الأعياد صارت موسما أساسيا للعنف الجنسي ضد النساء. هكذا قيل في حملة بعنوان #العيد_قرب أطلقها عدد من الأحزاب ومبادرات مكافحة التحرش والمنظمات النسوية.
الأعياد صارت موسما أساسيا للعنف الجنسي ضد النساء. هكذا قيل في حملة بعنوان #العيد_قرب أطلقها عدد من الأحزاب ومبادرات مكافحة التحرش والمنظمات النسوية. تابعتُ أخبار حوادث التحرش في القاهرة والمدن الأخرى من قرية زوجي في محافظة الدقهلية، فلأنني من أصول ريفية أنا وزوجي علينا أن نترك العاصمة التي نعيش فيها ونعود في العيد لقضاء الإجازة مع الأهل، وربما هذا لحسن حظنا.
ذكر تقرير مجموعة من مجموعات رصد ومكافحة العنف الجنسي أن حالات التحرش في العيد لم تختفِ رغم التدابير التي أعلنت الحكومة تبنيها، فرصدت هذه المجموعة حوالي 20 انتهاك منها ستة جماعية لكن استخدام الاسلحة البيضاء فيها تراجع. ورغم المشاكل، فإن هذا يعد تطور في الوضع مقارنة بعيد الفطر السابق.
من بين مختلف أشكال العنف الجنسي الذي تواجهه النساء في الطريق العام، تبدو الاعتداءت الجماعية مسألة مربكة ومحيرة لعقول الناس رغم أن أخبارها تتناقل في مصر منذ سنوات وخاصة منذ 2005 في إحدى المظاهرات المناهضة لمبارك أو 2006 أثناء عطلة عيد الفطر مرورا بالمظاهرات الضخمة في مختلف محطات الثورة المصرية من يناير 2011 والحفلات الموسيقية الكبيرة حتى رآها المواطنون كافة رؤيا العين يوم تنصيب الرئيس الجديد في يونيو 2014.
يتساءل الكثيرون كيف يقرر عدد كبير من الرجال الهجوم على سيدة ونهش قطعة أو خطف لمسة من جسدها، وما الممتع بالنسبة لهم في هذا الفعل الدموي العنيف، ولماذا لا يفكرون في الأثر الذي سيقع عليها نفسيا وجسمانيا. من فرط غرابة الموضوع وعدم تقبله، فكر الكثيرون أن الاعتداءات الجماعية التي كانت تقع في الميادين مدبرة وأن هؤلاء المغتصبين مأجورون من فلول نظام مبارك لإفساد الثورة أو من الإخوان المسلمين لإفساد الموجة الثالثة من الثورة وقت الإعلان الدستوري الذي أصدره محمد مرسي وغيرها من الأحداث. بل ذهب البعض إلى أن هذه الحوادث لا تحدث أصلا ويختلقها البعض لمصلحة ما سياسية أو مالية، لكن الواقع أنها حدثت في مناسبات غير سياسية مثل حفل محمد منير في الساحل الشمالي بصيف 2012 وفي مختلف التظاهرات السياسية الكبرى بغض النظر عمن في السلطة ومن في المعارضة.
ساقني حظي العاثر لمشاهدة فيلم “التجربة الدانمركية (إنتاج 2003)” لأول مرة أثناء العيد على إحدى القنوات الفضائية. يحكي الفيلم عن فتاة دانمركية جميلة ومثيرة تزور مصر لعمل بحث عن الحياة الجنسية للمصريين وتنزل في ضيافة وزير الشباب وأولاده. الفيلم مليء بالتصورات التحقيرية تجاه هذه الفتاة المتحررة منها أنها عندما ضربها عادل إمام على وجهها سعدت واحترمته بل وأعجبته به جنسيا.
لكن المشهد المذهل حقا هو مشهد وصولها من المطار وذهابها لمنزل المضيف. ففور نزولها من المطار تبدأ أعداد من الرجال في التجمع حولها وتسير خلفها عدة كيلومترات وصولا للمنزل، حتى أنها عندما تصل لمنزل وزير الداخلية يكون خلفها ما يشبه المظاهرة الضخمة تضم كل الرجال الذي مرت بهم في الطريق ويبدو عليهم علامات الاستثارة الجنسية. يُصدم الوزير الوقور ويوبخ أحد رجاله قائلا “حتى أنت” ليرد عليه “يعني هي جت عليا يا فندم”. ويتكرر الأمر بتنويعات في مشهد ذهابها لمكتبة الجامعة ومشهد استلقاءها للاستمتاع بالشمس في الحديقة.
عشرات الرجال الهائجون يتجمعون حولها لكنهم لا يتحركون ولا يحاولون نهشها، فهذا فيلم كوميدي في النهاية لا يجب أن نرى فيه دم وإصابات. وحتى في هذا الفيلم الكوميدي، نفهم جيدا أن الأمان الذي تسير فيه وسط هؤلاء المغتصبين المحتملين سببه أنها محمية بسلطة يمكن أن تقرر في لحظة أن تتركهم ينهشوها، سلطة الوزير عادل إمام ورجاله الذين هم مغتصبين محتملين أيضا.
في الشوارع والميادين الواقعية التي تسير فيها نساء حقيقيات لسن في ضيافة وزير وحراسة رجاله، يعتبر كل رجل مار أن “ما جتش عليه” وأن هذه السيدة منتهكة على أي حال فيمد يده أو أي عضو منه أو أداة معه ليأخذ قطعة منها. بالضبط كالرجل الذي يستسهل أن يلقي نظرة على صدر فتاة مارة ويعتبره أمرا هينا، ولا يفكر أن مائة رجل مثله مارين بجوارها يلقون النظرات على صدرها كفيلين بدفعها للجنون.
هذا هو الاعتداء الجنسي الجماعي… أمر دموي وبشع وواقعي. لكن فيلم التجربة الدانمركية يقدمه بصورة كوميدية محببة تثير الضحك تجعلنا ببساطة نتسامح مع حالة الانتهاك الجماعي هذه لأننا لا نرى منها سوى جانب “ما جتش عليا” ولا نرى ما يحدث للسيدة التي تقع فيها في الواقع وتنجو منها بتشوهات نفسية وجسمانية أو ببساطة تموت مختنقة أو مصابة تحت هذا الجمع.
شاهدت هذا الفيلم مع الأقارب وابني الذي أعتاب المراهقة والذي كان يضحك أحيانا لكنه بدا غير مرتاح في بعض المشاهد ليسألني في اليوم التالي: “ماما هم ليه ما اتضايقوش من الفيلم ده واتضايقو من فيلم حلاوة روح (فيلم من إنتاج هذا العام وأثار ضجة كبيرة بعد أن تم منع عرضه لاحتوائه على مشاهد مثيرة)”.