استمعت لشهادات يروي فيها أهالي قرية جبل الطير الأقباط بمحافظة المنيا عن التنكيل الذي مارسته قوات الأمن بهم عقابا لهم على احتجاجات بعضهم أمام قسم الشرطة يوم الاثنين 15 سبتمبر غضبا من اختفاء سيدة مسيحية بداية سبتمبر الجاري وسط انتشار روايات عن علاقتها برجل مسلم أو خطفها من قبل مسلمين.
استمعت لشهادات يروي فيها أهالي قرية جبل الطير الأقباط بمحافظة المنيا عن التنكيل الذي مارسته قوات الأمن بهم عقابا لهم على احتجاجات بعضهم أمام قسم الشرطة يوم الاثنين 15 سبتمبر غضبا من اختفاء سيدة مسيحية بداية سبتمبر الجاري وسط انتشار روايات عن علاقتها برجل مسلم أو خطفها من قبل مسلمين. الشرطة لم تكتف بتفريقهم من أمام القسم بل عادت وفقا لروايات الأهالي بعد منتصف الليل لتشن حملة عقاب جماعي للبيوت المسيحية بالقرية، فقامت بالهجوم على بيوت مسيحيي القرية والتنكيل بهم كبارا وصغارا وسحلهم في الشارع والقبض العشوائي على عدد منهم مع نعتهم بالكفرة أثناء هذه الهجمة الأمنية.استفزتني هذه الطائفية المقيتة التي تمارسها أجهزة الدولة المصرية، الطائفية التي تبدأ بالمدرس ولا تنتهي برجل الشرطة والقاضي والمشرع. لكن غصة ما بقت في حلقي. غصة أو شعور بالضيق يشوش إحساسي بالتعاطف تجاه هؤلاء الصعايدة الغلابة الذين جعلهم قدرهم العسر يولدون مسيحيين في دولة السلطة فيها طائفية تصدر خطابا يوميا للأقباط مفاده “أحمدوا ربنا إننا نحميكم من الإخوان وماجاش عندكم داعش” والمعارضة الأبرز فيها إسلامية إرهابية لا تعتبرهم مواطنين من الأساس. فبافتراض أن هذه السيدة تركت أهلها بإرادتها الحرة لارتباطها بشخص مسلم كما تفيد بعض الروايات، ماذا سيحدث لو عادت (أو أعادتها الأجهزة قسرا) لأهلها؟ فمدير أمن المنيا الذي يتهم الأهالي بمهاجمة قسم الشرطة يؤكد في الوقت نفسه أن أجهزته تعمل على حل اللغز وإعادة السيدة لأهلها. ألن يفتك بها هؤلاء المواطنين الغلابة عقابا على تمريغ أنوفهم في الوحل وإهدار شرفهم كرجال وكرامتهم كأقباط أو على الأقل سيبقونها قسرا بين أربعة جدران تموت ببطء؟
بم تشعر هذه السيدة الآن؟ هل بالغضب والخوف من أهلها وجيرانها الراغبين في إعادتها رغما عنها؟ هل بالغضب تجاه الكنيسة التي تجعل الزواج المسيحي سجن لا فكاك منه؟ أم تشعر بالتعاطف والشفقة على أهلها وأبناء دينها الذي عذبوا وذلوا بسببها (من طالب بعودتها ومن لم يطلب) وهي التي عاشت عمرها مسيحية وتعرف بالتأكيد الإذلال الذي يعيشه المواطن المسيحي يوميا؟ ربما خليط من هذا كله وربما لا شيء. فربما كانت هذه السيدة لم ترحل بإرادتها واختطفت أو تورطت في قصة ما رغما عنها؟ فالحقيقة لن نعرفها أبدا لأن لا أحد سيسألها أبدا، لا أهلها الذين ضُربوا بسببها ولا رجل الأمن الذي يعد بإعادتها.
لا أحد يسأل أبدا تلك النساء القبطيات المختفيات عما يردن. الدولة التي قررت هذه المرة معاقبة الفلاحين الأقباط لأنهم تجرأوا وصدعوها بالمطالبة بعودة ابنتهم متجمهرين أمام قسم الشرطة، قامت في حالات أخرى بإعادة سيدات رغما عن إرادتهن لمجتمعاتهن المسيحية تجنبا لصداع آخر، وقامت في حالات ثالثة بالتواطؤ والتخاذل عن حماية قبطيات خطفن وانتهكن قسرا تحت تحديد السلاح. ما يحرك الدولة هنا بالقطع ليس حق هؤلاء النساء أو رغباتهن، ولا تعاطف مع رغبة المجتمع القبطي في حماية شرفه الذكوري، ولا حتى حماية الإسلام (دين الدولة الرسمي) ونشر دعوته، بل الدافع دائما هو مصلحة أجهزة الدولة في الدفاع عن هيبتها والتخلص من الصداع غير المرغوب فيه الذي يُحدد كل مرة حسب حسابات توازن القوى ومن يمكنه إحداث صداع أكبر.
المرأة القبطية سجينة وسط هذا كله، سجينة ذكورية المجتمع القبطي (كسائر المجتمع المصري الذكورى) الذي يرى حريتها الشخصية هامشية بالنسبة لشرف المجتمع القبطي الذي يتبنى من المنظومة الإسلامية ما يميز منها ضد المرأة مثل نظام الميراث ويرفض ما يدعم حريتها مثل الطلاق. سجينة النظام السياسي الاستبدادي الذي يفاوض/يصارع الجميع وفقا لحسابات سلطوية فيراضي الكنيسة على حساب المرأة مرة ويراضي السلفيين على حساب الكنيسة مرات. سجينة الطائفية الدستورية والتشريعية التي تهددها بفقدان المكتسبات القليلة للنساء في المجتمع المصري كحق حضانة الاطفال عند الطلاق والتي تخسرها إن أسلم طليقها أبو أطفالها، وحق الخلع الذي اكتسبته النساء المصريات بعد نضال سنوات لكنها لا تتمتع به بسبب شروط كنيستها.
في الكثير من أحداث العنف الطائفي هناك امرأة قبطية ما، امرأة تهرب… امرأة تُخطَف… امرأة تحب… امرأة تغير دينها أو تجبر على تغيير دينها، فيتقاتل الرجال وتسيل الدماء ليركز الجميع على الدماء (كيف تقف أو كيف تستمر) ويتجاهلوها أو يسكتوها، بل حتى قد يتحدث باسمها ألد أعداء حريتها فنجد السلفيين يصرخون في أحداث كهذه مطالبون بحريتها لتدخل الإسلام أو حريتها لتتزوج مسلما وهم المستعدين لإحراق كل شيء لو قررت مسلمة أن تتزوج مسيحيا أو حتى ترحل في هدوء عن أسرتها لتمارس قدر يسير من الحرية.