لخصت صورة شباب بنغازي وهم يجمعون أشلاء قتلى انفجار سيارة مفخخة قرب مستشفى الجلاء في الثالث عشر من الشهر الحالي في أكياس بلاستيكية كارثية المشهد، وعكست غياب الأجهزة الأمنية عن المدينة.

فالانفجار الذي وقع في ذروة موعد زيارة مرضى المستشفى، وأسفر عن سقوط 3 قتلى و15 جريحا، اعتبره خبراء أمنيون انعطافة خطيرة على الصعيد الأمني، خصوصا أن بنغازي شهدت قبل ذلك بأيام هجمات مسلحة تعرضت لها مراكز الشرطة، واغتيال عدد من ضباط الجيش والشرطة فيها، دون القبض على الجاني أو الإعلان عن نتائج التحقيقات.

لخصت صورة شباب بنغازي وهم يجمعون أشلاء قتلى انفجار سيارة مفخخة قرب مستشفى الجلاء في الثالث عشر من الشهر الحالي في أكياس بلاستيكية كارثية المشهد، وعكست غياب الأجهزة الأمنية عن المدينة.

فالانفجار الذي وقع في ذروة موعد زيارة مرضى المستشفى، وأسفر عن سقوط 3 قتلى و15 جريحا، اعتبره خبراء أمنيون انعطافة خطيرة على الصعيد الأمني، خصوصا أن بنغازي شهدت قبل ذلك بأيام هجمات مسلحة تعرضت لها مراكز الشرطة، واغتيال عدد من ضباط الجيش والشرطة فيها، دون القبض على الجاني أو الإعلان عن نتائج التحقيقات.

وعلى عكس سابقاتها من الحوادث الأمنية حظيت حادثة تفجير مستشفى الجلاء باهتمام رسمي وشعبي كبير.

فما أن نقلت وسائل الإعلام الخبر حتى خرج متظاهرون في العاصمة طرابلس تضامناً مع مدينة بنغازي، وأصدرت أغلب المجالس المحلية بيانات تنديد واستنكار للحادثة، ووضعت القنوات الفضائية العامة والخاصة على شارات بثها أشرطة سوداء حداداً على أرواح القتلى الثلاث، وعلق المؤتمر الوطني العام (البرلمان) جلساته لتمكين أعضائه من الاشتراك في الجنازة.

وعلى الرغم من استبعاد السلطات الليبية أن يكون العمل إرهابيا، واعتبارها أنه يقع في خانة “القضاء والقدر”، أصدر البرلمان القرار رقم 47 القاضي بتشكيل غرفة أمنية مشتركة برئاسة ضابط من رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، وعضوية ضباط من وزارة الداخلية، وجهاز المخابرات العامة، وعدد من أعضاء سلاح الدروع والأمن الوقائي والجيش والشرطة.

ووفقاً للقرار ستتولى الغرفة تأمين مدينة بنغازي وضواحيها وتعمل على حفظ واستتباب الأمن بالتعاون مع الأجهزة الأمنية المعنية.

حركات متشددة

رئيس تحرير صحيفة “برنيق الأصل”، مفتاح بوزيد، قال لـ “مراسلون” إن هذه الحادثة اُعتبرت نقلة نوعية مشابهة لما يحدث في العراق، حيث لا أحد بمنأى عن التفجيرات لكن تبين أنها أخذت “أكثر من حجمها من التصريحات والبيانات بعد اكتشاف أنها عملية عرضية”، بحسب قوله.

بوزيد الذي استند في كلامه إلى ما خلصت إليه  الرواية الرسمية الصادرة عن رئاسة الأركان، بأن ما حصل ليس عملاً إرهابياً بل انفجار عرضي لسيارة كانت تحمل مواد متفجرة أثناء مرورها قرب المستشفى، لم يستبعد أن تكون السيارة متجهة للتفجير في مكان أخر، خاصة بعد “القبض على شخص من أصول موريتانية كان يحاول تفجير سيارة في اليوم نفسه”.

و أرجع بوزيد أسباب التدهور الأمني الحاصل في المدينة إلى تنامي ظاهرة الحركات الإسلامية المتشددة، التي لا ترغب في قيام دولة مؤسسات وقانون وترى في العمل مع الحكومة “كفراً”.

وأضاف “المنطقة الشرقية وخاصة مدينتا بنغازي ودرنة عانت من طغيان الأجهزة الأمنية (فترة نظام القذافي)، لذلك لا ترغب هذه الجماعات في المدينتين بقيام الدولة وإجراء عملية القصاص عبر المحاكم، لأنها تعرف خصومها ولا تصبر حتى قيام الدولة، بل تستهدفهم مباشرة، لذلك نرى الاغتيالات في المدينتين تتركز في ضباط الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة”.

حبر على ورق

“القوة الأمنية المشتركة، المجاهرة بالأمن” هي أسماء لتشكيلات وخطط أمنية وضعت لتأمين المدينة ووضع حد لظاهرة اغتيالات مسؤولي الأمن وضبط الجيش في السابق، لكنها لم تحقق شيئاً على الأرض ما يثير التساؤل حول مدى نجاح القوة الأمنية المشكلة بناءً على القرار رقم 47 في تنفيذ مهامها.

بوزيد أرجع فشل الخطط السابقة إلى غياب أدوات التفعيل التي بدونها تصبح الخطط “مجرد حبر على ورق وقد لا تساوي حتى الحبر الذي كتبت به”.

ويستغرب من تشكيل قوى ولجان أمنية جديدة، في حين أنه قد شكلت قبلها لجان أمنية يجب السؤال عنها ومحاسبتها على ما قدمته.

عرضي أم مقصود؟

فشل الخطط الأمنية الرسمية السابقة جعل بعض الأصوات الغاضبة تدعو عشية الانفجار إلى تدخل الثوار لحماية المدينة، ما أعاد للأذهان مشهد نزول مسلحين لشوارع المدينة في الذكرى الثانية للثورة وتقاضيهم مكافآت تنصلت الجهات الرسمية من علاقتها بها.

رئيس المنظمة الليبية لمكافحة الفساد الدكتور محمد بو قعيقيص اعتبر هذه الدعوات “إساءة للثورة التي أدت دورها قبل انتخابات المؤتمر الوطني في 7 تموز/ يوليو الماضي”.

بو قعيقيص أوضح “المرحلة الآن مرحلة مدنية ودور الثوار حماية الثورة من السرقة ومراقبتها من بعيد، بينما تسير الأجهزة الرسمية والمؤتمر الوطني شؤون الدولة وتتولى الشرطة والجيش حماية مدينة بنغازي”.

بو قعيقيص لم يقبل بالرواية الرسمية التي تتبنى فرضية الانفجار العرضي وغير المقصود للسيارة، بل استغرب عدم الربط بين هذا الحادث وبين ما سبقه من تفجيرات خلال نفس الأسبوع لمراكز شرطة المدينة ورأس عبيدة والحدائق و قاريونس ومقر البحث الجنائي.

وتساءل “إذا كان هذا التفجير عرضياً فهل التفجيرات الخمسة التي سبقته خلال أسبوع عرضية أيضاً أم مقصودة؟”.

وضع ضبابي

وفي حين جاء الكشف عن سبب انفجار الجلاء مبكراً فإن ما سبقه من اغتيالات وتفجيرات لفها الغموض ولم تتضح بعد نتائجها ما جعل – بحسب بو قعيقيص – الوضع “ضبابياً وفتح المجال للتحليلات والتخمينات”.

وأوضح “البعض يقول إنهم الإخوان والبعض الأخر يقول إنها التيارات الإسلامية والبعض يرى أنها الحكومة، لكن المستفيد من زعزعة الأمن وعدم الاستقرار ونجاح الثورة هو من يقف وراء التفجيرات”.

وشدد “بنغازي والمنطقة الشرقية مستهدفة لزعزعة أمنها لأنها شرارة الثورة، ما يجعل الثورة في خطر من خلال هذه الاختراقات التي تؤثر على الرأي العام والخاص، وتجعل البلد غير مستقر أمنياً واجتماعياً وسياسياً”.

إنقاذ بنغازي

من جهته رأى المحلل السياسي أنس الفيتوري أن الوضع الأمني في المدينة تعثر بعد جمعة إنقاذ بنغازي (21 أيلول/ سبتمبر الماضي)، “التي تم فيها استهداف كتائب كان لها دور في الثورة وفي تامين المدينة، ككتيبة راف الله السحاتي التي حمى أفرادها صناديق انتخابات المؤتمر الوطني في 7 تموز/ يوليو الماضي”.

الفيتوري أوضح “صحيح أن الأجهزة لم تكن مؤطرة بشكل مؤسسي لكن كان هناك مستوى معين من الأمن وبعد جمعة إنقاذ بنغازي بدأت العملية الأمنية في التدهور”.

الفيتوري ربط بين ما يحصل من تجاذبات سياسية وبين التفجيرات قائلاً “بعد إقرار العزل السياسي حصلت تفجيرات لمراكز شرطة في أوقات متأخرة من الليل، ولم يحصل فيها أضرار لكن كان وراءها رسائل سياسية”.

وأضاف “بنغازي لها خصوصيتها السياسية ولا يمكن فصل الجانب الأمني عن الجانب السياسي داخلها، فهناك مجموعات تسعى لفرض استبعاد الثوار من المشهد السياسي وحل جميع كتائب الثوار وإرجاع أجهزة الشرطة التي كانت موجودة إبان فترة القذافي، وهذا الصراع السياسي في بنغازي انعكس سلباً على وضعها الأمني”.

رأي الفيتوري والآخرين يبقى في إطار التحليلات والاستنتاجات، طالما لم تقم الجهات الرسمية بإعلان القصة الكاملة وتحديد الجناة وتقديمهم للعدالة، أو على الأقل إظهار أدلة تدعم قولها بأن التفجير كان حادث قضاء وقدر.