هناك حملة منتشرة منذ حوالي شهرين بملصقات تنتشر في عدة محافظات تحمل شعار “هل صليت على رسول الله اليوم؟”. هكذا بدون توقيع حزب أو جماعة معينة. أثارت تلك الحملة جدلا واسعا، حتى أن وزارة الداخلية أعلنت أنها ستتدخل لإزالة تلك الملصقات. وفي الحقيقة، عندما يرى المرء ملصق كهذا يعود إليه صورة الشيخ محمد حسين يعقوب وهو ينادي في فيديوهاته الشهيرة “انت ايوة انت؟ انت مش بتصلي على النبي ليه؟”، نداء أو سؤال يشعرك فورا بأنك مقصر أو مذنب و تخلفت عن أمر هام ومُسكت متلبسا بهذا الإهمال العظيم، فتريد أن ترد على الفور: “أنا اسف أنا غلطان. الدنيا بتلهي الواحد. اللهم صلي على حضرة النبي”.
هناك حملة منتشرة منذ حوالي شهرين بملصقات تنتشر في عدة محافظات تحمل شعار “هل صليت على رسول الله اليوم؟”. هكذا بدون توقيع حزب أو جماعة معينة. أثارت تلك الحملة جدلا واسعا، حتى أن وزارة الداخلية أعلنت أنها ستتدخل لإزالة تلك الملصقات. وفي الحقيقة، عندما يرى المرء ملصق كهذا يعود إليه صورة الشيخ محمد حسين يعقوب وهو ينادي في فيديوهاته الشهيرة “انت ايوة انت؟ انت مش بتصلي على النبي ليه؟”، نداء أو سؤال يشعرك فورا بأنك مقصر أو مذنب و تخلفت عن أمر هام ومُسكت متلبسا بهذا الإهمال العظيم، فتريد أن ترد على الفور: “أنا اسف أنا غلطان. الدنيا بتلهي الواحد. اللهم صلي على حضرة النبي”.
كل هذا عادي. التيار الاسلامي بتلاوينه السلفية والأخوانية بارع ومتخصص في ابتزاز مشاعرنا الدينية وإشعارنا بالتقصير الدائم لأننا لسنا مسلمين جيدين. حسنا. ما الجديد؟ قد يكون الجديد في وقتنا هذا، ما بعد 30 يونيو، أن هذه العبارة المعتادة “صلي على النبي” التي يقولها البعض أحيانا كجزء من الحوار الاعتيادي أو لاستهلال الكلام أصبحت معركة سياسية كبيرة في تطور لآفة عرفتها بلادنا منذ زمن وهي تسييس الدين.
الإعلام الفلولي أو “السيساوي” يؤكد أن هذه الملصقات وراءها الاخوان والداخلية نفسها منذ شهرين بدأت شن حملة في عدة محافظات على هذه الملصقات وتقوم بنزعها من المركبات والأماكن المختلفة. بعض المراقبين في المحافظات يؤكدون أن كوادر حزب النور المحلية نشيطة جدا فيها وليس الكوادر الإخوانية، وقد يكون هذا صحيحا، فحزب النور دعايته كلها دعوية دينية جدا.لكن المهم أن الدولة وخاصة وزارة الداخلية قررت التعامل مع هذا الامر باعتباره مسألة مهددة للدولة بشكل أو بآخر فقررت مواجهة هذا الملصق.
مع هذه المواجهة بدأت الورقة أو الملصق في الانتشار، وصار الناس يتحدثون عنه أكثر فأكثر. وصار استخدامها يتخذ دلالة مقاومة ما لحرب ما على الإسلام ومقاومة ما للسلطة المستبدة. فنجد شباب ينتمون لتنظيمات سياسية مدنية يكتبون على الفيس بوك كل يوم “هل صليت على رسول الله اليوم؟” لمجرد أن يكيدون الداخلية أو أصدقائهم السيساوية. ونجد أخبار في الإعلام الرابعاوي عن قيام مواطنات جسورات بخرق الحصار المفروض على الشارع ورفع لافتات “هل صليت على رسول الله اليوم؟” والأدهى قيام قوات الأمن باعتقالهن.
رواية الداخلية والإعلام السيساوي عن أن الإخوان يستغلون هذه العبارة الدينية البريئة لأغراض سياسية لا تخلو من صحة. ففي بعض الوقفات والأخبار نجد علامة رابعة مكتوبة بجوار الشعار البريء. لكن هل يبرر هذا الحرب على هذا الشعار؟ بالنسبة للدولة، هذا مبرر كاف لتقديم هدية كبيرة جدا للتيار الإسلامي عموما يستطيع بها أن يحول نفسه لمواجه ومقاتل ضد الحرب على الإسلام وأيضا من أجل حرية التعبير والمعتقد.
المواجهة السخيفة تضع المواطن العلماني في مأزق. فمن ناحية نزع ملصق وضعه شخص على سيارته أو دكانه هو انتهاك واضح لحرية التعبير وحرية المعتقد طالما لم يتضمن هذا الملصق تحريض على العنف ضد الآخرين بشكل واضح. ومن ناحية أخرى، يدرك المواطن العلماني الحائر أن وراء الملصق لعبة سياسية سخيفة ولا يريد أن يتورط في الدفاع عمن يستغلون المشاعر الدينية لأهداف سياسية. لكن هل استغلال المشاعر جريمة قانونية؟ الدولة أيضا وحملة السيسي رئيسا استغلت مشاعر المواطنين وحبهم لوطنهم لكن هذه ليس جريمة بالمعنى القانوني. السيسي وهو مرشحا للرئاسة ثم كرئيس استخدم الوطن كثيرا ونسبه لنفسه ومشروعه (وبرنامجه المفترض) رغم أن الوطن يفترض أنه ملك للجميع بما في ذلك المرشح المنافس والمقاطعين بل ومن ليس لهم حق التصويت أيضا. فهل يمكن حبس حملة السيسي بدعوى ابتزز المشاعر الوطنية مثلما يحبس الإخوان (أو أنصار الشرعية المرساوية) لابتزاهم المشاعر الدينية باعتبار أن الدين ملك كل المؤمنين به وليس أنصار مرسي فقط؟
يبدو أن قدرنا أن نعيش في دولة شديدة الغباء تقدم باستبدادها الهدية تلو الأخرى للتيار الإسلامي ليعود يحتل موقع المظلومية الدينية المفضل لديه ويكتسب تعاطفا شعبيا خسره جزء كبيرا منه خلال العامين الماضيين. والتيار الإسلامي (سواء من دافع منهم عن شرعية مرسي أو باعه) تلقف الهدية باهتمام بالغ وتمسك بالملصق البسيط، فهو مفيد بالنسبة له أكثر بكثير من رفع شعارات ملها الشارع وكرهها منه حول فبعد حوالي عام من رفع شعارات سياسية حول الديمقراطية والصندوق والشرعية؟” يعود ليبدأ السطر من أوله من بناء الفرد المسلم والتركيز على الخطاب الدعوي وليس السياسي وكأن انتفاضة شعبية لم تقم ضد النظام الإسلامي الذي وصل للسلطة في مصر.
هذه الدولة بارعة في تقديم الهدايا للتيار الإسلامي مثلما فعلت من تعنت شديد في الصحفيين المحسوبين على الإخوان والمحبوسين بدون أي أسباب وجيهة ويلاقون معاملة بشعة لدرجة تدفع الكثيرين للتضامن معهم والتحلق حولهم في حملات لحرية الصحافة محورها صحفيين إسلاميين في الواقع دافعوا عن روايات الإخوان المسلمين وهم في السلطة، أو في التعسف في الحكم على فتيات صغيرات السن بشكل يحولهن في لمح البرق لأيقونات يرمزن لقيم الحق والعدل في مواجهة الطغيان. والدولة هنا ليست ظابط أمن دولة يعطي تعليما مباشرة لشخص ما بالانصياع وإنما حالة وخطاب عام يضم دوائر حكومية وإعلام خاص وعام وقضاة محافظين يبادرون لعقاب الخارجين على النظام من إخوان أو ثوار دون أن يطلب منهم أحد ذلك.
وكما هي رابعة رمز لمشروع مقاومة بائس لسلطة بائسة ووسيلة لابتزازنا جميعا بدماء سالت غدرا على يد نظام قمعي لصالح مشروع لا يقل قمعية ورجعية، تأتي ملصقات “هل صليت على رسول الله؟” تجسيدا صافيا لتهافت الدولة وغباءها وانحطاط التيار الاسلامي وابتزازه للمشاعر الدينية للمواطنين، وللمأزق الذي يقع فيه أي شخص مؤمن بالحرية في هذا البلد.