار) وهي موارد محدودة لا تكفي لعمل الهيئة أمام ما يتطلبه حجم أعمالها للحرب على الفساد.

ودعم الهيئة هو بمثابة الاستثمار لأن تفكيكها لمنظومة الفساد سيدر على الدولة عائدات سنوية تصل على 10 مليار دينار (4 مليار دولار) بحسب تقديراتنا. ولكن للأسف فإن ضعف موارد الهيئة جعلها في وقت سابق تنهي عقود بعض الموظفين من أجل تمكين البقية من رواتبهم.

لقد وجهتم نقدا لاذعا للقانون المتعلق بتركيز هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. ما سبب ذلك؟

لا أخفي عليكم أشعر بنوع من خيبة الأمل من إقرار قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد الذي تقدمت به الحكومة وصادق عليه البرلمان منذ أيام. لقد كنت أنتظر بشغف التصديق على هذه الهيئة التي نصص عليها الدستور بصلاحيات واسعة حتى تساهم بشكل فعال في الحرب على الفساد لكن ما حصل كان مخيبا للآمال بصراحة.

ماهي أبرز تحفظاتكم على صلاحيات هذه الهيئة؟

القانون الجديد للهيئة القادمة التي ستتسلم المشعل من هيئتنا والذي صوت عليه البرلمان غير دستوري ويخالف الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لأنه يكرس هيئة منزوعة الصلاحيات ولا يمكنها من القيام بواجبها على أكمل وجه وفيه تراجع حتى على المرسوم المنظم للهيئة الحالية.

وبالتالي فإن القانون الجديد المنظم لعمل الهيئة سيكون عائقا أمام نجاعتها وسرعة تحركها وتجميع المعلومات والبحث في جرائم الفساد التي تعتبر جرائم معقدة ومركبة وعادة ما يكون مرتكبها ممن يتمتعون بالسلطة والقدرة والموارد التي تفوق أحيانا موارد الدولة. وبناء على هذا فأنا أدعو نواب البرلمان إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية من أجل الطعن في هذا القانون الذي تم التصديق عليه يم 19 جويلية/يوليو 2017.