تفاجأ أمازيغ ليبيا، كما يقول علي أبو السعود أحد ثوار مدينة زوارة الأمازيغية في أقصى غرب ليبيا، بإعلان المفوضية العليا للانتخابات عن تحديد موعد الترشح لانتخابات لجنة الستين (الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور)، بالرغم من مقاطعة كافة الأمازيغ والطوارق لهذه الانتخابات.

تفاجأ أمازيغ ليبيا، كما يقول علي أبو السعود أحد ثوار مدينة زوارة الأمازيغية في أقصى غرب ليبيا، بإعلان المفوضية العليا للانتخابات عن تحديد موعد الترشح لانتخابات لجنة الستين (الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور)، بالرغم من مقاطعة كافة الأمازيغ والطوارق لهذه الانتخابات.

ما جعل ثوار الأمازيغ – بحسب أبو السعود – يتوجهون للمرافئ الحيوية في مناطقهم والاعتصام فيها احتجاجاً على هذا التجاهل، ويضيف في بيان رسمي تلاه باسم الثوار الأمازيغ بأنهم “معتصمون في مجمع مليتة للنفط والغاز منذ تاريخ 26 تشرين أول/أكتوبر 2013، ليؤكدوا إصرارهم على تعديل المادة 30 من الإعلان الدستوري، وأن المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا هو القناة الوحيدة المخولة من قبلهم للتفاوض مع كل الأطراف، وأنهم سيصعّدون موقفهم إن طال التسويف والمماطلة من أصحاب القرار، ويحملون المؤتمر الوطني العام أية نتائج عن هذه الأحداث”.

أصل المشكلة

يعترض أمازيغ ليبيا على المادة 30 من الإعلان الدستوري (بحسب صفحة أمازيغ ليبيا الأحرار على فيسبوك)، كونها لم تتضمن نصاً واضحاً يحمي حقوق الأمازيغ، بل اكتفى بالإشارة إلى أنه يضمن حقوقهم الثقافية، وأن اللغات الأخرى (غير العربية) هي لغات وطنية، وهو ما يعتبرونه نصاً مبهماً ومطاطاً، وبالتالي لا يرقى إلى مستوى مطالبهم.

وقد حاول الأمازيغ، بحسب ذات الصفحة، تدارك ذلك في قانون انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، بحيث طالبوا بتفعيل تمثيل المكونات الثقافية في الهيئة بأن تكون هناك فقرة في القانون تضمن للمكونات الثقافية تفعيل تمثيلهم، مما يتطلب أخذ موافقتهم على البنود التي تخص ثقافتهم، وهي (اسم الدولة وهويتها والعلم والنشيد واللغة)، بحيث يكون التصويت على هذه البنود (فقط) بالتوافق لا بالأغلبية.

مقعدان فقط

يقول أبو السعود إنه “سرعان ما خابت آمال الأمازيغ ورمي بها عرض الحائط أثناء تقديم مسودة الهيئة التأسيسية للدستور، وهم يجدون أنفسهم يعاملون كأقلية ولايمثل كل أمازيغ ليبيا في لجنة الستين إلا بمقعدين فقط من أصل ستين مقعداً”، وهو ما اعتبروه “ظلماً جائراً لم يأملوه من إخوانهم في الوطن” على حد وصفه.

خاصة وأن الأمازيغ يشكلون حوالي 25 في المائة من سكان ليبيا بحسب مصادر مختلفة، وإن كانوا يعترضون على هذا الرقم باعتباره أقل من الواقع بكثير، لأن المسح الذي حدد على أساسه شمل أمازيغ المنطقة الغربية فقط وتجاهل وسط وجنوب ليبيا، حيث تقع مدن أمازيغية بالكامل، بحسب المصادر الأمازيغية.

يوضح شعبان التائب الكاتب والإعلامي الأمازيغي أن الأمازيغ لم يتمسكوا بعدد المقاعد المستحقة لهم مقابل إقرار مبدأ التوافق في التصويت، “إلا أن المؤتمر الوطني أصر وبدون مبرر على رفض صيغة التوافق فيما يتعلق بالمواد التي تمس المكونات الثقافية، واختار نظام الأغلبية دون مراعاة الخصوصية لهذه المكونات، بينما تنص كل المواثيق والعهود الدولية على عدم خضوع خصوصية الأقليات للتصويت بنظام الأغلبية”.

تمثيل شكلي

وهو ما يراه يوسف الحصائري، عضو تنسيقية المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، سبباً لتأزم الموقف وتصعيد الاحتجاج، “وإزاء سلوك هذا النهج الذي بدا واضحاً بأن صياغة الدستور الليبي سيكون على أساس الأغلبية في التصويت وليس التوافق، لن يكون هناك صوت للأقليات، وتمثيلها في الهيئة سيكون شكلياً وليس حقيقياً”.

فما كان من المجلس بحسب الحصائري إلا إعلان مقاطعة أمازيغ ليبيا لجنة الدستور ترشيحاً و انتخاباً، بدءاً بسحب الأعضاء الأمازيغ من المؤتمر الوطني العام وتعليقهم لعضويتهم، ودعوة المؤتمر الوطني إلى تطبيق البنود المنصوص عليها في المواثيق الدولية بخصوص حقوق الأقليات.

أما مهند شنيب أحد ثوار مدينة يفرن الواقعة في جبل نفوسة غربي ليبيا، يقول إنها ليست المرة الأولى التي يعتصمون فيها سلمياً للمطالبة بإحقاق حقوقهم، فقد كان هناك الكثير من الاعتصامات السابقة منها اعتصام بميدان الشهداء بطرابلس في 13 كانون ثان/يناير 2012 واستمر 15 يوماً.

ومؤخراً اعتصموا أمام المؤتمر الوطني العام لمقابلة أصحاب القرار، وتم لهم ذلك بعد طول انتظار، إلا أنهم بحسب شنيب لم يتحصلوا “إلا على وعود دون أي أفعال على أرض الواقع”.

تجاهل فتصعيد

ويؤكد شنيب أن الأمازيغ معتصمون بمنطقة الأنبوب الرابط بين حقل الوفاء النفطي، الذي يبعد حوالي 50 كم عن مدينة نالوت الجبلية، وحقل مليتة منذ أكثر من شهر دون أي اهتمام من الدولة، وهذا ما دفعهم لوقف ضخ الأنبوب منذ 29 أيلول/سبتمبر 2013، “وسنستمر في اعتصامنا واحتجاجنا إلى أن تتحقق مطالبنا”.

وقد ازداد الموقف تأزماً عندما قام أمازيغ جنوب ليبيا بإغلاق حقل الشرارة النفطي، حيث يقول محمد الشيخ رئيس لجنة المفاوضات للمعتصمين الأمازيغ (أمازيغ تنيري- الصحراء) بمدينة أوباري، إنهم قاموا بإغلاق حقل شركة ريبسول النفطية والمعروف بحقل الشرارة.

يضيف الشيخ إن هذه الخطوة تأتي “في إطار العصيان الأمازيغي للمطالبة بحقوقهم، واستكمالاً للتصعيد الذي توعد به الثوار الأمازيغ، وسيتطور الوضع حتى إغلاق جميع الموارد الاقتصادية داخل المدن الأمازيغية”.

لا خيار لدينا

يبرر أبو السعود هذا التصرف بقوله “وجدنا أنفسنا مضطرين للمعاملة بالمثل، فيبدو أن الحقوق في ليبيا أصبحت تنتزع بالقوة وليس بالسلم، ونحن نتأسف لذلك، ولكن هذه قضية مصيرية دونها الموت”.

فيما يؤكد الحصائري أن هذا الاعتصام جاء من قبل الثوار بعد أن “فاض بهم الكيل وقاموا بكل المحاولات السلمية، وأن المجلس تحاور مع صناع القرار، وحاول أن يهدئ من حدة الموقف، وتم الاتفاق على تمديد الفترة لعدم إيقاف ضخ النفط والغاز حتى يوم الأربعاء 30 تشرين أول/أكتوبر 2013”.

ويتابع بأن هذا التمديد جاء بعد عرض المؤتمر الوطني دعوة للتحاور مع إبراهيم مخلوف رئيس مجلس الأمازيغ، وقد أعطى الثوار هذه الفرصة للجميع، إلا أنهم لم يستفيدوا منها حيث تم تأجيل الجلسة حتى يوم الأحد بسبب انسحاب بعض أعضاء المؤتمر لأسباب أخرى وعدم اكتمال نصاب الجلسة للتصويت.

مما سينتج عنه تأجيل هذا الملف حتى ما بعد انتهاء فترة الترشح لانتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في 31 تشرين أول/أكتوبر 2013، وعدم ترشح أي أمازيغي لعضويتها، وهو ما يزيد الوضع احتقاناً والأمور تأزماً.

وإلى ذلك يقول محمد الشيخ بأن وزير النفط جاء لزيارتهم في حقل الشرارة، ولكن المعتصمين رفضوا أي حوار معه وشددوا على أن مطالبهم واضحة.

نضال طويل

تأتي مطالب الأمازيغ في ليبيا بدسترة حقوقهم الثقافية تتويجاً لفترة طويلة من الحراك السياسي والمدني، اضطلعت فيها المؤسسات الأمازيغية بمهمة التعريف بالهوية الأمازيغية كمكون رئيسي للهوية الليبية، وقد كان هذا الحراك يتم في الخفاء في عهد القذافي، وعلناً بعد التحرير، بحسب قول نهى القصعي الناشطة الأمازيغية.

وتعبر القصعي عن استيائها من تجاهل وسائل الإعلام الوطنية بالرغم من “توافرها حد التراكم على بعضها” بحسب وصفها، لقضية الأمازيغ التي تعتبرها “قضية وطنية”، وهي التي لم تخصص ولو ساعة واحدة لنقاش هذه المسألة، ولم يلقَ فيها الأمازيغ حظاً وافراً من الدعم ولا من دعم الدولة، تقول القصعي.

فيما يروي أبويب أبو ديب المواطن الأمازيغي لـ “مراسلون” كيف بدأ الحراك السياسي الفعلي لكل المجالس المحلية ومؤسسات المجتمع المدني للمدن الناطقة بالأمازيغية، “والذي توٍّج بملتقى الاستحقاق الدستوري لأمازيغ ليبيا يوم السبت 12 كانون ثان/يناير2013”.

حينها خلصت المجالس المحلية المنظمة للملتقى، يقول أبو ديب، إلى أن “الدستور الذي سيكون محل اعتراف وتقدير منا هو الدستور الذي يعترف بنا وكل الليبيين على قدم المساواة، وخلاف ذلك فلن يكون محل اعتراف من قبلنا، ولا شرعية له علينا، ولن تمثلنا أي مؤسسات سيادية تبنى عليه، ولن نمتثل لأي سلطات تستند إليه”.

ويستمر اعتصام الثوار الأمازيغ بمجمع مليتة للنفط والغاز والموانئ الأخرى، وقد أرجئ إيقاف ضخ الغاز وإيقاف عمل المجمع مع استمرار منع القطع البحرية من الدخول إلى المرفأ، حتى يتم النظر في قرار المؤتمر الوطني بخصوص المطالب الدستورية، فهل سيستوعب صناع القرار في ليبيا أهمية القضية وينظروا إليها بشكل جدي، أم ستكون خطوة على طريق لا يعلم آخره إلا الله؟؟