كشف التوتر الأمني الذي خيم على العاصمة طرابلس منتصف الأسبوع الماضي مدى هشاشة التوافق الذي يجمع مكونات القوة المسيطرة على المدينة، والذي حدث إثر خلاف نشب بين كتائب من طرابلس وكتائب من مصراتة نتج عنه اشتباكات وخطف على الهوية وقطع للطرق الرئيسية بما فيها الطريق السريع الذي يعتبر شريان المدينة الحيوي.
كشف التوتر الأمني الذي خيم على العاصمة طرابلس منتصف الأسبوع الماضي مدى هشاشة التوافق الذي يجمع مكونات القوة المسيطرة على المدينة، والذي حدث إثر خلاف نشب بين كتائب من طرابلس وكتائب من مصراتة نتج عنه اشتباكات وخطف على الهوية وقطع للطرق الرئيسية بما فيها الطريق السريع الذي يعتبر شريان المدينة الحيوي.
التوتر الأمني جاء على خلفية مداهمة الغرفـة المؤقتة لحماية وتأمين طرابلس الكـبرى (مكونة من كتائب من مدينة مصراتة) مقراً تابعاً للأمن المركزي (قوات من طرابلس تابعة لعبد الغني الككلي المعروف بـ”غنيوة”)، قالت عنها مجموعة مصراتة أنها لتحرير مجموعة مكونة من ستة أفراد، من بينهم مدير عام مستشفى طرابلس المركزي د. عبد الجليل غريبي ومواطن تركيا كانوا محتجزين لأكثر من خمسة أشهر.
خطف على الهوية
مداهمة هذا السجن السري تمت ليل الإثنين 16 تشرين الثاني/نوفمبر، لترد قوات “غنيوة” صباح الثلاثاء بإغلاق الطريق السريع وإقامة بوابة تفتيش فيه قامت باعتقال أكثر من 80 مواطناً من المدنيين ترجع أصول غالبيتهم إلى مدينة مصراتة، وترد كتائب مصراتة بعدها بإقامة بوابات تفتيش في مناطق نفوذها واعتقال عدد من المدنيين معظمهم أصولهم من مدينة ككلة.
يوم صعب مر على سكان طرابلس بالذات ممن ينتمون لأصول مستهدفة من أحد طرفي النزاع، سادت فيه مشاعر الخوف والسخط التي انعكست على مواقع التواصل الاجتماعي، وعززت الإحساس بعدم الأمان من أن ينفرط الاتفاق الذي يجمع القوات المسلحة المسيطرة على العاصمة فتدخل في حرب لا تبقي ولا تذر.
المحلل السياسي والاقتصادي كمال المزوغي ليس متفائلاً فهو يقول “شبح الحرب سيظل مخيماً على طرابلس بسبب إصرار الجميع على التواجد فيها، باعتبارها عاصمة القرار السياسي الليبى والتواجد بها يعنى التحكم، أو على أقل تقدير التدخل فى القرار السياسي، وبالتالى سيصر الجميع على البقاء هنا طالما لم تكن هناك حكومة فعلية تقف على أرض الواقع ويكون بإمكانها احتكار استخدام القوة”.
السجناء الذين حررتهم كتائب مصراتة من سجن الككلي يقول الأخير بأنهم مطلوبون للنائب العام، وأنهم محتجزون بطريقة قانونية، وفي مساء يوم الثلاثاء أعلن قادة كتائب وسرايا ثوار مدينة طرابلس في بيان صدر عقب اجتماع عقدوه بالخصوص أن مسؤولية تأمين طرابلس ليست مقتصرة على كتائب بعينها (في إشارة إلى كتائب مصراتة التي كلفها المؤتمر الوطني العام بذلك إبان عملية فجر ليبيا وحرب المطار) وأن المساس بطرابلس ومؤسساتها الخدمية والعسكرية، “يعد مساساً بشرعية الدولة”.
غنيوة الككلي
التصعيد بين الطرفين استمر في اليوم التالي أيضاً، حيث قال أحد قادة كتائب مصراتة بطرابلس بأن الككلي رفض الإفراج عن المدنيين الذين احتجزتهم قواته، وأنه اشترط للإفراج عنهم تسليمه المجموعة المكونة من ستة أفراد الذين حررتهم الغرفـة المؤقتة لحماية وتأمين طرابلس الكـبرى، إضافة إلى الأفراد التابعين له الذين اعتقلتهم الغرفة الأمنية الثلاثاء.
ويعتبر عبد الغني الككلي رقماً مهماً في المعادلة الأمنية والعسكرية بطرابلس، حيث يقول المحلل السياسي محمد الهنقاري بأن الككلي يتلقى “الدعم العسكري والسياسي من الدولة لأجل الحفاظ على الأمن فى منطقة من أصعب المناطق فى ليبيا وهي أبوسليم، التي تعد مركزاً للإجرام وتجارة المخدرات والخمور، وغالبية شبابها كانوا من متطوعي وأنصار القذافي”.
بقيت أبوسليم تثير القلاقل السياسية حتى بعد سقوط القذافي، واستمرت فيها محاولات الانتقام من مناصري الثورة، ولكن بعد تكليف عبد الغني الككلي بالأمن فى المنطقة “شهدت هدوءاً كبيراً ولم تعد مصدر قلق للدولة”، يقول الهنقاري.
الهنقاري يقلل من شأن الاضطراب الأمني الذي حدث في طرابلس حين يقول “لم تحدث اشتباكات فى العاصمة، ما حدث هو مجرد انتشار للقوة العسكرية التابعة لعبد الغني الككلي فى محيط منطقة أبوسليم والطريق السريع، ووقع حجز على الهوية”.
ويستدرك “طبعاً استخدام سياسة الخطف فى حل الأزمات بين منطقتين يعود إلى ثقافة متخلفة يغيب فيها العقل، وعدم القدرة على حل المشاكل بالوسائل الدبلوماسية والحضارية نتيجة المستوى العقلي والتعليمي المتدني للمسلحين”.
اتفاق مصالحة
مساء الأربعاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني شهد وضع حد للاحتقان، حيث اجتمع عميد البلدية وأعضاء المجلس البلدي والمجلس العسكري مصراتة مع المجلس البلدي أبوسليم وعميد بلدية ككلة في العاصمة، ونتج عن الاجتماع الإفراج عن جميع المعتقلين.
يعتقد الهنقاري بأن المجلس البلدى مصراتة ومجلس الحكماء لعب الدور الأكبر فى إطفاء نار الفتنة والحرب، “ونجح فى ذلك لأن غالبية أهل مصراتة ليس لديهم رغبة فى حرب جديدة”، خاصة وأن المدينة خاضت وتخوض صراعات على أكثر من جبهة لعل أهمها الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة سرت.
صباح الخميس أعلنت قوة الردع والتدخل المشتركة بأبي سليم في بيان لها، الوصول إلى اتفاق مصالحة بين “ثوار مصراتة وطرابلس” بعد الأحداث التي وصفتها بـ “أحداث فتنة مصدرها مخابرات أجنبية”.
دعوة للحرب
إلا أن هذا الصلح لا يراد له على ما يبدو أن يكون نهائياً، حيث هاجم مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني “المجموعات المسلحة التي تكررت اقتحاماتها وسطوها المسلح وانتهاكاتها” حسب قوله، في إشارة إلى كتائب مصراتة التي تشكل ثقلاً كبيراً في مكونات تحالف فجر ليبيا المسيطر على غرب البلاد، داعياً إلى “إخراجها بالقوة من العاصمة طرابلس”.
الغرياني استدعى في حديثه ضمن برنامج “الإسلام والحياة” الذي يبث عبر قناة “التناصح” الليبية إلى الذاكرة أحداث حرب المطار التي وقعت شهر تموز/يوليو من العام الماضي، والتي تم فيها إخراج كتائب القعقاع والصواعق التابعة لمدينة الزنتان من العاصمة، وشبه كتائب مصراتة اليوم بكتائب الزنتان حينذاك حين قال “ما الفرق بين كتائب مصراتة والزنتان، إذا كانوا سيقومون بنفس الوظيفة؟”.
الغرياني كان هجومه حاداً على كتائب مصراتة الموجودة في طرابلس إذ قال “هؤلاء ليسوا بثوار لقد أساؤوا للثورة وللدين وللحق، يجب الضرب على أيديهم ويجب علي ولي الأمر أن يسلبهم الشرعية، إذا أهل مصراتة يدافعون عن مجرمين من مصراتة، أو أهل الزنتان يدافعون عن مجرمين من الزنتان، فهؤلاء يناصرونهم وهؤلاء تحق عليهم اللعنة، لعنة الله ولعنة الناس ولعنة الملائكة”.
يقول المحلل السياسي والاقتصادي كمال المزوغي إن “التحشيد اﻹعلامى يعمل على توجيه الشارع وفق رؤية مؤدلجة لخدمة مصالح طرف ما، أعتقد أن وجود كل الكتل المسلحة الآن فى طرابلس يؤدي إلى خلق توازن الرعب، والذي ربما يكون إيجابياً على الحالة الليبية فى ظل غياب حكومة واحدة تمتلك اﻷدوات التى تمكنها من السيطرة على الأرض”.
في ذات الوقت يقول المزوغي إن “عدم التزام أغلب الكتائب بالقانون هو أمر خطير، وهذا طبعاً ينطبق على كل الكتل المسلحة الموجودة، إن لم يكن هناك تنظيم وتقنين لعمل هذه الكتائب وأن تكون تحت قيادة جهات عسكرية محترفة ومتخصصة فإنها حتماً ستكون خارج السيطرة، حتى وإن كانت تدخلاتهم فى بعض اﻷحيان عفوية لمكافحة فساد ما”.
تصريحات المفتي ضد حلفاء اليوم تشبه إلى حد كبير التصريحات التي أطلقها ضد كتائب الزنتان قبيل حرب المطار، التي توقفت على إثرها معظم الخدمات في العاصمة وكانت بداية لتدهور الوضع الأمني والاقتصادي والخدماتي الهائل الذي سقطت فيه طرابلس، فهل هي مؤشر على احتمال نشوب قريباً؟