يبدأ الناخبون داخل مصر التصويت لانتخاب مجلس النواب في ١٨ أكتوبر الجاري في ظل أجواء تبدو خليطا عجيبا بين ما قبل 25 يناير وما بعد 30 يونيو ولمحات باهتة تذكرنا بأن ثورة قامت في 25 يناير، ويبدو البحث عن النساء المرشحات في هذه الانتخابات أو المتوقع فوزهن فيها كاشفا عن الكثير من أبعاد العملية الانتخابية وطبيعتها.
النظام الانتخابي والكوتا
يبدأ الناخبون داخل مصر التصويت لانتخاب مجلس النواب في ١٨ أكتوبر الجاري في ظل أجواء تبدو خليطا عجيبا بين ما قبل 25 يناير وما بعد 30 يونيو ولمحات باهتة تذكرنا بأن ثورة قامت في 25 يناير، ويبدو البحث عن النساء المرشحات في هذه الانتخابات أو المتوقع فوزهن فيها كاشفا عن الكثير من أبعاد العملية الانتخابية وطبيعتها.
النظام الانتخابي والكوتا
تتحدد ملامح مشاركة النساء أساسا بقانون الانتخابات والمناخ العام السائد اللذين يضربا حيوية العملية الانتخابية وديمقراطيتها في مقتل. فقد نص قانون الانتخاب على أن 120 مقعد سيتم اختيارهما وفقا لنظام القوائم المطلقة في أربعة دوائر كبيرة على مستوى الجمهورية و448 وفقا للنظام الفردي في 205 دائرة. هكذا، فقد الانتخاب بالقائمة أهم ميزاته وهي تسييس العملية الانتخابية وتمثيل كافة التيارات والتوجهات القائمة في المجتمع وفقا لأوزانها النسبية. أما تمثيل النساء فمضمون في مجلس النواب القادم ألا يقل عن 56 من 568 عضو منتخب وفقا لقانون الانتخاب، منهن سبعة نساء فزن بالفعل بالتزكية ضمن 15 مرشح على قائمة (في حب مصر) عن قطاع شرق الدلتا ويبدو أنها ستحصد معظم مقاعد القوائم الباقية وتتكون بالأساس من رجال أعمال ولواءات ومسئولين تنفيذيين ونواب سابقين في عهد الحزب الوطني المنحل.
تاريخيا، لم تتجاوز نسبة مشاركة النساء في البرلمانات المصرية الـ3% (الأرقام الواردة تتعلق بانتخابات مجلس الشعب، الغرفة الدنيا من البرلمان المصري، أما برلمان ٢٠١٥ فمكون من غرفة واحدة هي مجلس النواب) إلا حينما وجدت كوتا للنساء. والنظام الفردي أكثر شراسة في عدائه للنساء حيث يعتمد على حشد المال والنفوذ العصبي والقبلي، ففي 2010 مثلا لم تنجح أي سيدة على أي مقعد غير الـ64 مقعد المخصصة للنساء. وفي انتخابات 1987 جاءت نسبة النساء 3.9% مع تبني نظام القوائم النسبية واشتراط وجود سيدة في كل قائمة دون تحديد موقعها في القائمة كما فعل المشرع أيضا في انتخابات 2011/2012 حيث انخفضت النسبة إلى 1.8% حيث قامت الأحزاب بوضع النساء في ذيول القوائم. المشرع المصري في الحالات القليلة التي تبنى فيها التمييز الإيجابي كان بخيلا جدا في عدد المقاعد التي يضمنها للنساء: 64 من 508 في برلمان 2010 و30 مقعد في برلمان 1979، وسيدة واحدة على الأقل في القوائم النسبية (1987 و 2011/2012) ودون تحديد ترتيبها.
ورغم أن كوتا انتخابات 2010 كانت الأكبر من حيث العدد إلا أنها تضمنت عيبا خطيرا وهو عزل النساء في دوائر خاصة بهن ينافسن فيها بعضهن مما أحدث صراعات بين نساء الحزب الواحد وأيضا بين نساء الأحزاب المتنافسة، بدلا من إدماج النساء في الدوائر العادية مثلما كانت كوتا برلمان 1979 ( حيث تم تحديد ثلاثين دائرة تتضمن كل منها ثلاثة مرشحين على أن تنجح من بينهم امرأة)، وكذلك اتساع حجم الدوائر المخصصة للنساء في 2010 مقارنة بالدوائر العادية بما يتطلب قدرات مالية عالية جدا.
ترشح النساء وحيوية العملية الانتخابية
بخلاف النظام الانتخابي، هناك إشكاليات كثيرة حاليا تؤثر على مشاركة النساء. فرغم أن فوز النساء في الانتخابات البرلمانية المصرية كان نادرا، كان خوض النساء للمعترك الانتخابي كمرشحات من السبل الأساسية لإبراز السياسيات جماهيريا واكتسابهن مكانة أقوى داخل أحزابهن أو في المجتمع. السياسية المعارضة المعروفة جميلة اسماعيل مثلا خاضت معارك انتخابية كبيرة في 2001 و2010 و2012 ضد مرشحين مستندين للحزب الحاكم أو لنفوذ مالي كبير لم تفز في أي منها لكن هذه المعارك مثلت روافع هامة لحضورها السياسي والجماهيري.
وحاليا، اكتفت الكتل الانتخابية بالضبط بالعدد المطلوب قانونا من النساء وكأنه حد أقصى وليس حد أدنى بل أن معظم القوائم أتت بنسبة من النساء مسيحيات لتستوفي كوتا النساء وكوتا المسيحيين بحجر واحد. أما أعداد المرشحات على الدوائر الفردية فجاءت أقل كثيرا من الدورات السابقة. فانتخابات 2012، ترشح فيها أكبر نسبة من النساء (980 سيدة منهم 351 على المقاعد الفردية و633 على القوائم) وتقديري إن هذا ارتبط بحالة الانفتاح والاستنفار من كافة التيارات ومنها التيارات الديمقرطية أو العلمانية الراغبة في التصدي لصعود التيار الإسلامي بتنويعاته أو منع أنصار النظام السابق من الحكم مرة أخرى. إجمالي عدد النساء المرشحات في الانتخابات الحالية على المقاعد الفردية بلغ 308 سيدة فقط من إجمالي 5420 مرشح مقبولة أوراقه منهم 4058 مستقلين و1897 حزبيين، ومن ثم يبدو أن حتى الأحزاب التي اهتمت بترشيح أعضاءها للمقاعد الفردية لم ترشح سيدات.
محافظة بني سويف مثلا تضم سبع دوائر فردية ترشح لها 161 مرشح منهم أربعة سيدات. وحتى الأحزاب الموجودة بالمحافظة كالوفد والمصريين الأحرار والمصري الديمقراطي الاجتماعي لم ترشح أي سيدة على الدوائر الفردية. والاسكندرية بها 391 مرشح فردي منهم 31 سيدة. ومن بين الأحزاب المصنفة ديمقراطية(يمكن لأغراض المقال الحالي أن نعتبر أن عدم الانتماء للتيار الديني وتوكيد البرنامج على المساواة بين المواطنين وحقوق الإنسان ورفض دسترة المحاكمات العسكرية للمدنيين وقانون التظاهر يجعل الحزب حزبا ديمقراطيا دون الدخول في تفاصيل أكثر)، نجد الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي له 70 مرشح على الدوائر الفردية المختلفة منهم ثلاثة سيدات فقط (رغم أن هذا الحزب مهتم بجندرة هياكله الداخلية كما اتضح في انتخاباته الأخيرة)، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي له 11 مرشح منهم سيدة واحدة فقط.
أما القوائم المطروحة كـ”في حب مصر” و”الجبهة الوطنية…” وغيرها فلا يمكن اعتبار أي منها ديمقراطية ، فهي تتوزع بين التيار السلفي وقوائم تطرح نفسها ظهيرا للرئيس الحالي وبعضها يجاهر بعدائه للدستور لاحتواءه على الكثير من الصلاحيات للبرلمان بما يقيد دور الرئيس وتتضمن رجال جيش وشرطة سابقين ومنتسبين للنظام السابق. وفي المقابل، القائمة الوحيدة التي كان يمكن وصفها بالديمقراطية أو الاستقلالية النسبية عن السلطة الحالية هي قائمة “صحوة مصر” التي أعلنت انسحابها احتجاجا على تعنت اللجنة العليا للانتخابات في الإجراءات، وانسحابها أثر بالتأكيد على نسبة ونوعية النساء المرشحات للانتخابات. تلك القائمة لم تكن قائمة حزبية بل قادها وأسسها عدد من الشخصيات العامة لا سيما من أعضاء لجنة الخمسين التي وضعت الدستور الحالي وضمت إليها بعض الأحزاب الديمقراطية، ورفعت شعار “قوتنا في نقاءنا” والمقصود هنا النقاء عن التيار الديني وأنصار النظام السابق وطرحت نفسها باعتبارها القائمة الوحيدة التي تنتسب لأهداف ثورة 25 يناير و30 يونيو معا.
أين النساء الديمقراطيات؟
تضمنت “صحوة مصر” 56 سيدة بالضبط، عدد منهن من النساء المنخرطات في الدفاع عن حقوق النساء والسياسيات أو الكاتبات المعروفات في قضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمواطنة مثل كريمة كمال ونيفين عبيد وهبة دربالة وإيفون مسعد وعائشة أبو صمادة وشاهندة مقلد ومنال الطيبي وفاطمة العوامري وفاطمة خفاجي ووفاء صبري إلخ سواء كمستقلات أو كممثلات لأحزابهن. وبعد انسحاب القائمة انخفضت بشدة نسبة هذه النوعية من المرشحات فنجد أن الحزب المصري الديمقراطي مثلا مرشحاته الثلاث لا يتضمنّ أي من قياداته النسائية أو وجوهه النسوية المعروفة، وحتى نائبته الوحيدة السابقة في برلمان 2011 سناء السعيد من محافظة أسيوط لم تترشح على المقعد الفردي وترشح هلال عبد الحميد (زوجها وقيادي بنفس الحزب).
يجدر تناول قصة انسحاب قائمة صحوة مصر من الانتخابات، وأيضا تقاعس ما يعرف بالتيار الديمقراطي (الأحزاب الستة التي أيدت حمدين صباحي ضد السيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة) عن تشكيل قائمة خاصة به أو حتى تحالف انتخابي على المقاعد الفردي في مقال مستقل. لكن معنى هذا غياب أي راية ديمقراطية في هذه الانتخابات. ومن خبرة انتخابات 2011/2012، فإن القوائم تقوم بتسييس العملية الانتخابية بما يؤثر حتى على المرشحين على المقاعد الفردية بشكل أو بآخر. أما في وضع كوضعنا الحالي، يكون المرشحون والمرشحات الديمقراطيين المتنافسين على المقاعد الفردية في الأغلب منبتين الصلة في أعين الناخب بالمعسكرات السياسية المختلفة. فمثلا، المرشحة الشابة وفاء العشري التي خاضت الانتخابات في 2011/2012 على قوائم الثورة مستمرة وحاليا مرشحة فردي مستقل في الدائرة الأولى بمحافظة أسوان تتناولها الصحافة والرأي العام أحيانا بأنها ممثلة النوبة أو النساء أو النساء النوبيات لكنها لا تصنف أنها مرشحة “التيار” الديمقراطي أو الثوري أو غيره رغم تاريخها في الجمعية الوطنية للتغيير وتحالف “الثورة مستمرة” وغيرها من التحركات الديمقراطية والنسوية.
ربما ينجح عدد قليل من المرشحين الديمقراطيين في الإفلات إلى البرلمان القادم من المقاعد الفردية لكن هذا شبه مستحيل بالنسبة لنظيراتهم من المرشحات الديمقراطيات. وعلى أي حال ستبقى هناك دوما نساء ديمقراطيات تنحتن في الصخر وحدهن سواء في حالات الانفتاح أو الانغلاق السياسي لكن فرصهن في الفوز وفرص حدوث حالة جندرة عامة للمجال السياسي (من حيث نسبة تمثيل النساء أو من حيث فرض قضاياهن على النقاش العام) ستبقى محدودة طالما بقى المجال السياسي محاصرا حتى لو أضيفت بعض الآليات التي تزيد من نسبة مشاركة النساء كما الكوتا، وفي المقابل يبقى المجال السياسي ذكوريا طالما افتقر لهذه الآليات حتى لو كانت العملية الانتخابية أكثر ديمقراطية وحيوية كما في انتخابات 2011/2012.