إعادة البناء بعد ثورة يناير تحتاج إلى نقل معاناة الناس للمسئولين لحلها.. من هنا قرر محمد صلاح ومحمود فتحي في مارس 2011 إنشاء صفحة إخبارية على “الفيسبوك” لنقل معاناة أهالي حي العمرانية بمحافظة الجيزة للمسئولين وأيضًا كشف الفاسدين في الحي ومساعدة الأهالي في المشاركة في مبادرات الحلول.

إعادة البناء بعد ثورة يناير تحتاج إلى نقل معاناة الناس للمسئولين لحلها.. من هنا قرر محمد صلاح ومحمود فتحي في مارس 2011 إنشاء صفحة إخبارية على “الفيسبوك” لنقل معاناة أهالي حي العمرانية بمحافظة الجيزة للمسئولين وأيضًا كشف الفاسدين في الحي ومساعدة الأهالي في المشاركة في مبادرات الحلول.

 ” شبكة العمرانية الإخبارية”.. الفكرة خرجت أيضًا من رحم ائتلافات شباب الثورة التي خرجت من ميدان التحرير ومن اللجان الشعبية التي حمت مصر بعد انسحاب الشرطة في 28 يناير 2011، ودليل على قدرة المبادرات الشبابية لبناء إعلام بديل أو إعلام مواطن.

 استغل محمد صلاح ورفيقه حالة التفاؤل العام بين قطاعات الشباب وطرقوا المقاهي والشوارع ومراكز الشباب للبحث عن متطوعين لتقديم الأخبار لجمهور متوقع يقترب من 800 ألف نسمة هم أهالي العمرانية، وبالفعل حصلوا على 70 متطوعًا لم يتبرعوا بالجهد والحركة في الشارع أو “شيفتات” العمل فقط بل أيضًا باشتراك شهري 20 جنيهًا لتمويل صفحتهم.

 لم يكن بينهم صحفي أو طالب إعلام أو حتى متدرب في جريدة، ولهذا كانوا يعتمدون على الصورة والفيديو وتقديم الخدمة الإخبارية بطريقة الحكاية القصيرة أو “التغريدة”، وبعد عدة شهور جذبت آلاف المتابعين وفتحت ملفات الإهمال في مستشفى الصدر وقطاع النظافة والصرف الصحي والمرور وفساد الحي وبعد فشل الأجهزة التنفيذية في مساومتهم أو الضغط عليهم ومطاردتهم اضطروا إلى وضع الصفحة على نفس درجة الاهتمام والمتابعة للصحف لمتابعة مشاكل الحي ونيل الرضا العام للأهالي.

تجربة “شبكة العمرانية” جذبت عشرات الآلاف من المتابعين بعد مرور سنة ولهذا كانت في مرمى رعاية السياسيين والأحزاب في إطار عام حاول دمج الشباب بعد ثورة يناير، ولكن فريق الشبكة رفض الفكرة لأنهم كانوا من تيارات سياسية مختلفة وبالتالي أية محاولة لدخول حزب أو دعم مرشحين كانت ستفتت الفريق الأساسي، أيضًا رفضوا الإعلانات بعد تجربة استمرت شهرين اعتبروها تؤثر على استقلالية الصفحة.

وحتى الآن مازالت الشبكة تعمل لكنها تأثرت بانحسار السيولة العامة للمجتمع وحالة الإحباط العام للشباب والانقسامات العنيفة أثناء حكم الإخوان وتقلص عدد الفريق إلى 12 شابًا فقط إلا أنهم نقلوا الفكرة إلى أحياء أخرى منها حدائق الأهرام وبولاق الدكرور ومحافظة قنا، وقدموا للرفاق الجدد الدعم التقني والتدريب حسب تجربتهم والدعم الإعلاني أيضًا.

التحرر من القيود

في جميع محافظات مصر تقريبًا ستجد صفحة أو أكثر على “الفيسبوك” مستقلة تقدم الخدمات الإخبارية لجمهور متعطش لخدمة محلية مختلفة حتى عن الصحف المشهورة في نطاق المحافظة.

وهناك أسباب عديدة للجوء إلى إنشاء صفحات إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي منها قصور الصحف الطبيعية عن تقديم الخدمة المطلوبة ونهم مواطن في أوقات السيولة للبحث عن الخبر خاصة في أوقات الأزمات، إلا أن أهم الأسباب هو التحرر من قيود الصحف الطبيعية أو المواقع الإلكترونية سواء كانت شروط الترخيص أو حتى التحرر من طرق ومعايير الكتابة الصحفية واستخدام اللغة الفصحى فأغلب الصفحات يخلط الرأي بالخبر والمعلومة، ولا تتعامل مع المصادر الأصيلة والرسمية للخبر، بالإضافة إلى التحرر من مصاريف التأسيس لمقر أو إنشاء موقع إلكتروني.

وهذا التحرر رغم أنه ميزة لتطور الكتابة وكشف طرق جديدة لنقل الأخبار والاعتماد على الفيديوهات والصور وتدخل السخرية مع المعلومات، إلا أنه يضرب المصداقية بالحياد في التغطية في الأزمات الخلافية.

والتحرر من قيود الكتابة بالفصحى والسخرية وتدخل الرأي يجذب المزيد من المتابعين في بيئة محلية سئمت من التناول الجاد للأزمات والمغلف بالحذر من الوقوع تحت طائلة القانون إلا أنها تجذب أيضًا غضب الأجهزة التنفيذية التي لا تستطيع قانونًا منع الصفحات على “الفيسبوك” من الصدور وبالتالي تتجه إلى الضغط على القائمين على الصفحة بطرق أخرى. كانت صفحة “مباشر من الإسماعيلية” التي يتابعها أكثر من 100 ألف مواطن قد فجرت أزمة سوء اختيار وتنفيذ تماثيل الميادين العامة بالمحافظة، وبعد أن انتقلت “فضيحة” التماثيل منها ( قبضة مازنجر وعروس البحر) إلى الصحف التي تصدر من القاهرة تعاملت أجهزة المحافظة بعنف مع مؤسس الصفحة، خاصة أنه عضو في حزب الدستور المعارض والقريب من “ثوار” يناير وألقت قوات الأمن القبض على “محمود عبد العظيم” نهاية فبراير الماضي بتهم نشر أخبار كاذبة وتكدير السلم العام والتحريض على الجيش والشرطة وتم إخلاء سبيله بعد حجزه 4 أيام بكفالة 5 آلاف جنيه، وأصدر حزب الدستور بيان قال فيه: “إن المحافظ شخصيًا هو من قدم البلاغ ضد عضو الحزب والذي يعمل موظفًا بالتأمينات”، وحتى الآن الصفحة والتي ظهرت في مارس 2013 في عهد حكم الإخوان بجهود متطوعين مستمرة رغم الضغوط والمطاردة في إطار غلق المجال العام.

 نفس الأمر ينطبق على الصفحات الإخبارية في شمال سيناء والتي غالبًا ما تتهم بدعم الإرهابيين والتعاطف مع الإخوان، ويحاول القائمون عليها الحفاظ على سرية هويتهم.

الرواية الأهلية والحركة

في بداية إنشاء صفحات “الفيسبوك” التي تقدم خدمات إخبارية لا يمكنها الحصول على الأخبار لأن الأجهزة التنفيذية مثل الأحياء والمديريات وأهمها الأمن وحتى الأحزاب والمجتمع المدني يرفضون التعامل مع “مجهول” خاصة إذا كان القائمون عليها لا ينتمون إلى الوسط الصحفي ولا يتمتعون سوى بعلاقات شخصية وعائلية بالمصادر.

وهذا يدفع المتطوعين في الصفحات إلى إثبات الذات أولًا لإجبار المصادر على التحدث، وإثبات الذات يأتي بالحركة أكثر والوصول إلى المصادر الأهلية والتصوير وزيادة المتابعين والانحياز إلى الأهالي والمصداقية.

ويعتمد الصحفيون الذين يعملون في الجرائد على البيانات الإعلامية التي ترسلها المصادر وفي غير الحوادث أو التحقيقات يعتمد الصحفي على الرواية والمعلومة الرسمية للقصة الخبرية، على العكس في الصفحات الإخبارية على “الفيسبوك” فشهود العيان والصور الحية وفيديوهات المتابعة على الحوادث هي بطل القصة وعنوان المصداقية و”الترافيك” أيضًا، وغالبًا ما يعتمد الصحفيون على متطوعي الصفحات في الحصول على رواية الأهالي والصور الحية والفيديوهات.

في محافظ الدقهلية غالبًا ما يلجأ الصحفيون لـ”مصطفي الفار” الذي يعمل متطوعا بصفحة “المنصورة اليوم” على “الفيسبوك” التي يتابعها أكثر من ربع مليون مواطن للحصول على الصور والفيديوهات، و”الفار” مشهور بتواجده في الأحداث وحرفيته في التقاط الصور والفيديوهات بأدوات بسيطة.

و”المنصورة اليوم” دشنت عام 2012 وتقدم خدمة إخبارية لأهالي المحافظة، وكغيرها من الصفحات تهتم بالقضايا المحلية تقدم أهم الخدمات للأهالي وهي البحث عن المفقودين والتحذير من التكدسات المرورية، ولكنها أيضًا تتابع الأخبار التي تخص مصر أو العالم وحتى الأخبار الخفيفة بالصحف الأجنبية. صفحات “الفيسبوك” الإخبارية في المحافظات والأحياء الكبرى تقدم صحافة مواطن يمكن الاعتماد عليها ونقلها إلى من خلال الصحفيين إلى مرحلة التيقن والتدقيق ومواجهة المصادر الرسمية، وهو ما يحدث في بعض القضايا كنوع من التعاون وتبادل المعلومات بين الصحفيين والمتطوعين، وتقديري أن أهم ما يمكن أن تقدمه الصفحات الإخبارية على “الفيسبوك” هو فرز المواهب الجديدة للوصول إلى الصحافة، بخلاف أنها منبر إلى حد ما مستقل يتمتع بسوق مفتوح عالي التنافسية يسمح بالفرز الجماهيري لكل من يقدم خدمة جيدة وبالتالي هناك فرصة للتطور أعلى من الصحف المحلية.