“لا أريد أن أزور الحسين ولا الأهرامات، أريد فقط الخروج من مصر في أقرب وقت ممكن”.. كانت هذه مقولة رددها المخرج السوري يامن المغربي دون تنميق، وهو يجلس على إحدى المقاهي في وسط المدينة بالقاهرة، قبل أن يغادر مصر تمامًا متجهًا إلى تركيا، ملخصًا كل ما عاناه في مصر فترة إقامته فيها، ومتخليًا عن مشاريع وخطط كان قد رسمها لمستقبله في وقت سابق بأن يبني مشاريعه بالسينما في بلد كان يراها أم الفنون.

“لا أريد أن أزور الحسين ولا الأهرامات، أريد فقط الخروج من مصر في أقرب وقت ممكن”.. كانت هذه مقولة رددها المخرج السوري يامن المغربي دون تنميق، وهو يجلس على إحدى المقاهي في وسط المدينة بالقاهرة، قبل أن يغادر مصر تمامًا متجهًا إلى تركيا، ملخصًا كل ما عاناه في مصر فترة إقامته فيها، ومتخليًا عن مشاريع وخطط كان قد رسمها لمستقبله في وقت سابق بأن يبني مشاريعه بالسينما في بلد كان يراها أم الفنون.

المغربي رأى أن لا مجال لطاقته الإبداعية في ظل وجود طاقة تبث رسائلها بشكل أوسع عبر عدة قنوات فضائية بشكل “مسئ ومحرض” ضد السوريين في مصر، خاصة بعد 30 يونيو، وتأثير ذلك المباشر على وضعه شخصيًا على المستويين الإنساني والوظيفي.

ويرى المغربي أن الإعلام المصري مارس دورًا رئيسًا في الصورة النمطية التي انتشرت عن السوريين في الآونة الأخيرة صورة وصفها “بالاتهام بالإرهاب وبالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين” .

خيمة سوريا

الإشارات الأولى للتضامن المصري مع الثورة السورية كان هناك في خيمة الثورة السورية بميدان التحرير. كانت الخيمة رمزًا ونقطة ضوء بناها ثوار مصريون وسوريون سواء بسواء في ميدان واحد، ليعلنوا تضامنهم مع الثورة السورية ومؤازرتهم للسوريين المتواجدين في مصر، وإلى هذه الخيمة كان يأتي الإعلاميون الشبان للتواصل مع السوريين، للحديث معهم، وفتح منافذ للكتابة الصحفية عما يخص القضية السورية، وعلى بعد أمتار منها بالقرب من مبنى جامعة الدول العربية كانت الكاميرات ترصد إضراب الناشطات السوريات عن الطعام احتجاجًا على المجازر التي يرتكبها نظام الأسد منذ اندلاع الثورة. حدث كل ذلك في عام 2011.

لم يكن التضامن الإعلامي يخفى عن الجميع ، وبدأ الإعلامي يسري فودة مبادرته الواضحة في برنامجه على قناة أون تى في “ثوار سوريا الذين لا يموتون” أكتوبر 2012، استضاف فيها المفكر سلامة كيلة وإبراهيم الجبين وسميح شقير وعلي فرزات، وربما كانت قناة ” أون تى في ” القناة الفضائية المصرية الأكثر اهتمامًا بالقضية السورية، و حال السوريين في مصر ، فقد أنتجت القناة في مايو 2013 فيلمًا تسجيليًا بعنوان “كيفك” للإعلامية ليليان حتاحت يعرض أوضاع السوريين فى مصر، وسبل التضامن مع قضيتهم الإنسانية.

ولم تنس الصحف المصرية الاحتفاء بالفنان السوري علي فرزات الذي زار القاهرة أكثر من مرة والشاعرة  لينا الطيبي التى لاقت ترحيبًا إعلاميًا، ولم يكن بعيدًا عن الواقع أن يصف المرء حال الإعلام المصري في تلك الآونة بحال الخيمة التي حاولت أن تُظلل السوريين فى مصر.

فى ذلك الوقت كان يامن المغربي ما زال يدرس محاضراته داخل المعهد العالي للسينما في مصر، كان قد أتى للدراسة قبل الثورة وكان اتصاله بالمخرجين المصريين وثيقًا، يتردد على المخرج محمد خان ويتابع مع زملاءه المصريين المشاريع الفنية الجديدة والخطط التي يمكن أن تجدي فى مجال السينما السورية لتنهض بها من جديد.

من خيمة إلى خيبة  

بعد 30 يونيو ربما اقترب كثيرًا ما كتبه ناجي العلي ورسمه عن ” الخيمة ” حينما تتحول إلى ” خيبة ” ، حينما تحول الإعلام المصري إلى منبر يهدد ويندد في رسائل غير محكمة وتفتقد للحيادية وقواعد السلوك المهني تجاه السوريين المقيمين في مصر .

كان شهر يوليو 2013 أكثر الشهور التي شهدت موجات إعلامية مضادة تجاه السوريين ولا يمكن فصل ذلك عن السياق والتحول السياسي الذي شهدته مصر فى تلك الفترة بعد فض اعتصام رابعة، ففي هذا الشهر هدد توفيق عكاشة السوريين بالحرق، وهدد يوسف الحسينى بضرب السوريين وإهانتهم، كما اتهم محمد الغيطى السوريات بنكاح الجهاد فى رابعة وأنهن يعرضن أنفسهن ” للنكاح” فى ميدان رابعة مقابل بعض الأموال.

كانت قناة أون تي فى قد فقدت جانب كبير من حيادها بعد موقف الإعلامي يوسف الحسينى، إلا أن الإعلامي يسري فودة لم يدع فرصة ليقف كما وقف بجانب السوريين قبل 30 يونيو وأعلن خلال برنامجه على نفس القناة فى 27 نوفمبر 2013 أن ما يتعرض له السوريين فى مصر ” لا يرقى حتى لمعاملة أسري الحرب” واصفًا من يهاجم السوريين ويستغل أوضاعهم الإنسانية بأنه قد “فقد إنسانيته باسم السياسة والمصلحة”.

برنامج مساء الخير 14 إبريل 2014 حاول فيه الاعلامي محمد خير نفي وجود أي تحريض أو اشاعات من قبل الاعلام المصري تجاه السوريين في القاهرة وناشد مناقشة ملف اللاجئين مع رئيس الوزراء.

يقول يامن المغربي أن الاعلام المصري تسبب في حوادث موثقة عن ضرب سوريين بالاسكندرية و اعتقالات طالت السوريين، اعتقال السوريين جاء بتهم ملفقة منها إلقاء القبض على سوري أمام ماسبيرو مع العلم أنه لا يوجد أي أحراز، و أخرى إلقاء القبض على مصور صحفي يعمل في إحدى الجرائد المصرية بالقطعة أثناء تغطيته لاشتباكات وزارة الداخلية، الاعلام المصري كان و مازال يهين السوريين، كل ما ذكر جعلني أشعر بعدم الأمان و كأن الشعب المصري كان ينتظر كلمة من إعلامه لتتغير نظرته إلينا!، لا أمان للسوريين في مصر و بطبيعة الحال لا استقرار لهم، لكن الرمد أحسن من العمى”.

تلميع الأسد

الكاتب والإعلامي السوري عبد السلام الشبلي المقيم بمصر قال لمراسلون، أن الاعلام المصري الخاص منهم على وجه الدقة، ذو المرجعيات غير الثورية، والذي يدعي الوقوف مع ثورتي الشعب المصري ساهم إلى حد بعيد في تشويه صورة السوري و تنميطه في إطار الارهاب، فضلًا عن قيام بعض شخوصه بمهمة تلميع صورة الأسد لدى الشعب المصري وتصوريه على أنه محارب للارهاب.

وأضاف الشبلي، لقد كانت رسائل هذه الوسائل مطبوعة منها أو مرئية ذات أثر سلبي مع توظيف برامجها وموادها الصحفية أو من ينظر لهم كقادة رأي في صناعة صورة ذهنية سيئة تجاه السوريين،  والأمثلة كثيرة على ذلك لم تنتهي بريهام سعيد التي تناولت السوريين اللاجئين بشيء من الشماتة وغيرها كثير ممن أساء لهم.

وأشار الشبلي، أنه رغم وجود مدافعين عن السوري اللاجئ في مصر إلا أن هذا التناول المسيء خلق تساؤلا شعبيًا مصريًا حول هوية السوري الموجود في مصر، في ظل شك دائم بأن السوري هو إرهابي بالضرورة فكريًا او فعليًا، ما جعل الصعوبة كبرى في مسألة إقناع المصري بأن ما حصل ويحصل في سوريا هو ثورة رد عليها نظام الحكم بقمع وحشي أوصل الامور لماهي عليه الآن. فضلًا عن ما حمله الأمر من تبعات رسمية وشعبية تجاه السورريين عمومًا.

وأوضح الشبلي “من ناحيتي، فان مواقف كثيرة تعرضت لها أكدت فكرة تاثير الاعلام على السوريين، خصوصًا تلك الاستفسارات الغريبة عن أوضاع السوريين بمصر، فضلا عن العناء الشديد بما يتعلق بأمر المعاملات الرسمية للأسباب لا يمكن معرفتها، لكن للاعلام دور فيها”.

التلويح بأزمة السوريين

رهف موسي ناشطة سورية كانت تقيم في مصر فترة لم تتعد السنة ، قررت بعدها السفر إلى هولندا، حيث كانت مصر مجرد محطة للسفر إلى هولندا، كان قرارها تجاه مصر محسومًا، لا تصلح لاستقرارها هي وزوجها الناشط السياسي أيضًا.

رهف قالت لمراسلون إن الأداء الإعلامي في مصر ازداد سوءًا في الفترة الأخيرة خاصة بعد خروجها من مصر بعد 30 يونيو، لكن رهف ترى أن الأداء الإعلامي المصري تجاه السوريين لم يختلف عن الأداء الإعلامي تجاه المصريين أنفسهم.

لم يتعجب يامن المغربي كثيرًا من استخدام أزمة اللاجئين “عبرة ” للشعب المصري كى لا يثور فيؤول مصيره مثلما آل مصير السوريين ، مثلما حاول بعض الإعلاميين المصريين فعل ذلك.

ففي  سبتمبر 2015 حذر الإعلامي أحمد موسي الموظفين المصريين الذين تظاهروا احتجاجًا على قانون الخدمة المدنية مما قد يصيب البلاد ويصيبهم مثلما أصاب سوريا، مستخدمًا مثال الطفل السوري إيلان الذي غرق فى البحر فى محاولة الوصول هو وأسرته إلى اليونان عن طريق أوروبا .

وفي نفس الشهر استخدمت الإعلامية ريهام سعيد معاناة اللاجئين السوريين فى لبنان للتلويح بما قد يصيب مصر في حال حدوث أى اضطرابات ، وفي نفس الشهر أيضًا احتفت مجلة 7 أيام المصرية ببشار الأسد واضعة صورته على غلاف العدد مع عنوان “بشار الأسد الرجل الأقوى في العالم الذي انتصر في النهاية على كل أعداءه”.

وبالرغم من رحيل الكثير من السوريين عن مصر بسبب المناخ السلبي الذي يثيره الإعلام، فلا يزال الآلاف يعيشون فيها، بعضهم استطاع أن يشق طريقه ويعيش حياة مستقرة، وبعضهم الآخر لا يزال يصارع من أجل ذلك. لكن الإعلام المصري نادرا ما يهتم بكسر الصورة النمطية للسوريين.