لم تكن الأمور مبشرة في صباح الأول من آذار/مارس، أمام استاد القاهرة الدولي في العاصمة المصرية، حيث احتشدت جماهير نادي الزمالك لمؤازرة فريقها أمام نادي كابوسكورب الأنجولي ضمن مواجهات بطولة دوري أبطال إفريقيا، وفي المكان نفسه احتشدت تشكيلات قوات وزارة الداخلية لمنعهم من دخول الملعب.
لم تكن الأمور مبشرة في صباح الأول من آذار/مارس، أمام استاد القاهرة الدولي في العاصمة المصرية، حيث احتشدت جماهير نادي الزمالك لمؤازرة فريقها أمام نادي كابوسكورب الأنجولي ضمن مواجهات بطولة دوري أبطال إفريقيا، وفي المكان نفسه احتشدت تشكيلات قوات وزارة الداخلية لمنعهم من دخول الملعب.
بدا أنه لا مفر من المواجهة بين الطرفين نتيجة لقرار وزارة الداخلية المصرية بإقامة المباراة بدون جماهير. ولم يمض وقت طويل حتى انطلقت مدرعات الداخلية توّزع طلقات الخرطوش والحي على الجماهير، من أجل تفريقهم وفقا لمدير أمن الاستاد، في مشهد أقرب للمعارك التي تصدرت المشهد السياسي المصري طيلة ثلاث سنوات.
على اثر الإشتباكات تم اعتقال 25 فرداً من جماهير نادي الزمالك، وإصابة العديد بطلقات الخرطوش، أبرزهم “أحمد أيمن” المصاب بطلقات في المخ، أدت لإصابته بشلل نصفي في ذراعه الأيسر وقدمه اليسرى، و”محمود جابر” الذي تلقى طلقة استقرت في قاع الجمجمة أسقطته نزيلا في العناية المركزة، بين الحياة والموت.
المواجهات الأخيرة هي أحدث حلقة في سلسلة أثرت سلبيا على النشاط الكروي في مصر منذ قيام الثورة. فقد بدأت أزمة توقف النشاط الرياضي في مصر بقرار من وزارة الداخلية عقب المذبحة التي شهدها ستاد النادي المصري البورسعيدي في الأول من شباط/فبراير لعام 2012، المعروفة إعلامياً بـ “مجزرة بورسعيد”، والتي قتل فيها 72 مشجع أهلاوي، ومازالت القضية مطروحة أمام القضاء المصري.
توقف النشاط الرياضي عقبها لموسم كامل، ثم عاد بدون جماهير قبل أن يتم إلغاؤه، الأمر الذي باعد بين الجماهير والمدرجات وأثر سلبياَ على جميع العاملين بالمنظومة الرياضية في تلك الفترة، وساهم في إنخفاض مستوى لاعبي المنتخب المصري الذي خرج من التصفيات المؤهلة لكأس العالم بالبرازيل لعام 2014، بعد أن تعرض لهزيمة قاسية أمام منتخب غانا بسداسية غريبة ومفاجئة في كوماسي، أصابت ملايين المصريين بالإحباط.
الموسم الحالي إنفراجة بسيطة بعودة النشاط الرياضي وحده دون جماهير، ولكن الجماهير طالبت مجددا بعودتها إلى الملاعب، فالكرة صنعت لأجل إمتاع الجماهير، ومستوى اللعبة لن يرتفع بعزلها عن جماهيرها.
إجابة الحكومة عن هذه الأزمة الرياضية كانت كالعادة إجابة أمنية، فوزارة الداخلية تعمل على إعداد مشروع لقانون شغب الملاعب يتضمن عقوبات تصل إلى الإعدام حسب ما تسرب من مشروع القانون!. في الوقت نفسه لا تتورع قوات الأمن عن استخدام القوة المفرطة تجاه المشجعين.
ففي تشرين أول/أكتوبر الماضي اعتقلت قوات الأمن 200 مشجعاً أهلاوياً بعد اشتباكات عنيفة حدثت عندما ذهبت بعض مجموعة الالتراس الأهلاوية إلى مطار القاهرة لإستقبال فريق كرة اليد بالنادي بعد عودته من البطولة الإفريقية، بقي منهم 25 معتقلا لمدة شهر رهن الاحتجاز.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي فشلت قوات الأمن في لجم الاشتباكات بين مشجعي الزمالك وأمن النادي، بسبب احتشاد الجماهير الزمالكاوية احتجاجا على مجلس إدارة النادي، لفشله في تحقيق نتائج جيدة. وسقط “عمرو حسين” المشجع الزمالكاوي وعضو ألتراس وايت نايتس شهيدا بعد أن تعرض لإصابة بطلق ناري في الرقبة خلال الاشتباكات مع أمن النادي.
المؤكد أن العلاقة بين مجموعات الأولتراس والداخلية قد ازدادت حدة وتصعيداً خاصة بعد مشاركة العديد من أبناء حركة الأولتراس في الثورة المصرية، وهو ما أرجع له الكثيرون سبب تعنت الداخلية طوال الوقت مع أبناء الحركة عقابا لهم على هذه المشاركة.
وتعتبر حركة الأولتراس المصرية الحركة الأكثر تأثيراً في ثورة بلادها عن نظرائها من حركات الأولتراس في بلاد الثورات العربية. ففي مصر شارك الأولتراس في معارك الثورة كلها، واستشهد وأصيب منهم الكثيرون. وحاولت الكيانات السياسية اليسارية واليمينية منذ تنحي مبارك، وخاصة بعد مذبحة بورسعيد، استقطاب أفراد الأولتراس كجناح عسكري لهم في مواجهات الداخلية، إلا أن المجموعات لم تستجب لهذا وأعلنت في اكثر من مرة أنها مجموعات تشجيع وجدت لأجل أنديتها، وأن إيمان أي من أفرادها بأي أيدلوجية سياسية هو أمر لا يمثل المجموعات، فالمجموعات مسؤولة عن النشاط الرياضي وتجمعهم لأجل أنديهم.
تصاعد الأحداث الأخيرة التي وقعت بين مجموعات الأولتراس وبين الداخلية المصرية ينذر بكارثة جديدة. فالمواجهات بين الشرطة ومجموعات الأولتراس هي الأكثر شراسة بين مثيلاتها في الدول الأخرى. فمشاهد المدرعات وقنابل الغاز وطلقات الخرطوش والرصاص الحي غريبة تماما عن المشهد الرياضي ومحيط الإستادات الرياضية في العالم أجمع.
كان من الممكن على سبيل المثال اتخاذ قرار بإستبدال تشكيلات الداخلية المخوّلة بتأمين المباريات بشركات أمن خاصة ككثير من الدول لتفادي الصدام، ومن ثم الحفاظ على الأرواح البريئة، ومن جهة أخرى توفير النفقات التي تتكبدها الدولة من خلال تأمين المباريات ومن أدوات تالفة، لكن الحكومة فضلت كعادتها الحل الأمني.
على من تقع المسؤولية إذن؟ بالتأكيد على النزوع القمعي للحكومات المتعاقبة. فالتشكيلات المهولة التي تؤمن المباريات الممنوعة من حضورها الجماهير، لو وقفت داخل “التراك” بالملعب لما سقط “أحمد أيمن” بشلل نصفي ولما تأرجح “أحمد علي” بين الحياة والموت، ولما تأثر اللاعبون بالغاز المسيّل للدموع.
الأزمة كبيرة والمشهد لم يعد يحتمل الطرفين معاً، الداخلية المصرية بكل رغباتها القمعية وما تمر به من نشوة القضاء على الإخوان، وجماهير الكرة بكل هذا الشغف والإصرار على مؤازرة أنديتها.
ولأن الكرة وجدت لأجل الجماهير وليس من أجل الداخلية المصرية بالطبع، فمن الأفضل أن تتدخل الحكومة المصرية لإيقاف الأزمة، قبل أن نتعرض لكارثة قد تزيد المشهد المصري سوءاً وفشلاً ودماء، لتضعنا مجدداً في مسارات لن يخرج منها بطل ولا منتصر.