شهدت الصحافة المحلية بمصر، تغير نوعي، إثر التطور التكنولوجي، وظهور العديد من الأزمات الطاحنة أهمها عدم توفر مصدر التمويل الرئيسي لها، وهي الإعلانات، مما أدى إلى توقف كثير من الصحف الورقية، وتحول البعض منها إلى مواقع إلكترونية، مع تحول القراء إلى السوشيال ميديا، الأمر الذي أثر على قطاع الصحافة الورقية. الصحافة المحلية في الفيوم هي أحد النماذج على أزمة الصحافة المحلية. 

توقفت قبل صدورها

شهدت الصحافة المحلية بمصر، تغير نوعي، إثر التطور التكنولوجي، وظهور العديد من الأزمات الطاحنة أهمها عدم توفر مصدر التمويل الرئيسي لها، وهي الإعلانات، مما أدى إلى توقف كثير من الصحف الورقية، وتحول البعض منها إلى مواقع إلكترونية، مع تحول القراء إلى السوشيال ميديا، الأمر الذي أثر على قطاع الصحافة الورقية. الصحافة المحلية في الفيوم هي أحد النماذج على أزمة الصحافة المحلية. 

توقفت قبل صدورها

طارق عوض، رئيس مجلس إدارة جريدة رأي الفيوم “المتوقفة”.. حصل على ترخيص أجنبي لإصدارها عام 2008 م، وجهز العدد الأول منها، ومع تنفيذ الماكيت قبل طباعة العدد الأول، كانت تتطلب إجراءات لطباعتها وطرحها في السوق، تضمنت إرسال هذا العدد إلى إدارة الرقابة العامة على المطبوعات- وهي المسئولة عن متابعة الصحف ذات الترخيص الأجنبي- والتي تراجع الصحيفة، وترسل نسخة منها إلى جهاز أمن الدولة، حينذاك.

طبع عوض، نسخة من الصحيفة، وسلمها إلى مسئول متابعة الصحف بجهاز أمن الدولة، وكان رد الضابط على طلبه تصريح الطباعة والتوزيع في الأسواق، قائلا : “إن وجدت النسخة في يد أحد.. سأقبض عليه”، ولكن بالبحث وراء السبب الحقيقي لوقف صدورها، تبين أنه يرجع لكون “عوض”، كان مسئول عن صحيفة يصدرها أحد نواب البرلمان، الذين كانوا معارضين للحزب الوطني الحاكم، حينذاك، والذي  تم حله بعد ثورة 25 يناير.

ولكن عوض، أصر على إصدار الصحيفة، ووصلت محاولاته، لحد أنه أضطر لبيع مصوغات زوجته، وبسبب تعنت الأمن وقتها، توقف عن محاولات إصدارها، وحولها مؤخرا إلى صفحة على موقع التواصل الإجتماعي “الفيس بوك”.

الخسائر توقف وفد الفيوم

نموذج آخر لمعاناة الصحافة المحلية هو صحيفة وفد الفيوم، التي كانت تصدر عام 1988 م، بترخيص من المجلس الأعلى للصحافة، بعد ثورة 25 يناير 2011م، حيث تغيرت معطيات كثيرة من بينها سوق الإعلانات، حسبما يروي الدكتور أحمد برعي، مدير تحرير الجريدة، مشيرا إلى أنها كانت الأكثر مبيعا في المحافظة، وانتظمت على مدار خمس سنوات في الصدور، ولكنها تحولت من الربح إلى الخسارة، حيث كانت تكلفة إصدار العدد 6 آلاف جنيها، لطباعة 2500 نسخة، الأمر الذي عطل إصدارها.

وبسؤال أحد مسؤولي مكاتب التوزيع التابع لمؤسسة الأهرام، عن عدد الصحف المحلية التي توزع عبر مكتبه، على باعة الصحف، تبين أنها كانت صحيفة “وفد الفيوم” فقط، التابعة لحزب الوفد، أما باقي الصحف توزع يدويا من مصدري الصحف إلى باعة الصحف في عدة مناطق.

تجربة مختلفة والنهاية واحدة

وعلى الرغم من ما ترويه منال محمود، المشرف على تحرير جريدة الفيومية، التابعة لمؤسسة “ولاد البلد”، ومديرة مكتب الفيوم، عن تجربة ثرية مختلفة مع الصحافة المحلية، والتي بدأت بإصدار ورقي يصدر أسبوعيا، منذ ثلاث سنوات، بتمويل كامل من المؤسسة، وكان هناك نسبة إعلانات، ولا تتوقف عن الصدور إلا في أجازات الأعياد الرسمية. ولكنه جريدة الفيومية سارت على نفس النهج، وتوقفت عن الإصدار الورقي مع بداية يناير الماضي، بسبب عدم قدرتها على جلب إعلانات، تغطي تكلفة إصدار العدد الورقي، حيث كانت تطبع قرابة ألفين نسخة.

“أصبح عدد كبير من المعلنين وأصحاب المحال التجارية والمشروعات، يهتمون بإعلانات الشوارع بإعتبارها الأكثر مشاهدة حسب اعتقادهم، وكذلك إعلانات “الفيس بوك”، والسوشيال ميديا، وهي الأقل كلفة للمعلن، وهو سوق إعلاني جديد على مجتمعنا، ومنافس قوي”.. هذا ما تراه منال محمود، أساس أزمة التمويل للصحف المحلية، على الرغم من محاولتها تخفيض أسعار الإعلانات، وإقناع المعلنين بأهمية الصحف الورقية.

وترى أن ظهور شركات دعاية وإعلان بالفيوم، تتواصل مع المعلنين، وتصدر مجلات إعلانية مجانية، ولا تضع الصحف الورقية ضمن خطتها الإعلانية، إضافة إلى لجوء البعض إلى نشر إعلانات لتشويه خصوم له، سواء من رجال الأعمال أو المجتمع، كل ذلك دفع الكثيرين إلى التحول إلى موقع إلكتروني كحل بديل للخروج من الأزمة، في ظل ارتفاع عدد قراء المواقع الإخبارية عن الصحف الورقية.

نصب على المعلنين

ولم تتوقف أزمة الصحافة المحلية، حسب وجهة نظر، المسؤولة عن صحيفة الفيومية، عند هذا الحد، بل تطورت إلى نصب بعض الصحف المحلية على المعلنين، حيث حصلوا على تكلفة إعلانات منهم، وحددوا موعد لصدور الصحيفة، ثم استولوا على هذه الأموال ولم تصدر كما وعدوا، لافتة إلى أنه لا يوجد انتظام في صدور الصحف المطبوعة بسبب ضعف التمويل، وأن العديد من الصحف المحلية لا يراها الجمهور إلا في مواسم الانتخابات العامة، بسبب إقبال المرشحين على نشر إعلاناتهم للوصول إلى الجمهور.

متاعب الصحفيين المحليين

“نحن نشترط على الصحفيين المحليين العاملين بها، ألا يعملوا في صحف أخرى منافسة، وأنه إن أرادوا العمل في وسائل إعلامية لا تتعارض مع عملهم في المؤسسة، يكون بتصريح منها”..هذه هي الشروط التي وضعتها مؤسسة “ولاد البلد”، على خلاف غيرها من الصحف المحلية، كما تروي مديرة مكتبها بالفيوم، وهو ما يدفع المؤسسة إلى عدم قبول مراسلي الصحف اليومية أو الأسبوعية، للعمل لديهم.

وتشكو المشرفة على صحيفة الفيومية، من عدم تعاون المسئولين، في الإفصاح عن المعلومات، وغياب الحماية النقابية للعاملين في الصحافة المحلية، في ظل انتشار المواقع الإخبارية، التي لا تلتزم في كثير من الأحيان بالمهنية، وأنه في الجانب الآخرتختلق صحف محلية الأكاذيب من أجل الإثارة، لجذب عدد أكبر من القراء إليها، وزيادة نسب التوزيع، ووصل الأمر إلى تسيير بائع يحمل ميكروفون، ينادي بصوت عال معلنا عن ضبط شبكة للأعمال المنافية للآداب، وفضائح أخرى، حتى يجذب الجمهور إلى صحيفة محلية مغمورة، وهو يجوب شوارع منطقة السهراية الشعبية، خلال الأيام الماضية، وسط إقبال بعض الجالسين في المحال التجارية على شرائها.  

صحف المواسم

ويشير شعبان مرغني، رئيس مجلس إدارة صحيفة “النبأ المصري”، الصادرة بترخيص أجنبي من لندن، وتصدر شهريا أو نصف شهريا، بأن جميع الصحف المحلية المستقلة التي تصدر في المحافظة، بترخيص أجنبي، حيث يبلغ عدد الصحف الصادرة بالمحافظة، قرابة 20 صحيفة، لا ينتظم منها في الصدور سوى قرابة 6 صحف فقط، والباقي لا يظهر سوى في مواسم الإعلانات، لافتا إلى أنه لكي يصدر عدد من صحيفته في موعد معين، يكون مرهونا بجمع إيراد مستهدف من الإعلانات، وأنه يضطر في بعض الأحيان تحمل تكلفة إصدار العدد بالتعاون مع زملائه العاشقين للصحافة والدارسين لها، حتى لا تفقد المادة الصحفية قيمتها الزمنية.

رغم الظروف الحالكة التي تمر بها الصحافة المحلية، ودخول الكثير من الدخلاء على المهنة المجال الصحفي، من باب التراخيص الأجنبية وسهولة الحصول عليها، إلا أن مرغني، يواصل مع زملائه مسيرته، لعشقه المهنة.

مطلوب تشريع للصحافة المحلية

روشتة مهنية اقترحها، رئيس مجلس إدارة صحيفة “النبأ المصري”، لإصلاح أحوال الصحافة المحلية، تتضمن ضرورة تشريع قانون ينظم عمل الصحافة المحلية، والتأكد من حصول العاملين فيها، على مؤهل عال ودارسا للإعلام، وكذلك ضرورة وضع ميثاق شرف حتى تتميز هذه الصحافة بالمصداقية، وأن يكون هناك رعاة ماليين للصحف المحلية دون التحكم في المحتوى الصحفي لها، مع توفير دعم من الدولة لهذه الصحف، مع ضرورة أن يكون هناك دورات تدريبية للصحفيين المحليين، لتحسين أدائهم المهني.

الخدمات النقابية للأعضاء فقط

“ندعم الصحفيين وليس الصحف”..بهذه العبارة بدأت حنان فكري، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية، حديثها في هذا الأمر، وتضيف أن ما يختص بالصحف هو شأن المجلس الأعلى للصحافة، وما يختص بالصحفيين فهو شأن نقابة الصحفيين المصرية، وفقا للقانون، حيث نوفر التدريب لكل الصحفيين، حتى غير الأعضاء بنقابة الصحفيين، والحماية القانونية للأعضاء، ونتضامن مع الصحفيين غير النقابيين في المشاكل التي يتعرضون لها.

ولكن عضوة مجلس النقابة، تؤكد أن الصحفيين المحليين يحق لهم الإستفادة من التدريبات المهنية للنقابة، دون الإستفادة من أي خدمات أخرى، ولا تمتد الحماية القانونية لغير النقابيين، بإعتبارهم لا يحترفون المهنة.

وتضيف فكري، أن أزمة غلق الصحف الورقية يرجع إلى انتشار الفضائيات والسوشيال ميديا الجديدة، والطفرة التكنولوجية، وهي أزمة تطال كل الصحف اليومية والأسبوعية، وليست المحلية فقط، وهو أمر متعلق بالتمويل، وليس للنقابة شأن فيه، حيث أنه إختصاص المجلس الأعلى للصحافة، مشيرة إلى أن مواجهة حالات الإبتزار من بعض الصحف المحلية، التي يصدرها بعض الأشخاص لإبتزاز المسئولين وتحقيق مصالحهم، تتم من خلال إصدار تقارير سنويا من قبل المجلس الأعلى للصحافة، عن أداء الصحف، وله الحق في مخاطبتها، ومطالبتها بتصحيح مسارها.

رقابة مجتمعية لمواجهة الانحراف

وترى فكري أن الحل الوحيد لمواجهة الصحافة السوداء، هو رقابة المجتمع عليها، وممارسته لدوره، لكشف مصداقية ومهنية أي صحيفة، مؤكدة أن القانون الجديد للصحافة، سينظم شأن الصحافة الإلكترونية، والتي يجب عليها أن تكون مسجلة في هيئة الإستثمار، ولكنها لا تعتقد إمكانية السيطرة على المواقع الإخبارية العشوائية، إلا بواسطة المجتمع، وتنصح الصحف الورقية بأن تقدم القيمة المضافة للموضوع الصحفي، والتي لا تتناولها المواقع الإلكترونية.