يمر علينا شهر مارس هذا العام في مصر في وضع خاص جدا سياسيا واجتماعيا وخاصة بالنسبة للنساء وللمهمومين والمهمومات بقضاياهن. مارس شهر نسوي بامتياز في العالم وفي مصر بسبب اليوم العالمي للمرأة العاملة في الثامن من مارس وبسبب السادس عشر من مارس يوم المرأة المصرية ذكرى خروج أول مظاهرة نسائية ضخمة في 1919 وتأسيس الاتحاد النسائي المصري عام 1923. لذا مارس فرصة طيبة للتأمل في حال النساء المصريات والحركة النسوية المصرية في ظل الوضع السياسي المعقد القائم.

يمر علينا شهر مارس هذا العام في مصر في وضع خاص جدا سياسيا واجتماعيا وخاصة بالنسبة للنساء وللمهمومين والمهمومات بقضاياهن. مارس شهر نسوي بامتياز في العالم وفي مصر بسبب اليوم العالمي للمرأة العاملة في الثامن من مارس وبسبب السادس عشر من مارس يوم المرأة المصرية ذكرى خروج أول مظاهرة نسائية ضخمة في 1919 وتأسيس الاتحاد النسائي المصري عام 1923. لذا مارس فرصة طيبة للتأمل في حال النساء المصريات والحركة النسوية المصرية في ظل الوضع السياسي المعقد القائم.

مع قيام ثورة 25 يناير، اتخذت مسألة تحرر النساء أبعادا جديدة أبرزها ميلاد ما يمكن تعريفه بجيل جديد من الحركة النسوية ومستوى جديد من فرض قضايا النساء على النقاش العام تبدى بالأساس في مسألة العنف الجنسي  ومواجهته وفي محطات سياسية كبرى مثل الصراع حول حقوق النساء في دستوري 2012 و2014.

وتأمُل الفعاليات التي تقام كل عام في مارس احتفاء بيوم المرأة لا يعطي فكرة عن حال النساء  فقط وإنما أيضا عن حال الحركة النسوية المدافعة عن حقوق النساء والحركة الديمقراطية الأوسع التي تنتمي لها. لم تعرف الحركة الديمقراطية ولا الدولة في مصر تقليد الاحتفال الجماهيري بيوم المرأة العالمي أو يوم المرأة المصرية بشكل كبير. لكن مع اندلاع الثورة وتفتح الآمال بانتقال النضال الديمقراطي لآفاق أرحب بدأ التفكير في الاحتفال في الشارع بيوم المرأة. في مارس 2011 قررت عدد من الناشطات وعضوات المنظمات النسوية عمل مسيرة من نقابة الصحفيين حتى التحرير وكان العدد فيها محدودا ولم تتحمس لها الجماعات السياسية المحسوبة على الثورة مثل ائتلاف شباب الثورة الذي ضم الجماعات الشبابية السياسية الأكثر بروزا في الثورة مثل 6 أبريل وشباب من أجل العدالة والحرية وشباب الإخوان ولم تكن الأحزاب الديمقراطية الجديدة قد نشأت بعد. تعرضت تلك المسيرة الصغيرة عند وصولها للتحرير لهجوم من عدة أشخاص طالبوهم بالخروج من الميدان، وشهدت بعض المشاركات أن المهاجمين كان معهم امرأة منتقبة أشاروا إليها هاتفين “الست المصرية أهي” واتهموا المشاركات أنهن “بنات سوزان“. وفي مارس 2012 كان الوضع قد تغير بعض الشيء حيث نشأ مجال عام ديمقراطي جديد به عدد من الأحزاب الجديدة مثل التحالف الشعبي الاشتراكي والمصري الديمقراطي الاجتماعي والمبادرات النسوية الشابة سرعان ما تعلمت الجماعات النسوية الأقدم التعاون مع كليهما فتم تنظيم مسيرة من نقابة الصحفيين حتى مجلس الشعب بعنوان “نساء مع الثورة” انتهت بمقابلة بين وفد نسائي من المنظمين وبعض النواب لتقديم مطالب نسوية في الدستور المنتظر أن تكتبه اللجنة التأسيسية التي عينها برلمان أغلبيته من الإخوان والسلفيين. أما في مارس 2013 فكانت المسيرة الأكبر والأفضل تنظيما وتنسيقا بعنوان “نساء مع الثورة” في ظل تصاعد الحماس للدفاع عن حقوق المرأة في مواجهة حكم الإخوان المسلمين.

وبعد عزل مرسي وبدء نظام جديد يحارب الإرهاب ويصادر المجال العام في الوقت نفسه وسن قانون التظاهر الذي حبس بموجبه الكثير من المعارضين السلميين، لم تنظم مسيرة بهذا الشكل في الشارع في 2014 سوى مسيرة صغيرة تذكيرا بالمعتقلات السياسيات في السجون قامت بها عدد من السياسيات منهن واحدة على الأقل محبوسة الآن هي سناء سيف ولم يتم بشأن هذه المسيرة أي تنسيق مع الجماعات النسوية ولم ترفع فيها مطالب نسوية متعلقة بالحقوق السياسية أو الاقتصادية أو الشخصية للنساء بل كانت شعاراتها متعلقة بالدفاع عن سجناء وسجينات الرأي ومطالب ديمقراطية عامة كإلغاء قانون التظاهر وتضمنت الدعوة لها هجوم ضاري على المجلس القومي للمرأة باعتباره بوقا للسلطة. ويأتي مارس 2015 والشارع مصادر تماما لصالح المعركة بين الدولة والجماعات المسلحة وقانون التظاهر “الاستبدادي أصلا” يطبق بغلظة حتى أنه صار تصريحا بالقتل وليس مجرد الحبس والغرامة ومزاج جماهيري منقسم تماما بين كتلة صلبة مؤيدة للإخوان وكتلة أخرى أكثر سيولة مؤيدة للنظام القائم كارهة للإرهاب والعنف وقابلة أو مضطرة لقبول الإجراءات الاستثنائية المتخذة. لم تٌنظَم أي فعاليات في الشارع اللهم إلا – ولسخرية القدر – وقفات بأعداد صغيرة لأنصار الإخوان في بضعة محافظات وجامعات دفاعا عن سامية شنن المحكوم عليها بالإعدام في أحداث تعذيب وقتل أفراد قسم شرطة كرداسة تناقلت أخبارها مصادر إسلامية، أما احتفالات ومناقشات القوى الديمقراطية فعادت لتجري في غرف مغلقة كمقرات الأحزاب أو الجمعيات أو المكتبات والفعالية الوحيدة حسب علمي التي تمت في مكان عام  مفتوح تمت في ساحات جامعة القاهرة نظمتها وحدة مكافحة التحرش والعنف ضد المرأة بالجامعة برعاية رسمية من رئيس الجامعة تحت شعار “جامعة آمنة للجميع”، وهي المرة الأولى التي تحدث في جامعة القاهرة حسب علمي. ونشأت هذه الوحدة على خلفية واقعة تحرش جنسي جماعي بإحدى الطالبات استنفرت اهتمام الأحزاب والمنظمات النسوية التي أصدرت انتقادات حادة لإدارة الجامعة خاصة مع تفوه رئيسها بعبارات منتقدة لملابس الفتاة اعتذر عنها لاحقا. وكان عدد من الأساتذة والطلاب قد ضغطوا على إدارة الجامعة لاتخاذ خطوات للتعامل الجاد مع هذا الملف وبالتعاون مع عدد من المنظمات النسوية تم وضع سياسة للتصدي للعنف الجنسي في الجامعة وتكوين الوحدة  المذكورة.

إن وضع النساء مركب في ظل النظام الحالي، فهناك تطورات إيجابية منها تعديل قانون العقوبات بتوسيع مفهوم العنف الجنسي وتشديد العقوبات عليه، واستحداث إدارة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية، والتعامل الجاد مع عدد من جرائم العنف الجنسي في الطريق العام أبرزها الأحكام على مرتكبي جرائم اغتصاب جماعي في يونيو 2014 ويناير 2013، وزيادة إجازة الوضع مدفوعة الأجر للأمهات من ثلاثة إلى أربعة شهور في قانون الخدمة المدنية الجديد. من التغيرات أيضا زيادة عدد النساء المتوقع دخولهن البرلمان وفقا لقانون الانتخابات الجديد، وتضمين الدستور مفوضية مكافحة التمييز ومواد تمنع التمييز ضد المرأة في تولي المناصب العامة ومنها القضاء، وتعديل قانون الطفل بشكل يسمح للأطفال مجهولي النسب أن يُعاملوا في الأوراق الرسمية معاملة الأيتام وأن ينتقلوا لأسر بديلة حال توافرها من سن ثلاثة أشهر بدلا من سنتين.

الملاحظ أن كل هذه الإيجابيات هي من أهداف الحركة النسوية والديمقراطية لسنين طويلة بل أن بعضها مثل تعديل قانون العقوبات وإعادة هيكلة الداخلية من منظور النوع الاجتماعي جاءت الاستجابة له منقوصة بشدة، لكن الإشكالي أن النظام الذي اتخذ هذه الخطوات هو نفس النظام الذي يضيق الخناق على هذه الحركة نفسها. فهناك استبداد سياسي وأمني غير مسبوق من التدخل الأمني حتى في أبسط الفعاليات والأنشطة، وتم حل الأسر الطلابية في عدة جامعات، وإلغاء انتخابات الاتحادات الطلابية هذا العام، وتتكرر الشكاوى من اعتداءات جنسية من قبل رجال شرطة على محتجزات سياسيات أو جنائيات لا يعرف الرأي العام إلام تنتهي، وتم وضع قانون انتخابي عجيب لن يسمح لأي امرأة أو قبطي أو غيرهم من الفئات المهمشة التي كفل الدستور لها كوتا مخصصة بدخول البرلمان إلا المنتميات لتيار واحد (بسبب تبني نظام القائمة المطلقة وليس النسبية). كذلك تتم كتابة قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين من قبل الكنائس ووزارة العدالة الانتقالية دون حوار مجتمعي، ويجري تضييق الخناق على منظمات المجتمع المدني ومنها المنظمات النسوية، ويقاوم القضاء نفسه تطبيق الدستور بشأن مشاركة النساء. لهذا يبقى السؤال “من سيدافع ويطرح حقوق النساء على أجندة النقاش العام في مصر ضاغطا على الدولة والمجتمع بشأنها؟”، فالمعركة حول حقوق النساء تحتاج صراعا حيا داخل المجتمع ومع أجهزة الدولة التي تنتشر فيها الأفكار الذكورية صراعا يجب أن يتم في الشارع وفي كافة المحافل لا أن يتم  خنقه داخل الغرف المغلقة. فعلى سبيل المثال، قانون الطفل لعام 2008 وتعديلاته اللاحقة وتعديلات قانون الأحوال الشخصية عام 2000 والتي تتباهى بها الدولة باعتبارها نقلة نوعية في تعزيز حقوق النساء والأطفال ما كان يمكن أن تصدر وما كان يمكن الحفاظ عليها في وجه الهجمة الاخوانية السلفية الشرسة عقب ثورة 25 يناير لولا كفاح القوى الديمقراطية والنسوية الجاري خنقها الآن.