استيقظ أبناء محافظة الإسكندرية الأسبوع الماضي على واقعة تشويه تمثال عروسة البحر الشهير بمنطقة ستانلي، إذ اكتسى التمثال الأبيض ذات صباح بكميات كبيرة من الحبر الأزرق. 

[ibimage==6722==Small_Image==none==self==null]

عروسة البحر

وبالرغم من عدم معرفة الفاعل، إلا أن أصابع الاتهام اتجهت فورا نحو الجماعات الإسلامية بسبب قيامهم قبل عامين بتغطية الحوريات الأربع في تمثال آخر بالقماش والحبال بدعوى أنه تمثال خارج عن القيم والمبادئ الإسلامية.

استيقظ أبناء محافظة الإسكندرية الأسبوع الماضي على واقعة تشويه تمثال عروسة البحر الشهير بمنطقة ستانلي، إذ اكتسى التمثال الأبيض ذات صباح بكميات كبيرة من الحبر الأزرق. 

[ibimage==6722==Small_Image==none==self==null]

عروسة البحر

وبالرغم من عدم معرفة الفاعل، إلا أن أصابع الاتهام اتجهت فورا نحو الجماعات الإسلامية بسبب قيامهم قبل عامين بتغطية الحوريات الأربع في تمثال آخر بالقماش والحبال بدعوى أنه تمثال خارج عن القيم والمبادئ الإسلامية.

حبر أزرق على الجبس الأبيض

على طريق الكورنيش تقف مجموعة من الشباب من طلبة كلية الفنون الجميلة وآداب قسم أثار بمحافظة الإسكندرية ينظرون بدهشة لما حدث لتمثال عروسة البحر الشهير بمنطقة استانلي. الشباب يتبادلون النقاش حول من قام بتلطيخ التمثال بالحبر الأزرق. خالد شاهين، أحد الأثريين السكندريين ومن أهالي منطقة الازرايطة التي تقع بالقرب من موقع التمثال، كان واقفا وسطهم، وقال لهم “هذا بالتأكيد عمل الجماعات السلفية”.

خالد شاهين بحكم عمله كأثري بقسم الترميم بهيئة الآثار يعرف جيدا تاريخ التمثال. ويقول “التمثال أبدعه الفنان المصري الراحل فتحي محمود في عام 1962، وهو يمثل أحد مشاهد أسطورة يونانية قديمة، حيث يجسّد الإله الإغريقي زيوس في هيئة الثور وامرأة هي أوروبا الجميلة، وتعلوهما أشرعة بيضاء تمثل الزمن وحقبة التاريخ، أما بالنسبة للونها الأبيض الناصع فهو إشارة إلى النور الذي تبادلته الإسكندرية مع أوروبا منذ قديم الأزل”.

منذ 51 عاما وشاهين يمر يوميا على تمثال عروسة البحر أثناء تريضه الصباحي على البحر. لذلك كانت صدمته شديدة عندما فوجئ برؤية التمثال مشوها بمادة لونها أزرق بأنحاء مختلفة منه، فقام على الفور بإخبار زملائه المختصين بالهيئة  لعمل اللازم ونجدة ذاك الأثر النادر.

هل يقف السلفيون وراء التشويه؟

شاهين مصرّ على نسبة الواقعة للتيار السلفي. وهو ليس وحده في هذا الرأي، فالكثير يرى أن السلفيين يرفضون فن النحت ويعتبرون التماثيل شركا بالله، ومنهم محمد المصري أحد الناشطين السياسيين وعضو ائتلاف الثورة بمحافظة الإسكندرية.

المصري يُذكر بواقعة سابقة في عام 2011، وتم فيها اتهام الجماعة السلفية بتغطية تمثال الإله زيوس الإغريقي والممثل في أربع حوريات والواقع بمنطقة الرأس السوداء بقطعة من القماش والحبال خلال مؤتمرهم الانتخابي، وذلك بدعوى أنه عورة وخارج عن القيم والمبادئ الإسلامية.

أما معتز أحمد، أحد الناشطين السياسيين وعضو لجنة الحفاظ علي التراث بالإسكندرية، فيرى أن ما حدث للتمثال “يعد كارثة بكل المقاييس ويعيدنا لعصر الجاهلية والأصنام من وجهه نظر السلفيين، مؤكدا أنهم من فعلوها لأنهم دوما يؤكدون على أن التماثيل من الأصنام والأصنام رمز للكفر والإلحاد”.

لكن السلفيين يرفضون هذه الاتهامات. طارق حسن، سكرتير حزب النور السلفي وأحد قيادات الجماعة بالإسكندرية، يقول “الجماعة السلفية بريئة من تشويه التمثال ولا يصح ربط أي تشويه أو تخريب لرمز فني أن يلحق بالدعوة الإسلامية السلفية، وأنا علي يقين بأن لا أحد من الدعوة السلفية أو حتى أعضاء حزب النور قام بارتكاب هذا الفعل الغاشم، لأننا لسنا في احتياج لذلك”.

ولا ينفي حسن قيام بعض السلفيين بتغطية التماثيل عام 2011، مؤكدا أن الواقعة خرجت من سلفيين غاروا علي دينهم من تلك التماثيل وقاموا بتغطيته وليس تشويه أو إزالته.

ويضيف قائلا “إننا بالفعل نرفض تواجد التماثيل بسبب أن الدين الإسلامي يرفضها، فهي تصف تفاصيل البشر والمرأة بشكل يرفضه الدين، ومع ذلك لم نرتكب هذه الفعلة والدليل القاطع علي ذلك هو أن التمثال موجود منذ زمان أمام أنظارنا كجماعة سلفية ولكن لم يتعرض له أحد بالفعل”.

وختم حسن حديثه مؤكدًا أنه على الدعوة السلفية توعية المسلمين أفضل من هدم وتشويه تماثيل لن تنطق.

“الحفاظ على الآثار مسؤولية كل مواطن”

المرور على الآثار ومتابعة حالتها هو جزء من عمل خالد شاهين. وبالفعل قام العاملون بهيئة الآثار بتنظيف تمثال البحر من الحبر الأزرق بعد التبليغ عن الواقعة، وإن لم يتمكنوا من إزالة آثار الحبر بشكل كامل. لكن مسؤولية الحفاظ على الآثار لا تقع على كاهل هيئة الآثار وحدها، كما يرى شاهين، وإنما تقع أيضا ضمن اختصاصات وزارة الثقافة. فالأولى مسؤولة عن ترميم الآثار وتجديدها كل فترة من حين إلي أخر، والثانية مسؤولة علي الحفاظ علي التراث الثقافي وتعددية الثقافات التي شهدتها محافظة الثغر في القرون والأعوام السابقة.

وبعد تفكير يقول شاهين “الحفاظ على الآثار ليس مهمة الجهات الرسمية فقط، وإنما هي مهمة كل شخص وطني وواجب مقدس عليه لأنها رمزا لبلده”.

ليست الحادثة الأولى

حامد عبد العال، مسؤول الحضارة الإغريقية بوزارة الثقافة بالإسكندرية، يشير إلى أن حماية التماثيل خاضعة جزئيا لوزارة الثقافة.

ويقول إن ذلك “يتم بشكل دوري من خلال مرور الخبراء الأثريين والحضاريين لمتابعة حالة تلك التماثيل كل فترة”. مؤكدا أنه أصيب بحالة صدمة حينما شاهد التمثال وهو ملوث بالحبر الأزرق.

ويواصل عبد العال حديثه قائلا إن هذه ليست حادثة الاعتداء الأولى على هذا التمثال حيث أنه تعرض لكسر قرنه منذ ثلاثة شهور ماضيه وتم ترميمه من قبل هيئة الآثار. مؤكدا أن ما يحدث هو محاولات لطمس الحضارة والتاريخ الذي احتضنته الإسكندرية منذ زمن.  

من ناحيته أقر اللواء ناصر العبد، مدير المباحث الجنائية بالإسكندرية، بمسؤولية الشرطة في حماية الآثار والمتاحف بالتعاون مع وزارة الثقافة والآثار. مشيرا إلى أن هناك دوريات أمنية متحركة تمر على الميادين الرئيسية الحماية تخضع علي التماثيل الهامة في الميادين الرئيسية، لكن هذه الدوريات لا تستطيع مراقبة التماثيل بشكل دائم.
وفي النهاية طالب خالد شاهين، المسؤولين في مديرية أمن الإسكندرية، بصفته كمواطن مُحب للآثار والتاريخ تعيين دورية أمنية ثابتة عند نقاط التماثيل الهامة ووضع كاميرات مراقبة لمنع تجدد الاعتداءات، متسائلا: “كيف نترك حضارتنا لعقول خاوية مازالت تعيش في عصور الجاهلية؟”.