تبدو الطوابير المتراصة أمام معرض القاهرة الدولي للكتاب مُبشرة أمام الرائي، ودالة على اهتمام الشعب المصري بتثقيف نفسه وتقدير الكتاب، ووقوفه بالساعات في طوابير طويلة في انتظار لحظة دخوله المعرض.
تبدو الطوابير المتراصة أمام معرض القاهرة الدولي للكتاب مُبشرة أمام الرائي، ودالة على اهتمام الشعب المصري بتثقيف نفسه وتقدير الكتاب، ووقوفه بالساعات في طوابير طويلة في انتظار لحظة دخوله المعرض.
والتهم زوار المعرض، الذي افتتح 28 يناير ويستمر حتى 12 فبراير، عددا من المؤلفات التى نفذت من المعرض خلال اليوم الرابع منه، مثل رواية “ثلاثية غرناطة” للكاتبة المصرية رضوي عاشور. وتذمر الجمهور وتسائل بمنفذ بيع كتب سورالأزبكية عن أسباب منع رواية ” 2 ضباط” وكتب سعد الدين الشاذلي وكل مؤلفات القرضاوي وغيرها، وأعلن غضبه من فرض الوصاية والمنع على الكتب.
ولكن هناك شريحة أخرى من الجمهور لا تظهر من هذا المنظور، يأتون فرادى أحيانا، وعائلات أحيانا أخرى، ليسائل كل منهم بابتسامة خجلى، عن الهدايا التي تقدمها دور ومراكز العرض المختلفة للترويج لبضاعتها، أو عن وجبة أو دعوة إلى احتفال مزمع. فمعرض الكتاب ليس مناسبة فقط لبيع الكتب وشرائها، وإنما أيضا مناسبة إجتماعية تجمع شرائح مختلفة، ومكان للتنزه أو التسكع.
فستق وماء زمزم
بالمركز الإعلامي لجناح المملكة العربية السعودية، ضيف شرف معرض الكتاب هذا العام، يأتي بعض الزائرين بحثا عن إمكانية الحصول على التمر المحشو بالفستق، أو الحصول على زجاجة من ماء زمزم، أو شنط الهدايا التى يوزعها الجناح على رواده. البعض الآخر يبحث عن أحد المسئولين السعوديين للمساعدة في علاج أحد المواطنين، أو السفر للعمل بالسعودية، وإمكانية بيع براءة اختراع للمملكة العربية السعودية وعن ..وعن .. وعن ..أمور كثيرة لا توضحها الطوابير الحاشدة أمام المعرض كل يوم.
من تحدثنا معهم لم يفصحوا عن أسمائهم، لكن أحوالهم كانت دالة على دوافعهم. فهذا الفلاح البسيط القادم بجلبابه البالي وسط زحام المعرض، جاء للحصول على نسخ مجانية من القرآن، وشنط الكتب المجانية التى تحوي 9 كتب من مجلدات التفاسير الدينية، وماء زمزم، ليتمكن من بيعها لأي مشتري يدفع فيها ثمنا. هذا الفلاح المسكين أثار ريبة أفراد الأمن فاوقفوه واستجوبوه مطولا عن مكان سكنه وعمله.
ولم تكن إجابة أحد الآباء صادمة كثيرا بصراحتها، فقال ردا على ما سيفعله بالتابلت الذي وزعه عشوائيا مدير أحد الندوات “سأهديه لإبني فأنا أحضر يوميا الندوات للحصول على التابلت ولم يخيب الله ظني”.
ولن تتوقف النماذج عند حد من يتقدمون بكروت شخصية بإدعاء صفة صحفي، للحصول على دعوة شخصية لحضور حفل عشاء بأحد الفنادق الفخمة، ولن تتوقف عندما يصطنع أحد الجمهور هوية جديدة ويقدم نفسه على أنه صحفي بوكالة أنباء الشرق الأوسط للحصول على وجبة عشاء.
ثقافة الهدايا المجانية
صابر رمضان الصحفي بجريدة الوفد وأحد أعضاء الركز الإعلامي للجناح السعودي قال إن الإقبال الكثيف على الجوائز ليس لأن هناك فئة فقيرة تتلهف عليها، فهم يتلهفون عليها فقط لأنها مجانية و”المصري اعتاد اقتناء أى شئ مجاني من باب “مش هتكلف حاجة”.
واعتبر رمضان الجوائز مهمة في الوصول إلى نسب معينة من الإقبال، ولا يمكن توصيفها بالمتاجرة بإحتياجات الفقراء “لأننى مثلما ذكرت يهتم بالهدايا – لأنها مجانية – كل الشرائح وليس الفقراء فقط”.
مسؤولية السياسات التثقيفية
لا يمكن أن يمثل هذا الرصد لهذه الشريحة من المصريين إدانة لهم شخصيا، ولا يمكن وصفهم بمدعي الثقافة والمتربحون من فتات المعرض، ولا من يظهرون فقرهم وضعف حيلتهم بمباشرة لا يدرونها، بل يلقي بالأحرى الضوء على أحوال شريحة ليست بالقليلة فى المجتمع المصري، وأوضاع السياسات الثقافية التي نسيت الأطراف والهامش، وأوضاع السياسات التنموية التي فشلت في انتشالهم من عنق زجاجة قاتمة تسمي الفقر.
يظل معرض الكتاب بصورته الحالية حدثا ثقافيا لدى شريحة معينة من الشعب المصري، وحدثا للفرجة لدى شريحة أخرى، وحدثا ربحياً وصائيا لدى الدولة، وحدثا للبروباجاندا الإعلامية لدى كثير من الصحف. ولن يتوحد هدف المعرض باعتباره جزء من مشروع توعوي تثقيفي إلا عندما تُري شريحة البسطاء المتربحين من المعرض جيداً ويتم استهدافهم بالاهتمام والتوعية وعندما يتوقف بعض الناشرين العرب المشاركين بالمعرض عن التورط فى تحويل معرض الكتاب لسوق عام لتوزيع التابلت بالقرعة!