مشاكل عائلية تعانيها رنا (طالبة جامعية من مواليد 1997) مع زوج أمها دفعتها لتناول أول نصف حبة ترامادول عام 2013، تقول رنا “حين اعترفت لي صديقتي التونسية التي كانت تدرس معي في الجامعة بأنها تتعاطى حبوب الترامادول وحبوب الليقستون استغربت كثيراً، ولكن بعد ذلك تعودت الفكرة” وشيئاً فشيئاً أصبحت تتعاطى عدة أنواع من المخدرات بشكل مستمر “المخدرات وقودي الذي لا أستطيع التحرك بدونه” على حد قولها.
ورغم أن تعاطيها للحبوب المخدرة يعدل مزاجها مؤقتاً إلا أنها أصبحت كئيبة وجسمها دائم الارتعاش وعصبيتها زادت، كما أنها تشرب الماء بكميات كبيرة دون أن تشعر بالارتواء، وشهيتها مسدودة ووزنها يتناقص بمعدل كيلوغرامين شهرياً، وتعاني فقر دم ونقص كالسيوم تسبب بتهتك وتكسر أسنانها، وقد أثر تراجع صحتها بشكل مباشر على هوايتها في صناعة الإكسسوارات التي تتقنها، تقول رنا بمرارة “للأسف الحبوب دمرتني”.
أخشى الفضيحة
مرت أربع سنوات على بدء الفتاة في تعاطي الحبوب المخدرة، وهي اليوم تتعاطى حبوب الترامادول وحبوب الروش والليقيستون وتدخن أحياناً الحشيش، “أهلي لا يعلمون بوضعي وأكاد لا أخرج من غرفتي عندما أكون في المنزل، وأخاف من التوجه للمستشفى لطلب العلاج لأنه قد يتم تسليمي للردع وأفضح ويعرف أهلي والناس بإدماني”.
نفس الوضع تقريباً تعيشه نهلة (طالبة جامعية من مواليد 1995) والتي بدأت في تعاطي المخدرات عام 2015 بعد وفاة شقيقها الذي سبقته وفاة والدها مقتولاً عام 2011، وهي تتشارك المعاناة مع أربع زميلات لها في الكلية يعانين ظروفاً سيئة دفعتهن لتدخين الحشيش وشرب الكحول، ويشترين المشروب والحشيش من منحتهن الدراسية ويبعن ما يملكن من هواتف وحلي للحصول عليها حين لا يحصلن على المال.
تقول نهلة “لا أريد العلاج لأني أخاف أن يكشف أمري، خاصة أن أهلي حتى الآن لا يعرفون أني أدخن الحشيش، و أجزم اني قد أنتحر بدونه لأني لن أقوى على تحمل قسوة الحياة، كما أني لا أصدق أن هناك علاجاً نفسياً قد يساعدني، أو أن الزواج والحياة الاجتماعية قد تنقذني”، ورغم كونها هاوية مسرح وشاركت في عدد من المسرحيات، إلا أن حبها للفن لم يساعدها نفسياً كذلك.
يقول عمر الشبلي المحامي والباحث القانوني إنه في الغالب ترفض النساء اللجوء إلى المصحات للعلاج وذلك بسبب الخوف من كلام الناس والفضيحة، وفي حال لجأت للعلاج ثم انقطعت عن الجلسات يفرض القانون على المصحة أن تبلغ عنها.
النص القانوني
فوفق المادة 258 من قانون العقوبات الليبي – حسب الشبلي – يجب على المصحة الإبلاغ، “خاصة أن لديهم موظفاً صفته مأمور ضبط قضائي يقوم بالتبليغ عن أية حالة إدمان تصل للمصحة العامة، وهو موظف يجب أن يكون موجوداً حتى في المصحات الخاصة المتخصصة في علاج الإدمان”.
ومن أهم التدابير الوقائية الواردة في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية التدبير الخاص بإيداع المدمن مصحة للعلاج، وقد نصت على هذا التدبير المادة 37/2 من هذا القانون حيث قالت بأنه “يجوز للمحكمة بدلاً من توقيع العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة أن تأمر بإيداع من ثبت إدمانه على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض، ليعالج فيها إلى أن تقرر اللجنة المختصة ببحث حالة المودعين بالمصحات المذكورة الإفراج عنه، ولا يجوز أن تقل مدة الإيداع في المصحة عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، ويشترط أن يثبت الإدمان من لجنة طبية”.
ويتم تشكيل اللجنة المختصة ببحث حالة المودعين بالمصحات من قبل وزارة الصحة، على أن يكون من بين أعضائها أحد رؤساء النيابة العامة ويندب لذلك من الجهة التابع لها، وللجنة الطبية أن تستعين بمن ترى الاستعانة به لأداء مهمتها، كما لا يجوز أن يودع المصحة من سبق الأمر بإيداعه بها مرتين أو من لم يمض على خروجه أكثر من خمس سنوات، ولا تقام الدعوى الجنائية على متعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية إذا تقدم للعلاج بالمصحة من تلقاء نفسه، ويجوز للمصحة التكتم على أسرار مرضاها وعدم التبليغ عنهم إلا إذا انقطعوا عن حضور الجلسات.
وبحسب الشبلي فإن العديد من النساء المدمنات الموجودات في سجن الكويفية ببنغازي بدأن في التعاطي بسبب إدمان أزواجهن، حيث يرغمهن أحياناً أو يشجعهن الزوج على التعاطي معه بهدف المشاركة وزيادة المتعة، كما أشار إلى أن المناطق الحدودية مثل طبرق ومناطق الجنوب تكثر فيها حالات إدمان النساء، لأنه أحياناً تستخدم النساء في تهريب المخدرات والترويج لها.
بتهم أخرى
يقول محمد الفيتوري المستشار في وزارة الداخلية لـ”مراسلون” إن النساء الليبيات المدمنات لا يتم القبض عليهن وهن في حالة تعاطي عادةً بل على الأغلب في أوكار الدعارة، ومن ثم يتم اكتشاف إدمانهن ولكن يسجل القبض عليهن بتهمة الدعارة وليس الإدمان لأنهن عادةً لا يحملن معهن مادة مخدرة تثبت تعاطيهن لحظة القبض عليهن.
ومن الصعب الحصول على أرقام أو إحصاءات تخص تعاطي النساء في ليبيا لخصوصية الموضوع وحساسيته – حسب الفيتوري – الذي يقول “أؤكد لكم أنكم لن تجدوا أرقاماً حقيقيةً أبداً، وحتى الآن لا توجد قاعدة بيانات، ورغم أن الوضع غير مقلق حتى الآن إلا أنني أتوقع ازدياد عدد المدمنات إذا استمر الانفلات الأمني وسهولة الوصول للمخدر”.
وتأكيداً لكلام الفيتوري يروي صالح المقرحي وهو عقيد يعمل في سجن الجديدة للنساء أنه تأتيهم بعض الحالات “بتهم غير المخدرات ونكتشف إدمانها في السجن، كما في حالة فتاة مواليد 1988 تم تحويلها للجديدة بتهمة السب والقذف وبعد الكشف والتحليل اتضح أنها مدمنة هيروين وعليها آثار الحقن ومصابة بالإيدز” ولكن النيابة أمرت بالإفراج عن الفتاة والتزم السجن بالأمر “لأننا جهة تنفيذية ولا نستطيع التحفظ عليها بعد قرار النيابة، كما إننا لا نستطيع علاج حالات الإدمان لعدم وجود متخصصين أو إمكانيات داخل السجن” حسب المقرحي.
لا نضبط الليبيات
ويقرّ المقرحي “بصراحة الجهات الضبطية لا تضبط إلا النساء الأفريقيات في قضايا المخدرات، أما الليبيات فيخافون القبض عليهن إلا فيما ندر لأن رد الفعل قد يكون أكبر من قدرة الجهة الضبطية على المواجهة”.
ويكشف المقرحي أن هناك بعض الجهات غير الرسمية فقط تقبض على النساء الليبيات في مثل هذه القضايا “وهي تحتفظ بمن تقبض عليهن في سجون خاصة بهم ولا يتم تحويلهن لسجن الجديدة، ولذلك المسجونات عندنا بتهم المخدرات جميعهن أفريقيات باستثناء ليبية واحدة”.
تقول الدكتورة عائشة بوحجر وهي استشارية نفسية تعمل في مستشفى خاص يعالج ويستقبل حالات الإدمان من الجنسين “نحن كمستشفى نستقبل حالات الإدمان ومن المستحيل أن نسلمهم لأية جهة ضبطية سواءً كانت الردع أو غيرها، ونتعامل مع المدمنين من الجنسين كمرضى ونحافظ على سريتهم، ولهم الحق في التسجيل بأسماء مستعارة في السجلات حتى لا يعلم بهم أحد”.
الجهة الوحيدة
هذه المصحة بطرابلس تقدم الخدمات للمدمنين مقابل أسعار مكلفة نوعاً ما، وعندما تكون المدمنة غير قادرة على دفع تكاليف العلاج يقومون بتحويلها لمستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية “رغم أن معظم المدمنات يتحاشين اللجوء للرازي لسوء ظروف الإيواء فيه وعدم ثقتهن في الحفاظ على السرية وعدم التبليغ عنهن للجهات الضبطية” تقول بو حجر.
ولكن الرازي هو المستشفى العام الوحيد الذي كان يستقبل حالات الإدمان رغم أوضاعه السيئة من حيث الإيواء والعلاج ومستوى الخدمات، وقد توقف مؤخراً عن استقبالهم بسبب فقر الإمكانيات.
لا بد من الإيواء
وتوضح الطبيبة أنه لا بد من الإيواء لعلاج حالات الإدمان بشكل كامل وفعال، والمصحة التي تعمل فيها وفرت خدمة الإيواء للنساء منذ شهرين فقط، وبذلك أصبح ممكناً متابعة المريضات بشكل جيد “خاصة أثناء معاناتهن من أعراض انسحاب المخدر، والذي يتطلب الإيواء والدعم النفسي والمراقبة” تقول بوحجر.
مثل باقي المتحدثين تعجز بوحجر عن تقديم إحصاءات بعدد المدمنات اللاتي استقبلتهن المصحة، ولكن معظم الحالات التي تأتيهم حسب قولها “من مواليد السبعينات والثمانينات أما الحالات الأصغر سناً فنادراً ما يأتون للعلاج لأن المريضة لا تستطيع القدوم لوحدها بسبب خوفها من افتضاح أمرها ولعدم علم الأهل بأدمان أغلبهن، ومعظمهن لا يعلمن حتى نوع المخدر الذي يتعاطينه، وغالباً يعملن في عدة أماكن وقد تلجأن للسرقة لتوفير ثمن المخدر”.
وقد حاول “مراسلون” التواصل مع قوة الردع الخاصة والتي سمعنا عن وجود نساء متهمات بإدمان المخدرات مسجونات لديهم في مؤسسة الإصلاح والتأهيل بمعيتيقة، إلا أنهم رفضوا الإفصاح عن أية معلومات بالخصوص.