أي سلطة لا تحب الصحافة التي تلعب دور الكاشف عن الانتهاكات، الفرق أن هناك سلطة تسمح وتحترم الصحافة وهذا مختلف عن الحب، وسلطة أخرى تحاول منعها من الوصول للمعلومات و النشر… وفي الصحافة المحلية في مصر تستخدم السلطة العصا والجزرة مع المراسلين في المحافظات للسيطرة عليهم وعلى ما ينشرون.

أي سلطة لا تحب الصحافة التي تلعب دور الكاشف عن الانتهاكات، الفرق أن هناك سلطة تسمح وتحترم الصحافة وهذا مختلف عن الحب، وسلطة أخرى تحاول منعها من الوصول للمعلومات و النشر… وفي الصحافة المحلية في مصر تستخدم السلطة العصا والجزرة مع المراسلين في المحافظات للسيطرة عليهم وعلى ما ينشرون.

قبل 9 سنوات أعد الزميل محمود مراسل محافظة القليوبية – اسم مستعار- حملة صحفية ضد مصنع مسطرد للكيماويات في جريدة مستقلة محسوبة على تيار معارض للسلطة الحاكمة، وأثارت الحملة ردود أفعال شعبية ومجتمعية واسعة ومناقشات في مجلس الشعب مما أغضب ديوان عام المحافظة وقرر المحافظ منع دخول الزميل إلى ديوان عام المحافظة ومنع المعلومات عنه وطرده من مقر جريدة القليوبية التي يرأس المحافظ رئيس مجلس إدارتها.

محمود كان يستخدم مقر الجريدة الإقليمية التابعة للمحافظة مثل باقي المراسلين في الصحف الأخرى في إرسال المواد الصحفية لجريدته التي تبعد عشرات الكليو مترات عن المحافظة لأنه ليس له مكتب خاص بالجريدة في محافظته.

وتستغل الأجهزة الحكومية في أغلب المحافظات وخاصة الدلتا ( الغربية والشرقية والمنوفية والدقهلية) عدم وجود مكاتب –فروع- للصحف المستقلة لجمع المراسلين في مكان مجهز لإرسال المواد الصحفية بحجة تقديم خدمة لهم ولكن هدفها الأساسي السيطرة عليهم بطريقة الجزرة والعصا.

العصا

كانت أهمية وجود مقر للمراسلين قبل اعتماد إرسال الأخبار والقرارات الرسمية على إيميل الصحفيين في وجود فاكس يستقبل المعلومات والأخبار من عدة جهات في المحافظة مثل مديريات الأمن والصحة والزراعة وغيرها بالإضافة إلى الديوان العام ورئاسة المدن والمراكز مترامية الأطراف وتحريرها لتتحول إلى أخبار وإعادة إرسالها من نفس الفاكس إلى جميع الصحف التي تصدر من العاصمة.

وكان طرد أو منع دخول مراسل من مقر الجريدة إعلان عن حرب بالمعني الحرفي ضد صحفي عليه أن يتحرك يوميا إلى عدة جهات ليحصل على الأخبار والمعلومات ثم يحررها في الشارع أو في منزله ثم يبحث عن فاكس ليرسها إلى جريدته وهو ما يرهقه ماديا في ظل أجور متدنية للمراسل، بالإضافة إلى ضياع معظم ساعات العمل في التنقل بين الجهات.

تعلم محمود أن المراسل هو رئيس تحرير المحافظة فلا تخصص للمراسلين إلا في المحافظات الكبيرة نسبيا مثل الإسكندرية، وبالتالي كان عليه أن يغطي أخبار الحوادث والفن والرياضة والصحة والمحاكم بالإضافة إلى إعداد التحقيقات والتقارير والحوارات داخل نطاق محافظته بخلاف الحصول على صور، كما عليه أن يتابع نقاط توزيع الجريدة، كل هذا بلا مقر لجريدته.

ومع اعتماد الأجهزة الحكومية الإيميل بديلا للفاكس في إرسال الأخبار أصبح مقر الجريدة أو مقر تجمع الصحفيين أقل أهمية لكنه يظل أفضل موقع لتبادل المعلومات بين الصحفيين يتوفر به أجهزة واتصالات “مجانية” وأيضا “بوفيه ” وهدوء.

وتستغل المحافظة وجود مقر الجريدة المحلية وحاجة المراسل إلى مكان عمل يمارس فيه مهنته كعامل ضغط للسيطرة على ما يكتبه المراسل من أخبار أو تقارير ووجوده في المقر مرهون برضا السلطة وتلميع القيادات التنفيذية ومنع نشر الأخبار السلبية.

احتكار المعلومات

ولا تكتفي الجهات الحكومية بحرمان المراسل من مقر آمن متوفر به كافة الإمكانيات التي يحتاجها فقط ولكنها تحتكر المعلومات والأخبار وتحرم المراسل منها.

في العام الماضي منعت مديرية الأمن بمحافظة إرسال أخبار الحوادث ونتائج الحملات الشرطية عن زميلنا أحمد بمحافظة الفيوم بسبب كشفه عن تجاوزات بعض الضباط في جريدة المستقلة المقربة من النظام، كما يرفض مسئول مكتب الإعلام بالمديرية التعليق على الحوادث للمراسل رغم أنه معتمد من الجريدة لدى المديرية ومن حقه الحصول على الأخبار والرد على أسئلته على الهاتف وحضور المؤتمرات والفعاليات التي تنفذها المديرية وتدعو المراسلين لحضورها.

الغريب أن المديرية نبهت على جميع المراسلين في المحافظة بعدم التعاون مع أحمد مطلقا واستجاب أغلبهم فيما يعاونه بعضهم سرا بدوافع مختلفة، وينتظر أحمد تغيير مدير الأمن ويتحايل على منع المعلومات بالبحث عن المصادر الأخرى للحصول على نفس الأخبار.

تامر مراسل الإسكندرية لديه أكثر من إيميل وفاكس لدى الجهات الحكومية في المحافظة بعد أن منعت الجهات التعامل معه بعد أزمة مشابهة، كما أنه يتعامل مع النيابة وهيئة الإسعاف والمصادر الطبية للحصول على المعلومات والأخبار في ضبطيات الشرطة وحوادث الطرق، نفس الأمر تكرر مع محمود مراسل قنا الذي منعت عنه الجهات الحكومية الأخبار لأنه يعمل في جريدة محسوبة على التيار المعارض للنظام وأيضا بعد وشايات زملاء في نفس المحافظة لتعطيله.

ولا تغضب الجهات الحكومية من نشر الأخبار السلبية والنقد وكشف الإهمال والفساد فقط ولكنها تغضب أكثر من عدم التلميع وعدم نشر أسماء المسئولين وصورهم المعتمدة من الجهة.

الجزرة

في الشرقية منع حلمي من دخول مقر جريدة المحافظة بسبب نقل انتقاد المواطنين للمحافظ العام قبل الماضي، واضطر لمدة شهر للتحايل للحصول على الأخبار والمعلومات الرسمية وعاونه زملائه في المحافظة وهذا كلفه عتاب من رئيسه في العمل على التقصير بعدما انخفض عدد الأخبار المرسلة للجريدة إلى الربع تقريبا، كما أضافت عليه أعباء مالية للتنقلات والعمل على المقاهي والاتصالات مما قلل دخله الذي انخفض أصلا لأنه يتقاضى مرتبه بكشف الإنتاج.

حلمي تعلم الدرس وتوسط ليعود مرة أخرى إلى المقر بعد وعود بعدم نشر الأخبار والتقارير السلبية مرة أخرى، وبعد فترة أصبح من “المرضي” عنهم وتعاقدت معه إدارة الجريدة التي تصدر شهريا براتب ألف جنيه، كما تم تعينه مسئولا عن مركز إعلام مدينة تابع لقصر الثقافة.

وتستغل الجهات الحكومية مأساة المراسلين في عدم تقاضي مرتبات تكفي احتياجاتهم وأيضا عدم وجود مقر للعمل واتساع المصادر التي يغطونها للتحكم فيهم والسيطرة على ما يكتبون.

كما تستغل القوانين واللوائح لمنع المعلومات والأخبار عن بعضهم، وفي أحيان أخرى تطاردهم بالوشايات للمديرين بالقاهرة، وتدفع المراسل للقبول بممارسات فاسدة وامتيازات بسيطة من المفترض أنها حقوق يجب أن تقدمها جريدته لتوفر له إمكانيات وأدوات عمله.

أيضا يقع المراسل في فخ الفساد أحيانا بدون مبرر فمراسلي الصحف القومية التي تحظى بمقر وإدارة حقيقية متوفر بها جميع الإمكانيات يلتحقون بركاب السلطة طمعا في المزيد من السلطة والأموال المحرمة.

على الناحية الأخرى هناك عشرات المراسلين الذين يحافظون على استقلالهم ويرفضون امتيازات السلطة وعلى استعداد لتحمل النبذ من جنة المقر، ويتعاملون مع السلطة والمسئولين باعتبارهم مصدر ثانوي ويلجئون إلى المصادر الأهلية والبديلة للحصول على الأخبار بل ويبدعون في التواصل مع المصادر البديلة التي تجبر السلطة وباقي المراسلين على التعامل مع حدث قرروا أن يتجاهلوه أو يمنعوا نشره.