ظن عريبي أحمد أنه بمجرد إجراء عملية زراعة للكلية التي تبرعت له بها والدته قد طوى صفحة مرهقة من حياته، إلا أنه تعرض لانتكاسة صحية أدت إلى رجوعه صاغراً لتلك “الآلة اللعينة” كما يصفها، بسبب انقطاع العلاج الذي يفترض أن يستمر عليه مدى الحياة، وعجزه عن شرائه لارتفاع سعره.

قال أحمد أنه  في منتصف شهر ديسمبر خضع خلال أسبوع واحد للغسيل مرتين بمعدل مرة كل ثلاثة أيام، وحين التقاه “مراسلون” كان قد أجرى الغسيل الثاني بعد أن توقف عن تناول الجرعة اليومية للعلاج لمدة أسبوع واحد.

ظن عريبي أحمد أنه بمجرد إجراء عملية زراعة للكلية التي تبرعت له بها والدته قد طوى صفحة مرهقة من حياته، إلا أنه تعرض لانتكاسة صحية أدت إلى رجوعه صاغراً لتلك “الآلة اللعينة” كما يصفها، بسبب انقطاع العلاج الذي يفترض أن يستمر عليه مدى الحياة، وعجزه عن شرائه لارتفاع سعره.

قال أحمد أنه  في منتصف شهر ديسمبر خضع خلال أسبوع واحد للغسيل مرتين بمعدل مرة كل ثلاثة أيام، وحين التقاه “مراسلون” كان قد أجرى الغسيل الثاني بعد أن توقف عن تناول الجرعة اليومية للعلاج لمدة أسبوع واحد.

عودة للغسيل

لم يستطع أحمد توفير ثمن العلاج، وهو يشعر “بإحباط شديد” بعد أن قرر الأطباء إجراء عملية غسيل كلوي لتنقية دمه من السموم المتراكمة، ما يعد “اعترافاً ضمنياً بفشل كليتي الجديدة في القيام بدورها”.

لم يخف عريبي – 42 عاماً – خلال حديثه لـ”مراسلون” نيته في رفع قضية ضد من شجعه على إجراء عملية زراعة الكلية التي تبرعت بها له والدته منذ خمس سنوات، غير أنه لازال يجهل الطريقة التي من خلالها سيسترجع حقه بعد أن تعرض لانتكاسة صحية لاذنب له فيها.

وتسرد الصيدلانية سالمة الطرابلسي المسؤولة عن الصيدلية المركزية في المستشفى المركزي بشارع الزاوية – قسم الباطنة – قصتها مع توفير الأدوية، حيث أكدت أنها بعد جولة بحث في صيدليات متفرقة في طرابلس لم تحصل إلا “على كميات بسيطة جداً من بعض الأدوية، أحاول بها سد العجز الحاصل في القسم غير أن هذه الكميات لا تكفي حتى لأسبوع واحد”.

ضاربة ناقوس الخطر بتأكيدها أن الصيدلية تكاد تخلو من الأدوية بشكل تام، “وماهو متوفر إما أنه منتهي الصلاحية منذ شهر نوفمبر أو أن صلاحيته لن تتجاوز شهر ديسمبر الجاري” تقول الطرابلسي.

ونتيجة للثقة المتبادلة بين سالمة والمترددين على الصيدلية تنجح بين الحين والآخر في امتصاص غضب ذوي المرضى الذين يصلون القسم ولا يجدون العلاج، والذين يلوحون باستخدام القوة في حين عدم تمكنهم من الحصول على طلباتهم، “وهو ما يحدث في الغالب داخل المستشفى بشكل عام” حسب قولها.

وصلت حتى مصراتة

بعد انقطاع الدواء عن المستشفى وجد أحمد عريبي نفسه مضطراً لشرائه بنفسه، غير أن منطقته – جبل نفوسة – لا يتوفر فيها علاجه، فاضطر للبحث عنه في طرابلس حيث اشتراه مرتين وفي الثالثة اضطر للذهاب إلى مصراتة للحصول عليه، حتى سلم في النهاية بعدم تمكنه من دفع التكاليف المرتفعة.

“فالكمية التي أحتاجها خلال أسبوع أو عشرة أيام تكلف حوالي مائة وخمسين دينار تقريباً لنوع واحد فقط، ناهيك عن عناء السفر وظروف الطريق الأمنية للوصول للعاصمة طرابلس، وعن ظروفي الصحية التي لا تسمح بهذا العناء” يقول أحمد.

أحمد الذي تلقى قبل إجراء العملية من إدارة قسم زراعة الأعضاء وعوداً بتوفير علاجه مدى الحياة، لم يكن وحده من تم خذلانه فقد أكد لنا العاملون بالقسم وكذلك بعض المرضى الذين أتيحت لنا فرصة الحديث إليهم بأن النقص الحاصل في الأدوية أدى إلى وفاة بعض المرضى المتابعين في قسم زراعة الأعضاء.

حدثت وفيات

وهو ما لم ينفه مدير قسم زراعة الأعضاء عبد الحفيظ الشيباني في حديثه مع “مراسلون”، حيث أقر بأن الحصيلة المبدئية للزارعين الذين تعرضوا لانتكاسات صحية والتي وصلت مكتبه مؤخراً “بلغت اثنتي عشرة حالة بينهم من توفي والسبب عدم توفر العلاج، ومنهم من قام بالزراعة خارج البلاد” حسب قوله.

يواصل الشيباني “القسم قام بالزراعة لأكثر من 381 مريض، وحالة المرضى طيلة الفترة السابقة كانت ممتازة والمتابعة معهم تجري بشكل طبيعي، كما أن تعاون المرضى مع الأطباء والقائمين على رعايتهم ارتبطت بالثقة الكبيرة التي أحرزها القسم بينه وبين المترددين عليه، وكتحد لكل الظروف القاهرة التي يمر بها القسم أجرينا منتصف شهر نوفمبر عملية زراعة لمريض جديد، تكفل المجلس البلدي لطرابلس بتوفير تكاليف علاجه لمدة ثلاثة أشهر قادمة” يقول المدير.

تكاليف العلاج للمرضى – بحسب الشيباني – تصل إلى 1500 دينار ليبي خلال الشهر الواحد، وهو ما اعتاد القسم توفيره في السابق قبل أن يمر بأزمة النقص الحادة في الأدوية التي يعاني منها مؤخراً.

يعترف الشيباني بأن “ما نستطيع توفيره لا يكفي لسد حاجة المرضى المترددين، فيما كنا نوفر العلاج حتى للمرضى الذين يقومون بإجراء عمليات زراعة خارج البلاد، فالزراعة في كل الحالات بحاجة لأنواع معينة من الأدوية المهبطة للمناعة، والتي تتوفر في الصيدليات التجارية بأسعار مرتفعة لا طاقة للمريض على شرائها بشكل متواصل”.

حتى ولو تسول

أما الدكتور البهلول الدويبي – متعاون مع القسم – والذي شاركنا الحوار مع مدير قسم زراعة الأعضاء فيرى أن المريض طرف رئيسي في الخلل الحاصل، بل وعليه “يقع الذنب الأكبر لأن مسألة توفير العلاج مسؤوليته شخصيا قبل القسم، وحين تكون مسألة حياة أو موت عليه أن يختار حياته دون ذكر تفاصيل، وتوفير العلاج لن يكون صعباً” بحسب الدويبي .

الدويبي – متجاهلاً حدوث وفيات بالفعل – أكد أنه سيتكفل بدفع تكلفة العلاج “لو تطلب الأمر” لمن يعجز عن ذلك، ويستمر في لوم المريض الذي “عليه أن يعي جيداً نتائج توقفه عن العلاج وأن لا يستسلم للظروف، فتوقف العلاج سيؤدي إلى ارتفاع نسبة السموم بالجسم، والتوقف عن الغسيل سيؤدي بدوره للوفاة، والظروف المادية لن تمنع أحداً من توفير العلاج ولو أضطر المريض للوقوف أمام مسجد لجمع الصدقات وأهل الخير لن يتخاذلوا في ذلك”حسب اعتقاده.

رئيس قسم الإمداد الطبي محمد الخبولي اكتفى بالقول “لا جديد حتى الآن فيما يخص موضوع  توفير الأدوية”، وكان الخبولي قد حذر مراراً في السابق وخلال حديث لـ”مراسلون” من “الدخول في أزمة دوائية إن لم يتم التدخل بشكل سريع لتدارك الوضع المزري الحاصل في المستشفيات الليبية”.

خلل إداري

بعد كل تلك المعلومات توجه “مراسلون” إلى إدارة الصيدلة بوزارة الصحة حيث التقى مديرها الدكتور هدية العكاري، الذي أرجع سبب النقص الحاصل في الأدوية بالدرجة الأولى لعدم توفر ميزانية لدى الحكومة – حكومة “الإنقاذ الوطني” بطرابلس –، وتجاهل مصرف ليبيا المركزي طلبات الوزارة المتكررة لتوفير المبالغ اللازمة لشراء الأدوية.

كما لفت لوجود خلل إداري متمثل في عدم التنسيق بين الجهتين الوحيدتين المسؤولتين عن توفير الأدوية وهما جهاز الإمداد الطبي وإدارة الصيدلة بوزارة الصحة، فكل منهما “تعمل منفصلة عن الأخرى في حين أنهما ملزمتان بالتعاون معاً لمعرفة الأنواع والكميات المطلوبة من الأدوية بشكل عام”.

يوضح العكاري أن الوضع الطبيعي هو أن تقوم وزارة الصحة بتوفير كميات من الأدوية الرئيسية والمرتفعة الثمن لفترة لا تقل عن ستة أشهر كمخزون احتياطي، غير أنه استدرك قائلاً “الشركات المنتجة للأدوية لم تعد تثق كما في السابق بالدولة الليبية، فنحن الآن لدينا حكومتان وجسمان تشريعيان كل منهما يدعي الشرعية، وهو ما يجعل الشركات تتمسك باستلام حقوقها المادية مقدماً وبشكل كامل لتضمن حقها، هذا مالم يكن سائداً من قبل، حيث كان التعاقد يتم بدفع جزء من المبلغ إلى حين تحويل باقي قيمة التفويض الممنوح من مصرف ليبيا المركزي”.

سرقة المخازن

وكحل سريع للمشكلة اقترح العكاري أن تكون هناك منظومة خاصة مكلفة بتحديد الاحتياجات وتقترح طرقاً لتوفيرها، تبدأ من مكتب الوزير وتنتهي بالمستوصفات، تحدّد من خلالها كميات وأنواع واحتياجات كل مستشفى وقسم ومستوصف من الأدوية، وتوضح الأنواع والأعداد التي تم استهلالكها بالفعل، وهو “ما لم يتم التفكير فيه داخل الوزارة حتى الآن للأسف”.

لا ينسى العكاري أن يشير إلى أحد أهم أسباب نقص الأدوية “الذي تصعب تحديد نسبته” وهو سرقة مخزن الأدوية في تاجوراء – في شهر سبتمبر تزامناً مع عملية فجر ليبيا –، وحرق مخزن أدوية بنغازي – في نوفمبر إبان أحداث عملية الكرامة –، ويؤكد العكاري أن “هاتين الحاثتين كانتا مدبرتين” فالمخزنان يغذي كل منهما المدينة والضواحي المحيطة به.