في أغسطس الماضي قالت المنظمة الدولية للهجرة، إن 257 ألف مهاجرا وصلوا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط منذ بداية العام الحالي، بينما لقي أكثر من 3 آلاف إنسان مصرعهم غرقا في البحر.

في أغسطس الماضي قالت المنظمة الدولية للهجرة، إن 257 ألف مهاجرا وصلوا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط منذ بداية العام الحالي، بينما لقي أكثر من 3 آلاف إنسان مصرعهم غرقا في البحر.

78% من المهاجرين المصريين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط في 2016 بطريقة غير شرعية أطفال، وتحتل مصر المرتبة الأولي للهجرة غير الشرعية للأطفال غير المصحوبين بذويهم والمرتبة العاشرة بين الدول المصدرة للمهاجرين حسب المنظمة الدولة، وفي 21 سبتمبر غرق مركب خرج من سواحل محافظة كفر الشيخ وعلى متنه مئات المهاجرين أغلبهم أطفال ولقي أكثر من 160 إنسان مصرعهم غرقا.

فلماذا يشق المصريون طريق الهجرة؟ ولماذا يعرض بعضهم حياته للخطر كما حدث مؤخرا في حادثة القارب الغارقة أمام سواحل رشيد؟

انعدام فرص الترقي

يبلغ عدد المصريين المغتربين 8 ملايين مصري حسب إحصائيات وزارة الخارجية و10 مليون في إحصائيات أخرى غير رسمية وهو رقم يقترب من عدد سكان القاهرة عاصمة المحروسة، وأغلب المغتربين يعملون في الخارج وتبلغ تحويلاتهم لذويهم أكثر من 18 مليار دولار سنويا، حسب البنك المركزي.

من أهم أسباب ثورة 25 يناير هو انعدام فرص الترقي بكل ما تحمله من معنى، فالوظائف والمناصب تتوارث، ورجال الأعمال يحتكرون الأسواق، ويزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، وبعد سنوات من الثورة التي طالبت بالعدالة الاجتماعية الطبقة المتوسطة مهددة بالسقوط بسبب ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار ورفع الدعم عن الطاقة والسلع الأساسية، أما الطبقات الفقيرة فتقترب من الجوع.

في مصر لا يوجد طريق للنجاح، لا يوجد نموذج ملهم للشباب استطاع بقدراته ومجهوده أن يحقق النجاح، فالتعليم لن ينفعك بلا واسطة والوظائف الهامة محجوزة لأبناء المسئولين، والمشاريع حتى لو كانت صغيرة تحتاج إلى رأس مال لن تجده. 

التعليم

20 مليون تلميذ وطالب يدرسون في التعليم ما قبل الجامعي، منهم 2 مليون تقريبا في المدارس الخاصة بنسبة 10%، ولا يحصل الطلاب على تعليم جيد في المدارس الحكومية، فكثافة الفصول 43 تلميذًا في المتوسط، وتعمل أكثر من 2000 مدرسة فترتين لعدم كفاية الفصول، وبسبب الفقر وعدم دعم الدولة للتعليم ما قبل الجامعي تسرب من التعليم 2 مليون تلميذًا حسب تصريحات وزير التعليم الأسبق، ويلجأ الأهالي لإنفاق 22 مليار جنيه – أقل تقدير – على الدروس الخصوصية لتحسين مستوى أبنائهم التعليمي المسئول عنه الدولة، وتحتل مصر المركز قبل الأخير في جودة التعليم حسب مؤشر التنافسية الذي أعلنه المنتدى الاقتصادي العالمي.

وفي المدارس الخاصة تنفق الأسرة متوسط 200 ألف جنيه لكل طفل حتى ينهي تخرجه من الثانوية.

ولكي تلتحق بإحدى كليات القمة (الطب – الصيدلة – الهندسة) بالجامعات الحكومية فيجب أن تحصل على مجموع درجات خرافية يقترب من نسبة 95%، أو تدفع للجامعات الخاصة سنويا أكثر من 50 ألف جنيه وهو ما لا يملكه الفقراء.

وحتى مع التفوق في الجامعات الأهلية يجد الخريجين الوظائف الهامة محجوزة بأفضلية الواسطة أو الوراثة لزملائهم غير الأكفاء، مثلما يحدث في وظائف سلك القضاء، كان المستشار محفوظ صابر وزير العدل الأسبق قد رفض تعيين أبناء عمال النظافة في القضاء قائلا: ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيًا هناك مهن أخرى تناسبه، القاضي لابد أن يكون من “بيئة” معينة، كما وصف المستشار أحمد الزند وزير العدل السابق تعيين أبناء القضاة وكلاء نيابة – بغض النظر عن تفوقهم – بالزحف المقدس، مؤكدا أنه لا يمكن لأحد أن يوقف هذا الزحف.

وخلال العام الحالي ألقت الشرطة القبض على حاملي الماجستير والدكتوراه الذين احتجوا على عدم تعيينهم في الوظائف الحكومية، وفي كل الأحوال لا يحتاج سوق العمل إلى الشهادات الجامعية أكثر من العمالة المدربة والحاصلين على تدريبات مهنية لا توفرها منظومة التعليم الحكومية والخاصة المعتمدة على التلقين والحفظ.

إذا لا يوفر التعلم فرصة لتغيير حياة الفقراء مهما كنت مجتهدا أو موهوبا وتستطيع أسرتك أن تنفق عليك حتى تنهي تعليمك.

العمل

” إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات”…ألفريد صوفي ” عالم فرنسي “

أكثر من ربع الشباب المصري عاطلون حسب إحصائيات وزارة القوى العاملة، ورفعت الدولة يدها عن تعيين الخرجين الجديد تقريبا وقال الرئيس السيسي بداية العام الحالي إن الدولة تحتاج إلى مليون موظف فقط من إجمالي 6 ملايين يعملون في المصالح والوزارات الحكومية، وتفرض الحكومة الحد الأدنى للأجور على الموظفين لديها فيما استثنت بعض القطاعات منها البنوك والقضاة، ويعاني العاملون في القطاع الخاص من تدني الأجور وعدم تحرير عقود عمل  لهم ولا تأمينات وإذا تم تحرير عقود عمل يجبرون على تقديم استقالة بلا تاريخ ليسهل فصلهم، وترفض الشركات الخاصة عودة أكثر من 16 ألف عامل تم فصلهم تعسفيًا وحصلوا على أحكام قضائية نهائية بعودتهم للعمل ولا تتدخل الحكومة لإعادتهم تنفيذ للقانون بسبب تهديد أصحاب الشركات والمصانع بإغلاق المنشأة وتسريح باقي العمال.

في يناير الماضي أطلق الرئيس السيسي برنامجًا لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة للشباب بقيمة 200 مليار جنيه، وأصبح المشروع حبرًا على ورق بسبب الشروط التعجيزية للشباب حيث يطلب منهم أوراق ومستندات لمشروع قائم بالفعل وبعض البنوك تشترط أن يكون رأس مال المشروع 50 ألف جنيها وحجم التعاملات السنوية مليون جنيه.

والفرصة الوحيدة المتاحة للشباب المصري وخاصة الفقراء هو قيادة “التوك توك” الذي ترفض الدولة تقنينه حتى الآن، ويبلغ ثمن التوك توك 20 ألف جنيه ويعمل فور شراءه بدون أوراق أو ترخيص لمن يقوده، كما لا يدفع مالكه أو من يعمل عليه ضرائب، ولكن يواجهون أزمات المصادرة الأمنية لمركباتهم وارتفاع أسعار قطع الغيار والوقود بالإضافة إلى انتهاء العمر الافتراضي سريعا بسبب إهمال الدولة في تمهيد الطرق الفرعية.

النموذج

تطون وميت الكرما وبرج مغزل 3 قرى بمحافظات الفيوم والدقهلية وكفر الشيخ قدمت للشباب نموذج للقدرة على تحويل حياتهم وحياة أسرهم البائسة إلى حياة شبة كريمة.

الشباب عبروا البحر هربا من البؤس وحصلوا على عمل في مهن متدنية لكن بأجور جيدة، وعادوا بتغيير ملحوظ في نمط الحياة السائد في القرى.

وحسب شهادات الناجين من غرق مركب رشيد الشهر الحالي، إن طريقة السفر مجربة وفي أوروبا من يستقبلهم ويوفر لهم فرص عمل ودفع تكاليف الرحلة لسماسرة الهجرة بعد وصولهم وأحينا بعد عام من الوصول.

وتتكلف رحلة الموت 25 ألف جنيه تقريبا وهي نصف شرط رأس مال المشروع الصغير الذي تقدم له البنوك القروض لدعمه، والتغيير الذي يراه سكان القرى على أهالي من هاجروا يدفعهم للمخاطرة ليس طمعا ولكن هربا إلى حد الكفاف.

فمعظم من هاجروا استطاعوا أن يتزوجوا وساهموا في تعليم أخواتهم وشراء أراضي زراعية تضمن لأسرته حياة شبه كريمة.

كما تدفع الأسر أطفالها للهجرة بمفردهم لأنها ستضمن لهم تعليم وعمل في إيطاليا، فحسب قانون حماية الطفل الإيطالي لا يجبر الأطفال اللاجئين على العودة إلا إذا طلبوا، ويتم دمجهم في النظام التعليمي ويحصلون على عمل والجنسية الإيطالية، وهو ما لم توفره الدولة المصرية لهم.

لا يخاطر الإنسان بحياته إلا هربا من الموت