أكثر من خمسين يوماً مرت على إختطاف عمرو ربيع يا عواطف، والسلطات المصرية لا تريد الكشف عن مكان طالب كلية الهندسة. كان عمرو قد أُختطف من ميدان رمسيس بالعاصمة المصرية، وطوال خمسين يوما لم يستدل على مكانه عن طريق البحث أو نداءات من بادروا بالسؤال عنه من الإعلاميين. اختفاء قسري طيلة تلك المدة الطويلة، لا أحد يعلم أين عمرو وماذا حدث معه، والسلطات لا تجيب السائلين.

أكثر من خمسين يوماً مرت على إختطاف عمرو ربيع يا عواطف، والسلطات المصرية لا تريد الكشف عن مكان طالب كلية الهندسة. كان عمرو قد أُختطف من ميدان رمسيس بالعاصمة المصرية، وطوال خمسين يوما لم يستدل على مكانه عن طريق البحث أو نداءات من بادروا بالسؤال عنه من الإعلاميين. اختفاء قسري طيلة تلك المدة الطويلة، لا أحد يعلم أين عمرو وماذا حدث معه، والسلطات لا تجيب السائلين.

لإختطاف عمرو ألم مختلف يا عواطف، فعمرو مثلنا، يؤمن بفساد مؤسسات الدولة وبأن القانون لا يمثل جناح بعوضة في تلك الدولة. عمرو يؤمن بهذا الجيل وبقدرته على التغيير، ويؤمن بالثورة وحراك الجماهير، لذلك الألم يتخطى إختلافنا أيدلوجياً، فالجميع مظاليم في السجون يا عواطف. للظلم مرارة وغصة في حلق النفوس الأبيّة الحُرة لا يستشعرها الإ من طال الحرية وشارك في توجيه رياحها، وعلى ذلك فالألم يزداد كل يوم بدون أن نطمئن عليه بنصف معلومة حتى. إن القوانين التي يستنكر الجميع عدم تطبيقها وتجاوزها، لا تهمني لأتطرق في الحديث عنها، ما يهمني هو أين عمرو ربيع؟ هل قتلوه يا عواطف؟ هل عذبوه ولم يقوى على الحراك بعد ذلك؟ ماذا حدث لعمرو؟ أسئلة كثيرة وإجابات غير معروفة، مجهولة الألم، لم يكن ينبغي أن يمر عمرو ربيع لأسوارهم يا عواطف، لم يكن.

أنهم يعلمون بفداحة وخطورة الأمر، فتلك الأسوار الصغيرة في الزنزانة الضيقة المتسخة، التي تحدد لك مقدار الهواء الفاسد المعيّن المسموح لك به، هى أسوأ ما يمكن مقابلته في حياتك يا عواطف. كيف لحُر أن يقبع خلف الزنازين، كيف له أن يتخلى عنه الجميع وتواجه مطالبه بجملة واحدة “مش من حقك” لا يرد بها أحد عليه سواء باب الزنزانة وأسوارها الصغيرة، فأنت لا تملك حق المرور من غرفة لغرفة ولا تملك حق الخصوصية ولا تملك حق الذهاب لمن تريد أن تجلس معه الآن. لا تملك أى شئ سواء الصبر، والصبر بلا حرية وفعل عجز، والصبر حلم وقيد لأصحاب النفوس الحرة يا عواطف. تلك النفوس الأبية التي لا يحكمها أحد. تلك النفوس رُسل الحرية ومجاذيبها، القابعة خلف زنازينهم، الأرواح التالفة بتلف الحلم. تلك الأرواح المُنتهية، نال منها الصبر بلا هوادة يا عواطف.

يتحدثون على سرعة مرور الأيام وحتمية النضال ومواقفهم المختلفة من المعتقلين حسب انتماءتهم. يقيّمون سوء الأيام وسوادها، وصعوبة تنفس أحدهم ليلاً في زنزانة ضيقة في ليلة صيفية حارة. وينظّرون على تجربة قاتمة ضد الإنسانية في بلدة لا تعترف بالإنسان. يتحدثون وينظرون ويسارعوا في إبداء مواقفهم بكل سهولة، وهم أحرار خارج هذا المكان البعيد، البعيد عن الشوارع الواسعة والهواء الفاسد في البراح. البعيد عن الحق في فعل الأشياء. البعيد عن الحق في إختيار التجربة. فلماذا إذن تخرج كلماتهم بتلك البساطة؟ لماذا لا يستوعبون بأن النفوس الحرة الأبية التي لا تخشى الموت، تخشى السجن. إن أصعب شئ على نفوس رأت الموت ولم تهابه، أن يصيبها العجز يا عواطف. تلك هي الحقيقة، فالسجن إهانة وتعذيب، وأصحاب النفوس الحرة مرابضين على كرامتهم كما قول الحق في وجه سلطان جائر، فعن أي رأي وأهمية له يتحدثون ويتخذون مواقفهم يا عواطف؟

إن الأرواح القابعة خلف زنازينهم، لن تعود كما كانت مهما تغيرت الأيام يا عواطف. إن الشغف الذي يحرك تلك الأرواح قد بُدد ببطئ. لقد بددت التجارب القاسية فرط شغفنا يا عواطف. شغفاً تلو الأخر، أتدري؟ نحن في الأصل، بقيت أرواحنا في محمد محمود، بقيت هناك ترعى كل ما هو معدوم خارج هذا الشارع. لقد مررنا بتجارب قاسية يا عواطف، أقسى من أن تعود الأشياء لطبيعتها، وأقسى من أن نأمل ذلك، فلم نأمل بعد ذلك سوى بأن نستطيع أن نتعايش بتجاربنا ببقايا ما بُتر منا، نلملم أشلاءنا وندفنها جانباً خلسة، ونُرقع جراحنا ونصبر على إلتئامها، ونحيا، فكيف لتلك الأيام أن تمر بنا من محمد محمود لسجونهم؟ بأى حق وأي سلطة مغتصبة الحق في قتل الحلم والروح بهذا الشكل؟

لم يكن ينبغي أن نمر لأسوارهم القابضة لأرواحنا. لم يكن ينبغي أن نخرج قبل سنوات عديدة ندعوا للحرية ونطالب بها لنا وللجميع ضد الجميع، وتلهو بنا الأيام وتعصف بنا لسجونهم. الزنازين لا ترحم حُر يا عواطف، والغربة صعبة، ولكن أن تجبري على الإغتراب فأعتقد أنه أصعب بكثير، ولقد إعتدنا الغربة داخل تلك البلدة، طويلاً، وفي محمد محمود علمنا أن علينا الأ ننتمي الإ لأنفسنا، أنفسنا وفقط، وفي السجون فأنت لا تنتمي الإ لنفسك، لغربتك أنتِ بالداخل، لحياة لا تنتمي إليها، ولم تطمعي بها، ولم تحاربي عليها، بل بشرتي بزوالها.

الدوائر تضيق يا عواطف وما من معين، وتلك المرحلة التي يتحدثون عنها كمسألة أيام، هى نهايات عديدة بطيئة لأشياء كثيرة لن تعود، فالأرواح التي إعتادت التحليق رغم كل شئ، تنكسر بالداخل عِنوة يا عواطف، وإنكسار الروح إغتيال للشغف، وإغتيال الشغف موت. فلا داعي لتهوين الأمر، فالسجون مقابر يا عواطف، والخروج من المقابر لا يؤدي بالضرورة للجنة، ولا للحرية، الحرية اللي نشرناها يا عواطف.