“كان عليّ ارتداء الحجاب وتغيير اسمي إلى “أمينة” لتكون حياتي أسهل في سبها” تقول جوليا (43 عاماً) المسيحية النيجيرية التي قدمت إلى سبها (750 كم جنوب طرابلس) ضمن مواكب المهاجرين الأفارقة المتدفقة إلى ليبيا عبر ثغرات كثيرة.

الصلاة يوم الجمعة

تذهب جوليا كمعظم المسيحيين الأفارقة إلى الكنيسة الوحيدة – غير المعروفة – في سبها يوم الجمعة بدل الأحد، وأوضحت جوليا لـ”مراسلون” أن الكنيسة التي تقع بين الورش والبيوت العشوائية في أحد أحياء المدينة لا يعرفها عامة الناس من الليبيين، فقليل من المسؤولين في المدينة يعرف بذلك حسب كلامها، وعن سبب عدم ذهابهم يوم الأحد للكنيسة تجيب جوليا أنهم لا يريدون جذب انتباه الناس لهم.

حول طقوس الكنيسة التي هي عبارة عن مبنى غير مخصص لذلك تحدثنا “جوليا” أنهم يقومون بكل الطقوس باستثناء قرع الأجراس، حتى لا يثيروا امتعاض السكان أو اعتراضهم.

فارتداء الأزياء الخاصة بالتراتيل المسيحية، وفرق الكورال التي يتفاعل معها العشرات من المسيحيين الأفارقة، والاحتفال بأعياد الميلاد وإحياء العقائد المسيحية الخاصة بالأفارقة، كل ذلك يتم فعله داخل الكنيسة حسب قول جوليا.

ولكن رغم ذلك لا يخلو ذهاب المسيحيين للكنيسة من المخاطر، إذ تعرضت سيارة كانت تقل بعضهم متجهين للكنيسة لإطلاق نار لغرض السرقة، وتوفي في تلك الحادثة طفل صغير وأصيبت امرأتان إصابات بليغة حسب قولها.

تغيير الأسماء

تغيير الأسماء هو سلوك شائع لدى معظم المهاجرين المسيحيين القادمين من أفريقيا، فإيمانويل يصبح محمدا وفيليب يصبح أحمد، وهكذا حتى لا يتعرضوا للمضايقة ويسهل حصولهم على عمل، أما النساء فإلى جانب تغيير أسمائهن عليهن ارتداء الحجاب تماشياً مع العرف السائد.

لكن مايكل الذي يعمل ميكانيكي سيارات يعيش باسمه الحقيقي في سبها، فهو لا يخشى من شيء “حتى داعش”، مؤكداً أن حياته مستقرة ولن يسمح لخطط داعش أن تؤثر في حياته وعمله.

رأي جوليا كان مختلفا عن مايكل، فهي ترى داعش مثل جماعة بوكو حرام في نيجيريا، ولذلك تخشى من هذا التنظيم المتطرف، و”الذوبان” وسط الأفارقة المسلمين هو حل تراه جوليا يحافظ على حياة المسيحيين هناك.

إتاوات وسرقة

معظم المسيحيين الأفارقة المهاجرين إلى ليبيا يتقنون اللغات الإنجليزية أو الفرنسية تحدثاً وكتابة، ولهذا فغالباً هم يعملون في مراكز تعليم اللغات المنتشرة في أرجاء المدينة، ولكن بطريقة أو بأخرى يتم استغلالهم وتوفير عمل لهم بأجور زهيدة ولساعات طويلة تمتد من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، ولكن همهم الأكبر هو اضطرارهم لدفع ما يشبه الإتاوات لما يسمونه “مافيات العمال”.

يقول جون (34 عاماً) والذي يعلم اللغة الإنجليزية في مركز لتعليم اللغات إنهم يتعرضون للسرقة بأشكال مختلفة، فعندما وصل جون من نيجيريا إلى سبها تم احتجازه في منزل بحيّ “سكرة” بالمدينة ستة أشهر من قبل شباب مسلحين، ذلك كان بسبب عجزه عن دفع 1000 دينار (730 دولار أمريكي) هي إتاوة العمل في المنطقة، يأخذها مسلحون يتاجرون بالعمال الأفارقة “ويأخذون جزءا مما نكسبه غصباً، وأنا حالياً أدفع 200 دينار (145 دولار أمريكي) شهرياً لهم وإلا سيتم احتجازي من جديد” ينهي جون حديثه معنا.

توضح جوليا أنهم دائما يتعرضون لسرقة هواتفهم النقالة ونقودهم، بل إنهم “سرقوا مني يوما ملابس كنت أنوي بيعها لتساعدني على تكاليف الحياة”، لكنها تلفت إلى أن هذه الأفعال التي يمارسها بعض من وصفتهم بـ”المراهقين أو شباب مسلحون”، لا يقومون بها ضدهم لأنهم مسيحيون وإنما لأنهم أجانب، فحسب كلام جوليا “يجدون الأجانب هدفاً سهلاً لسرقة حاجياتهم دون التعرض للمساءلة”.

الموت واحد

حال المسيحيين الأفارقة في سبها هو ذات حال المسلمين، فكلهم تجمعهم لعنة الهجرة غير الشرعية، وجميعهم يتم رصهم في سجون المهاجرين حيث الأوباء والأسقام التي بعضها يؤدي للوفاة.

يقول مصدر في مركز سبها الطبي – فضل عدم كشف هويته – إنه لا يمر يوم إلا ويحضر مندوب من قنصلية إحدى الدول الأفريقية المجاورة لتقديم بلاغ عن مهاجر مفقود أو تسلم إبلاغ بوفاة أحد مواطني دولته من المهاجرين.

ويشير المصدر إلى أن مشكلة كبيرة يعانيها المركز، وهي تكدس جثامين المتوفين، فمنهم المسيحي ومنهم المسلم، ومن يثبت أنه مسلم يُدفن في مقبرتي الجديد والقرضة، والمسيحي في مقبرة المسيحيين على طريق طرابلس، لكنهم يحارون في التصرف مع من لا يعرفون ديانته، ويبقى فترات طويلة في ثلاجة الموتى حسب كلام المصدر.

قوانين واعتقاد

تمنع القوانين الليبية تناول الكحوليات أو الاحتفال العلني بعيد الميلاد أو رأس السنة الميلادية، وقد تكيف المسيحيون الأفارقة مع هذه القوانين التي يدعمها العرف الاجتماعي والتقاليد الصارمة في البلاد.

ولكن وحسب رأي أحد المسيحيين في سبها – رفض نشر اسمه – فإنهم يحذون حذو الليبيين الذين يشربون الكحول بشكل سري، ويحتفلون أيضاً بأعياد رأس السنة والقداس في الخفاء.

يقول عبد الحفيظ علي (38 عاما)، ليبي الجنسية لـ”مراسلون” إن على هؤلاء الأفارقة المسيحيين “العودة لبلدانهم إذا لم يعجبهم العيش وفق قواعد البلد الإسلامي الذي هاجروا إليه بشكل غير شرعي”.

ومع ذلك، فإن الاعتقاد السائد عند الليبيين في سبها أن الأفارقة القادمين من النيجر ومالي وتشاد كلهم مسلمون، ويفضلونهم كعمال داخل البيوت على النيجيرين والكاميرونيين وغيرهم حتى يلتزموا بالقوانين الإسلامية، لكن هذا الاعتقاد يخيب كثيرا مع المهاجرين، لأن أعداداً كبيرة منهم مسيحيون ويتظاهرون بأنهم مسلمون للحصول على عمل كعمال تنظيف داخل البيوت الليبية.

يخشون ترحيلهم

ما تزال سبها تتذكر مقتل الزوجين المسيحيين “مانويل ونوشي” الذين ذبحا بمنطقة المنشية، ورغم اعتقاد المسيحيين أن مقتل الزوجين كان على خلفية ديانتهم ولكن الحاشية المسيحية لم تتابع الأمر خوفاً من تأثير ذلك على وجودهم في سبها حسب كلام أحد رجال الأمن بالمدينة.

وهنا يقول إبراهيم يحيى (ضابط شرطة في مركز القرضة) إنهم لا يتلقون أي بلاغات أو شكاوى من الأفارقة المسيحين ذات طابع عنصري، لأنهم يخشون تداعيات إقامتهم غير القانونية، ويلفت كذلك إلى أنه لا توجد قوانين واضحة تجرّم الاضطهاد الديني أو التمييز العنصري.

مع كل هذا الخطر المتربص بالأفارقة المسيحيين في سبها إلا أن جوليا لم تفكر أبداً في مغادرة ليبيا أو الهجرة إلى أوروبا، فجوليا تصلي لليبيا متمسكة بها كموطن لها حسب قولها، آملة أن تنتهي المشاكل فيها في القريب العاجل.