تقول الروايات التي تناولت الشخصيات التاريخية لمدينة بنى سويف أن علي اسلام باشا (توفي عام 1938) أول من أدخل زراعة القطن إلى محافظة بنى سويف بعدما عاد من السودان وقام بزرع القطن في حديقة سرايته بقرية الكوم الأحمر، وهو من أدخل صناعة المنسوجات والفوط والبشاكير إلى المحافظة. ذلك كله إلى جانب كونه صاحب الصالون الأدبي الإسبوعي في منتصف العشرينات من القرن الماضي، حيث استضاف في سراياه الموجودة بأكثر من عزبة طلعت حرب وعددا من المثقفين والأدباء.
تقول الروايات التي تناولت الشخصيات التاريخية لمدينة بنى سويف أن علي اسلام باشا (توفي عام 1938) أول من أدخل زراعة القطن إلى محافظة بنى سويف بعدما عاد من السودان وقام بزرع القطن في حديقة سرايته بقرية الكوم الأحمر، وهو من أدخل صناعة المنسوجات والفوط والبشاكير إلى المحافظة. ذلك كله إلى جانب كونه صاحب الصالون الأدبي الإسبوعي في منتصف العشرينات من القرن الماضي، حيث استضاف في سراياه الموجودة بأكثر من عزبة طلعت حرب وعددا من المثقفين والأدباء.
مع مرور الزمن تحول القطن من جنينة السرايا إلى أراضي الفلاحين الممتدة على مساحات زراعية بلغت أكثر 265 الف فدان لتصبح بنى سويف في صدارة المحافظات التي تنتج القطن سنويا، فيما بقيت فكرة الكتب والصالونات الأدبية والفكر منسية في ماض سحيق، ومساحة الثقافة والكتب الثقافية المتداولة بالمحافظة تقاس بـــ” الشبر”. فلم تنهض بنفس المعدل الذي نهض وانتشر به القطن المصري. فهل التربة التي من المفترض أن تستقبل الثقافة والوعي والتنوير أقل خصوبة من التربة الزراعية التي تفتح فيها لوز القطن؟
حماس بعد الثورة
يبلغ عدد سكان بني سويف نحو 2،3 مليون نسمه، ولا يوجد في حاضرتها سوى 7 مكتبات لبيع الكتب يعمل معظمها لتلبية حاجة الطلبة من المراجع العلمية. لذلك يلعب بائعو الكتب على الأرصفة دورا هاما في تسويق الكتب، لاسيما المستعملة.
ثلاثة نماذج بالكاد حصلنا عليها من بائعي الكتب والذين يمكن من خلالهم رصد حالة القراءة في المحافظة من خلال نوعية الكتب التي يتم الاقبال عليها.
يقول عماد محمد ربيع صاحب “مكتبة عماد وعمر” إن الإقبال على شراء الكتب كان شبه معدوم قبل الثورة،ومن ثم تحول الوضع من اللامبالاة إلى الحماس الشديد للقراءة وبدأ الطلب على الكتب السياسية والتاريخية التي تتناول الثورات والشخصيات الثورية، وعلى الكتب التي تهتم بتعريف العلمانية والليبرالية والمفاهيم التي بدأ يتداولها الثوار بعد 25 يناير.
وكان من بين أكثر الكتب مبيعاً كتب علاء الأسوانى ومحمد حسنين هيكل ومصطفي بكري. ويتابع ربيع قائلا “لكن الوضع لم يستمر طويلا فبعد 30 يونيو عاد الوضع تقريبا لما كان عليه قبل 25 يناير. وبالتالي عدت مجددا للتركيز على الكتب الجامعية وطباعة ونشر الأبحاث وتلك الأمور التي تضمن للمكتبة الاستمرار مع طرح عدد من الكتب في مختلف التيارات لمن يود القراءة ممن تبقى من القراء المتحمسين”.
أما الحاج سعد أنور- أحد بائعي الكتب- فلم يلحظ تغييرا كبيرا في سوق بيع الكتب قبل الثورة وبعدها. ويقول إن مهنته قد أمنت له رزقه وساعدته بشكل جيد على تربية ولدين، وتحديدا بيع كتب العلاج من السحر وكتيبات الطبخ والعلاج والتجميل بالأعشاب والكتيبات الدينية، ويتذكر أن عناوين مثل “انتى ملكة” و”لا تحزن” و”قصة يأجوج ومأجوج” كانت وما زالت تدر عليه الربح، فرغم بيعها بأسعار زهيدة إلا إنها تباع بشكل كبير.
كتب روبابيكيا
الحاج عبد الحكيم يفرش فرشته أمام مبنى جامعة بني سويف. الفرشة تعرض مجلات مصرية يعود أقدمها للأربعينات، وترجمات نادرة وطبعات أولى من أعمال العقاد وتوفيق الحكيم وكافكا وداروين ومجلدات بالألمانية ولغات متعددة.
يقوم الحاج عبد الحكيم بشراء الكتب القديمة من مخازن الورق التي تشتري الكتب روبابيكيا (مستعملة) من المنازل وتأخذها لمعامل إعادة تدوير الورق. ويسافر الحاج إلى القاهرة ويجلس في تلك المخازن ما يقارب السبع ساعات متواصلة ليفرز الكتب والمجلات ويقوم بشراءها بالكيلو قبل أن يقوم المخزن بإرسالها لإعدامها وإعادة تدويرها.
هذه الكتب منها ما هو نادر، إذ حصل في مرات عدة على مخطوطات تكاد تكون أثرية مكتوبة بخط اليد وهي ما يراهن عليه في تحقيق المكاسب.
يقول الحاج عبد الحكيم إنه لاحظ تزايدا في كتب الإسلام السياسي الملقاة بكثرة ملحوظة داخل مخازن الورق بعد 30 يونيو، وعلم أن كثيرا ممن يملكون مكتبات فى بيوتهم تخلصوا من تلك الكتب لصالح بائع الروبابيكيا، والذي يلقيها بدوره في المخازن لإعادة تدويرها. ويقول “لاحظت ذلك وراهنت على وعي هذا الشعب”.
يقوم الحاج عبد الحكيم ببيع الكتب المسيحية أيضا رغم أنه عادة ما يتعرض لإنتقادات من بعض الإسلاميين، إلا أنه أكد على أهمية أن يجد القبطي كتبه الدينية متاحة للشراء مثلما تُعرض الكتب الدينية الإسلامية عند باقي البائعين.
أمل بائع الكتب
ولا تخفى سعادة الحاج عبد الحكيم وهو يتحدث عن بيع الكتب باعتباره مشروعا ضروريا ويقول “أحيانا يشتري منى أحد القراء كتابا وأراه يحضنه، يحضن الكتاب ويعطيني ثلاثة أضعافه ويكاد يعانقني أنا شخصيا”.
الكاتب الشاب محمد علام، من محافظة بنى سويف، أحد زبائن الحاج عبد الحكيم، ويقول إن انتشار باعة الكتب المتجولين في الأقاليم مهم، “فعم عبد الحكيم عند ظهوره منذ عامين وفر علي مجهوداً وعناءً كبيرين في السفر مسافة قد تزيد عن ساعتين من أجل كتاب”.
ويرى علام أن قلة المكتبات في بني سويف تجعل القارئ يعتمد كثيرا على بائعي “الروبابيكيا” حيث يستطيع القارئ الحصول على كتب ثمينة بأسعار زهيدة.
الحاج عبد الحكيم يستدرك أنه بالرغم من قلة منافذ بيع الكتب فإن هناك أملا فى جذب القارئ إذا كان هناك مشروع يهتم بنوعية الكتب التي يتم طرحها ويهتم بالربح لكن ليس على حساب دفع القارئ لنوع معين من الكتب والتي هي في الأغلب تجارية. ويؤكد أن القارئ السويفي تربة خصبة لاستقبال الثقافة وإنتاجها مثلما ينبت القطن بقلب تربة خصبة.