عندما تتولى امرأة في بلادنا قيادة مؤسسة ما يكون هذا حدث مدعاة للفرح والفخر لا سيما لو كانت مؤسسة ديمقراطية كحزب معارض أو نقابة أو اتحاد طلابي مستقل يسعى لتأسيس موقعه بكفاحية وليس كمنحة ما من سلطة ما.

عندما تتولى امرأة في بلادنا قيادة مؤسسة ما يكون هذا حدث مدعاة للفرح والفخر لا سيما لو كانت مؤسسة ديمقراطية كحزب معارض أو نقابة أو اتحاد طلابي مستقل يسعى لتأسيس موقعه بكفاحية وليس كمنحة ما من سلطة ما. ولهذا سعد وتفاخر الكثيرون من المنتمين للقوى الديمقراطية – عن حق – بفوز هالة شكر الله برئاسة حزب الدستور في منافسة مع سياسية بارزة أخرى هي جميلة اسماعيل تولت القيادة الفعلية للحزب (أمينة التنظيم) في مرحلة شديدة الخطورة من عمره، أو بفوز منى مينا بمنصب الأمين العام لنقابة أطباء مصر بعد نضال طويل تمكنت من خلاله في تنظيم حركة الأطباء من أجل انتزاع عدد من حقوقهم المهدرة وخاصة شباب الأطباء العاملين لدى الدولة. والأحزاب والنقابات المهنية مؤسسات معظم أعضاءها من الرجال ومعظم النافذين فيها من الرجال أيضا.

سبب الفرح مفهوم وهو أن تلك الحالات دليل على أن مجتمعاتنا تخطو خطوات للأمام بخصوص تقبلها للنساء ودورهن في المجال العام وخاصة الدور القيادي الذي طالما كان محل نقد من مداخل اجتماعية ودينية مختلفة، ودليل – وهو الأهم في تقديري – على أن القوى الديمقراطية الحية يمكن أن تناضل مع نفسها لتطبيق المبادئ التي تروج لها في المجتمع وتنتقد أعداءها أو منافسيها من القوى الرجعية (الدولتية أو الدينية) على أساسها.

خلال الأعوام الماضية، تابعتُ شخصيات مثل هالة شكر الله أو منى مينا أو جميلة اسماعيل أو فاطمة رمضان (التي تم انتخابها كنائب رئيس الاتحاد المصري للنقابات العمالية المستقلة في أول انتخابات لمكتبه التنفيذي) أو بهية محمد مرسي (ابنة العشرين عاما التي انتخبت منسقة عامة لأكبر أسرة طلابية بجامعة الاسكندرية في العام الدراسي الماضي). نجاح تلك النساء بالانتخاب في هذه المواقع يعطي أمل ودفعة معنوية قوية للشابات في الأحزاب أو المناضلات النقابيات تشجعهن على الانخراط في العمل العام أكثر فأكثر لأن هناك أمل في أن يرتقين وتقدر كفاءاتهن.

لكن لا يبدو لي أن تولي هؤلاء النساء لقيادة هذه المؤسسات الذكورية (ككل المؤسسات الاجتماعية في مجتمعاتنا بالضرورة) في حد ذاته بالضرورة كفيل بتمكين النساء بشكل أكبر داخلها أو في جندرة هذه المؤسسات وجعلها أكثر حساسية وتبنيا لقضايا النوع في عملها. وخاصة في بلادنا المتعثرة في التنمية الاقتصادية والسياسية حيث السياسة عالم سخيف وقاسي والقوى الديمقراطية فيها محاصرة بين دولة سلطوية ومجتمع متردي الحال تعتصره الأزمات، سياسة لم تحسم فيها الكثير من القضايا الأساسية ويبدو فيها كل شيء على المحك (مثل الحق في الحياة نفسه للنساء والرجال أو وحدة إقليم الدولة) فتبدو قضايا النساء فيها تافهة أو فئوية أو من قبيل الرفاهيات. ففي خضم معركة مع الفاشية الدينية، قد يرى البعض أن الشكوى من اغتصاب عشرات الفتيات في ميدان يحتوي ملايين البشر أمرا تافها أو إحدى الخسائر الجانبية البسيطة للثورة، وفي خضم معركة حول دور المؤسسة الدينية والعسكرية في المنظومة القانونية لدولة كمصر تبدو الخناقة على المواد المنظمة لحقوق النساء ومناهضة التمييز ضدهن خناقة لا تعني الكثيرين.

متابعة مسار تلك النساء القائدات يبين أن هناك تباينا في تبنيهن لقضايا النساء من خلال مواقعهن. يحضرني مثلا صوت النائبة المحترمة سناء السعيد (عضوة مجلس الشعب 2011 عن محافظة أسيوط والتي فازت على قائمة الكتلة المصرية سنة 2011 بعد أن خاضت الانتخابات التشريعية عامي 2005 و2010 وفازت بالفعل بعضوية المجلس المحلي 2008) حين قالت بصوت عال في إحدى جولاتها الانتخابية “مركز ساحل سليم لازم يبقى له رجالة في مجلس الشعب”. ربما تكون هذه ملاحظة شكلية والنائبة القوية لم تقصد التنكر لكونها امرأة، لكنها أعطتني انطباعا أن النساء قد يضطررن أحيانا لإثبات أنهن لسن نساء لترسيخ مكانهن في السياسة. جميلة اسماعيل السياسية البارزة منذ عهد مبارك وبعد الثورة، والتي خاضت معارك ضارية في الانتخابات التشريعية عن دائرة قصر النيل (تضم منطقة وسط البلد وبولاق أبو العلا والزمالك والسيدة زينب) عامي 2010 و2011، حتى أن البعض يعتبرها نائبة الدائرة بالفعل، لم تتفاعل مع ظاهرة الاعتداءات الجنسية التي وقعت في نطاق دائرتها الانتخابية في محيط ميدان التحرير أعوام الثورة، وهي الشخصية القوية التي تواجدت عشرات المرات في الميدان تناقش الناس وتواجه البطش وتتدخل في الخلافات وتفض الشجارات. كذلك، أثناء قيادة هالة شكر لحزب الدستور لم ألحظ تبنيه لقضايا خاصة بالنوع، فمثلا لم يأخذ الحزب مبادرات واضحة بخصوص قضايا الاعتداءات الجنسية فيما عدا تصريح  صدر عن د هالة شكر الله بخصوص واقعة التحرش الجماعي في جامعة القاهرة وتصريحات إدارة الجامعة بشأنها على حسابها على تويتر، وتوقيع الحزب على بيانات مشتركة بمبادرات من أحزاب أو منظمات نسوية أخرى. على الجانب الآخر، من طرح مشروعا لتعديل قانون العقوبات ليتبنى تعريفات أحدث لجرائم العنف الجنسي ضد النساء في برلمان 2011 هو النائب عمرو حمزاوي، والحزب الذي ينتمي له عمرو حمزاوي (حزب مصر الحرية) بالإضافة لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، هما الحزبان الوحيدان تقريبا من أحزاب جبهة الإنقاذ (التي تشكلت لمناهضة حكم الإخوان المسلمين) الذين تفاعلا مع قضية العنف الجنسي في الميادين، حيث  نجد أن حزب التحالف في ذلك الوقت أصدر بيانات ودعا أعضاءه للتطوع في مجموعات مكافحة التحرش ونظم ورشة تدريبية لأعضاءه رغم أن مكتبه السياسي لم يتضمن سوى امرأتين من بين 25 عضو. هناك نساء ونسويات أيضا في هذين الحزبين لكنهن لا يشكلن نسبة كبيرة من قيادته العليا وموجودات في قيادته الوسطى ورغم ذلك نجحن في تبني الحزب لقضية نسوية هامة تغافل عنها الكثيرون.  منى مينا أيضا في قيادة نقابة الأطباء لم يبرز في عهدها قوانين أو مبادرات تخص النساء سواء كطبيبات أو مريضات. بهية محمد مرسي منسقة أسرة صوت الميدان سالفة الذكر تم في ظل توليها للمسئولية ورشة للتدريب على مكافحة التحرش لمدة يومين، ورغم أن الفكرة لم تكن فكرتها وحدها بالطبع وإنما نتيجة لفرض موضوع التحرش نفسه على النقاش العام داخل الجامعة، فإن تلك كانت أول مرة يحدث فيها نشاط كهذا في جامعة الاسكندرية.  

هذا بالنسبة لتبني تلك المؤسسات التي تقودها نساء لقضايا متعلقة بالنوع، أما بالنسبة لوضع النساء داخل تلك المؤسسات أيضا فالأمر أيضا يتباين. أحيانا يعطي وجود امرأة على قمة مؤسسة ما انطباع خادع بأن باقي النساء في المستويات المختلفة لهذا الكيان ممكنات مثل الزعيمة. في حزب الدستور على سبيل المثال، نسبة النساء في المكب التنفيذي 3 من 11. وفي حزب آخر هو العيش والحرية “تحت التأسيس” اثنتان من وكلاء المؤسسين الأربعة سيدتان و5 من 13 شخص في لجنته التنفيذية نساء لكن نسبة النساء بين أعضاءه لا تتعدى 23% ونسبة النساء من بين مندوبي الوحدات الجغرافية في هيئته القيادية (تسمى اللجنة التحضيرية) لا تتجاوز الربع. بعض النساء القياديات يقعن في هذا الفخ لكن بعضهن (كفاطمة رمضان) يدافع عن تمكين النساء داخل التنظيم حتى لو كانت هي نفسها ليست بحاجة لأي نوع من التمييز الإيجابي، ففاطمة دافعت عن وجود كوتا للنساء والشباب في المجلس التنفيذي للاتحاد المصري للنقابات المستقلة عند وضع لائحته رغم أنها بشعبيتها وسط أعضاء الاتحاد وتاريخها الطويل في العمل العام كنقابية وسياسية اشتراكية قوية ليست بحاجة للكوتا لكنها كانت تعلم أن النساء اللاتي خضن النضال النقابي مع الرجال قد يحتجن لضمانة أو حافز تشجيعي للتغلب على التحيزات الثقافية الذكورية عند اختيار العمال والعاملات لمن يمثلهم.

بإيجاز، وجود امرأة في قيادة مؤسسة ديمقراطية كحزب أو نقابة ليس ضمانة في حد ذاته لجندرة هذه المؤسسة أو تبنيها لقضايا النساء الهامة أو لتعزيز وضع باقي النساء في تلك المؤسسة، لكنه بالقطع حافز إيجابي ومشجع للكثير من النساء على المشاركة والتقدم للمواقع القيادية بل ودليل على أن هذه الكيانات تخطو خطوة للأمام من حيث تبني المبادئ والقيم الديمقراطية والتغلب على التحيزات الذكورية، وهو أمر يبدو غير ممكن حدوثه في تقديري إلا في سياق الحركة الديمقراطية. فتلك الأسئلة والإشكاليات المتعلقة بالمرأة وتمكينها وصراعها من أجل ترسيخ أقدامها في المجال العام يصعب أن تحدث في سياق سلطوي قائم على تعيين نساء بعينهن في مؤسسات الدولة للعب أدوار محددة سلفا وليس نساء يعبرن عن حساسيات ومناهج سياسية واجتماعية متنوعة تتطور وتتصارع في سياق حر.