الوضع الأمني المتردي داخل مستشفيات مدينة طرابلس بات هاجساً يؤرق العاملين فيها ويعيق عملهم، وذلك بعد تكرار حالات التعدي على الكوادر الطبية والمرضى على حد سواء، ما دفع العاملين بالقطاع الطبي والتنظيمات النقابية إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر وزارة الصحة.

 الوضع الأمني المتردي داخل مستشفيات مدينة طرابلس بات هاجساً يؤرق العاملين فيها ويعيق عملهم، وذلك بعد تكرار حالات التعدي على الكوادر الطبية والمرضى على حد سواء، ما دفع العاملين بالقطاع الطبي والتنظيمات النقابية إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر وزارة الصحة.

هذا التحرك النقابي لقي ردود فعل تجاوزت البيانات الحكومية، فالمحتجون الذين طالبوا وزير الصحة بضرورة العمل العاجل مع وزارتي الداخلية والعدل لتوفير الحماية اللازمة للمؤسسات الصحية ومنع دخول المُسلحين إليها، حظوا بزيارة من وكيل وزارة الداخلية عمر الخذراوي، وهي سابقة غير معتادة. وذلك بعد أن أصدروا بياناً لخصوا فيه مطالبهم بـ”خلق بيئة آمنة تُساعد في أداء العمل”، ومراجعة قانون المسؤولية الطبية بما “يكفل حقوق المريض والطبيب على حدٍ سواء وبما يتناسب ومستوى الإمكانيات المُتاحة في البلاد” بحسب البيان الصادر عنهم.

الأطباء العاملون في مستشفى شارع الزاوية بطرابلس نفذوا هم أيضا وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين “الوضع الأمني السيء” داخل المستشفيات والمرافق الصحية في طرابلس، والتعبير عن استنكارهم لجريمة القتل التي حدثت في مستشفى أبو سليم للحوادث بطرابلس، عندما أقدم مسلحون على قتل نزيل في غرفة الإنعاش ثأراً لمقتل قريب لهم.

وعود حكومية

رئيس العلاقات العامة لنقابة أطباء طرابلس د. وائل القذافي قال في تصريح لـ “مراسلون” إن وقفتين تم تنظيمهما خلال شهر نيسان/أبريل، حرص الأطباء فيهما ألا يعطل حراكهم عمل المستشفيات، بحيث تستمر في تقديم الخدمات اليومية للمواطن الليبي.

بينما قال المنسق الإعلامي المكلف بمتابعة الوقفة محسن البواروي أن وكيل وزارة الداخلية عمر الخذراوي التقى بالأطباء في الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل، ووعد بتقديم سبع حلول خلال فترة لن تتجاوز أسبوعين، إلا أنه لم يفِ بوعوده.

وأردف البواروي أن الحلول السبعة تتمثل في سحب العناصر المسلحة من داخل المرافق الصحية والمستشفيات، وتفعيل نقاط الشرطة والأمن داخل المستشفيات، واستحداث جهاز جديد لحماية المنشآت الصحية، وتقديم المشورة الفنية في تجهيز أجهزة المراقبة للمستشفيات.

كذلك تعهد الخذراوي بملاحقة الجناة ذوي السوابق ممن تورطوا في اقتحام المستشفيات والاعتداء على المرضى والأطباء والعاملين بالمرافق الصحية في كلِّ من بنغازي وطرابلس وبقية المدن الليبية، ومتابعة حالات القتل والاعتداء الجنسي التي تمت مؤخراً مع كشف آخر ما وصل إليه التحقيق وتقديم الفاعل للعدالة.

اغتصاب مريضة

ناقوس الخطر دقه الأطباء بعد إقدام حارس أمني ينتمي لتشكيل مسلح مكلف بمهام الحماية بمركز طرابلس الطبي منتصف كانون ثان/ يناير الماضي، على اغتصاب فتاة مصابة بنزيف حاد في الدماغ على سريرها في غرفة العناية المركزة، ما أدى إلى وفاتها.

الجاني لم يكتفي بذلك بل طرد بقوة السلاح ممرضاً فلبينياً دخل غرفة العناية أثناء حدوث الواقعة، فما كان من الممرض إلا أن كتب تقريراً بلغ من خلاله عن الحادثة، وساعد في القبض على الفاعل الذي يقبع في الحبس اليوم على ذمة التحقيق.

شجب واستنكار

هذه الاعتداء، وقبله حوادث أخرى، لم يلقَ من وزارة الصحة رداً سوى إصدار بيان دعت فيه “المؤسسات الرسمية والمنظمات والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني إلى تحمل مسؤوليتها أمام ظاهرة اقتحام المستشفيات المُتنامية، ووضع حد لها”، بحسب بيان الوزارة.

وفضلاً عن الاستنكار الوارد في البيان، طالبت الوزارة الشباب “بتحكيم لغة العقل” في مثل هذه الأزمات، والابتعاد عن “إراقة مزيد من الدماء التي يحتاجها الوطن في هذه المرحلة الحساسة”، على حد تعبيرها.

أما وزير الصحة الدكتور نور الدين دغمان فقد قال خلال مؤتمر صحفي عقدته الحكومةأن “الاعتداءات السافرة على الأطقم الطبية والمرضى داخل المستشفيات تؤثر سلباً على سير الخدمات الصحية”، وأن “المؤسسات الطبية هي مؤسسات مدنية صرفة وإنسانية وحتى في الحروب لا تُمَس”.

الوزير وصف الوضع داخل المستشفيات بـ”الشائك والسيء جداً”، وشدد على أهمية دور وزارة الداخلية في تأمين وحماية المستشفيات.

إلا أن البوراوي تحدث عن تصريحات مؤكدة نُقلت عن رئيس الوزراء علي زيدان تفيد بأن تعديلاً وزارياً سيصدر قريباً سيتم بموجبه إعفاء وزير الصحة من مهامه، ليتولى مسؤولية هذا القطاع المعقدة والشائكة جداً وزير جديد قد يحقق إنجازاً أفضل من سابقيه.

لازالت تحدث

مدير إدارة الإعلام والتوعية والتثقيف الصحي بوزارة الصحة عمار محمد عمار قال في تصريح لـ “مراسلون” أن الوزارة ممثلة في وزيرها اجتمعت مرات عدة مع نقابات الأطباء ومدراء المستشفيات والأطباء لمناقشة أوضاع المستشفيات من الناحية الأمنية.

عمار أضاف “خاطبنا وزارة الداخلية عبر مذكرات رسمية للاستعانة بعناصر من الأمن لحماية المستشفيات، لكنها اكتفت بالوعود فقط، أما على أرض الواقع فلا يوجد أي تقدم و الاعتداءات لازالت تحدث”.

يقول البوراوي “كتيبة النواصي كانت تحمي مستشفى طرابلس المركزي ولكنها انسحبت ولا نعرف السبب”، ويستنكر في حديثه أن لا تقوم الداخلية بتكليف أية جهة أخرى للقيام بالمهمة بعد أن سحبت النواصي، خاصة وأنه – بحسب روايته – تكون الأمور أفضل نسبياً مع وجود حماية.

كتائب للحماية

وكان مصدر موثوق من وزارة الداخلية طلب عدم ذكر اسمه قد أكد لـ “مراسلون” أن وزارته بصدد التفاوض مع عدد من الكتائب الأمنية التابعة للوزارة لتولي مهمة تامين المستشفيات، إلا أن الكتائب ترفض هذه المهمة خوفاً من وقوع مواجهات مع التشكيلات المسلحة التي عادة ما تقوم بهذه الاعتداءات.

وذكر المصدر أن مستشفيات الاستقلال (الخضراء سابقاً)، ومستشفى أبو سليم للحوادث يخضعان لحراسة المجلس العسكري أبو سليم، فيما يخضع المركز الطبي للتأمين من قبل غرفة تأمين العاصمة بشكل مؤقت، ولا يزال مركز طرابلس الطبي دون حماية بعدانسحاب كتيبة النواصي.

الاستعانة بالكتائب المسلحة تبدو حلاً لا بد منه في طرابلس اليوم، حيث تكتفي وزارة العدل بالمتابعة من بعيد، ومديرية الأمن الوطني وعدد من الضباط المسؤولين لا يعرضون في اجتماعهم مع مدير مستشفى أبو سليم الذي وقعت فيه جريمة القتل سوى عبارات من قبيل “التعاون في سبيل رد الأمن داخل المستشفى”، و” العمل على حماية الأطقم الطبية من أي اعتداءات”.

إلا أن هذه الاستعانة تظل في نظر الأطباء المعتصمين مؤشراً على ضعف أداء الجهات المسؤولة عن الأمن، وعجزاً عن تقديم أي حلول حيال هذه الجرائم التي تقع باستمرار، وهو ما دفع الأطباء للخروج في اعتصامهم المفتوح حتى تتحقق مطالبهم.