عامان على رحيل محمد البوعزيزي، الذي أشعل شرارة الثورة التونسية وغيّر خارطة المنطقة برمتها، من خلال أحداث انتقلت إلى دول عربية أخرى فيما بات يعرف عالمياً بـ”الربيع العربي”. ففي 17 ديسمبر/كانون أول 2010 رحل البوعزيزي مخلفاً وراءه واقعاً تونسياً جديداً. 

والدة البوعزيزي، منوبية البوعزيزي، تحدثت مع موقع “مراسلون” عن حياتها، التي تغيرت رأسا على عقب منذ تلك الحادثة. وعن الثورة والشهداء وعن المستقبل أيضا. وفي ما يلي نص الحوار.

عامان على رحيل محمد البوعزيزي، الذي أشعل شرارة الثورة التونسية وغيّر خارطة المنطقة برمتها، من خلال أحداث انتقلت إلى دول عربية أخرى فيما بات يعرف عالمياً بـ”الربيع العربي”. ففي 17 ديسمبر/كانون أول 2010 رحل البوعزيزي مخلفاً وراءه واقعاً تونسياً جديداً. 

والدة البوعزيزي، منوبية البوعزيزي، تحدثت مع موقع “مراسلون” عن حياتها، التي تغيرت رأسا على عقب منذ تلك الحادثة. وعن الثورة والشهداء وعن المستقبل أيضا. وفي ما يلي نص الحوار.

س-  بعد مرور سنتين على حادثة إشعال ابنك محمد البوعزيزي النار بنفسه وإشعال شرارة الثورة التونسية. كيف تنظرين إلى الثورة اليوم، هل حققت أهدافها؟

ج- لقد أعلنها الشعب التونسي منذ البداية أنها ثورة على الظلم، فتخلى عن خوفه من الحاكم الجلاد وتمرد على واقعه الاجتماعي والمادي الأليم. لقد تحققت الخطوة الأولى بسقوط النظام السابق وهروب الرئيس المخلوع (زين العابدين بن علي). لكن للأسف بقيت تلك الخطوة يتيمة ولم يحصل أي تقدم في مسار الثورة. لقد توقف قطار الثورة في محطته الأولى، وهو ينتظر منذ سنتين صافرة الانطلاق. 

لقد ضحى ابني بحياته كسائر الشهداء من أجل تحقيق الحياة الكريمة، التي يتوفر فيه العمل والحرية، لكن ما حدث هو تقهقر إلى الوارء. ارتفعت الأسعار وكذلك معدلات البطالة، وتواصل التهميش و”الحقرة” (الاحتقار) في المناطق المحرومة التي بدأت فيها شرارة الثورة.

س- هل ما زال لمحمد البوعزيزي ذلك البعد الرمزي الذي جعله بطلاً وشهيداً لدى الجميع في الأيام الأولى للثورة التونسية؟

ج- (تتنهد بعمق)، لقد عاش ابني محروماً ومات مظلوماً، ولم يكتب له – سواء في حياته أو بعد مماته – أن يتمتع ولو ببعض الراحة والأمان. لقد تجاهل الجميع تلك الحادثة، وتحول ابني لدى البعض من قائد لثورة شعبية عارمة إلى متسبب في انحراف الوضع في البلاد. لقد صدمت كثيرا عندما استمعت لبعض التصريحات أو الأحاديث التي تعتبر أن فلذة كبدي كان السبب في تدهور الأوضاع المادية والاجتماعية في تونس.

اليأس والإحباط يدفع البعض إلى تشويه صورة ابني ووصفه بأبشع النعوت. فهم يعتقدون أنه قلبَ وضع البلاد رأس على عقب، وقد ساهم الحكام الجدد وما جنوه على الناس من تحطيم أحلامهم في ترسيخ هذه الفكرة.

لقد ظلم محمد كثيراً، وطوى ذكراه الطيبة النسيان ولم يعد أحد يهتم بتلك الحادثة، لكن محمداً سيبقى دوماً رمزا لهذه الثورة التونسية وسيخلده التاريخ.

س- لكن أهالي سيدي بوزيد يحتفلون اليوم بالذكرى الثانية لمشعل الثورة التونسية؟

ج- شكرا لكل أهالي سيدي بوزيد. وشكراً لكل من لم ينس محمد البوعزيزي، هذا عزائي الوحيد في الدنيا. ولعل هذه الاحتفالية التي تجرى سنوياً هي أفضل تعويض لذكرى المرحوم، وفي هذا الاحتفال تصحيح لمسار وتأريخ الثورة التي انطلقت يوم 17 ديسمبر/كانون الأول  وليس يوم 14 يناير/كانون الثاني. كل البلدان التي شهدت ثورة تؤرخ بيوم بدياتها إلا نحن في تونس نؤرخ بيوم فرار الرئيس السابق، إن في ذلك إهانة لكل من ضحى بحياته وجُرح وانتفض ضد سياسة النظام السابق.

س- ماذا كسبت عائلة البوعزيزي من هذه الشهرة التي تركها محمد بإشعاله شرارة الثورة؟

ج- لم نكسب سوى تعاطف الناس وتضامنهم معنا ومشاركتهم لنا الشعور بحجم المعاناة، والألم الذي نشعر به بفقدان عزيز علينا ضحى بحياته في سبيل هذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعا.

س- ماذا عن المكاسب المادية والتعويضات التي تلقيتموها؟

ج- عن أي تعويضات أو كسب يتحدثون. لم تتلق عائلة البوعزيزي من التعويضات سوى 20 ألف دينار (حوالي 15 ألف دولار) كسائر عائلات أغلب الشهداء، وبخلاف ذلك لم نتلق أي دعم أو تعويض. نحن لسنا مطالبين بتعويض مادي لفقدان “الشهيد”، ولم نذهب إلى عتبات المسؤولين لنستجدي صدقة أو حسنة منهم. سامح الله كل من تسبب في أذيتنا معنوياً بإطلاقه الشائعات التي تتحدث عن الثراء الفاحش الذي أصبحت تعيشه عائلة البوعزيزي. تخيلوا أن بعض الألسن الخبيثة تحدثت عن تلقينا لمنحة من رئيس منظمة الأمم المتحدة بان كي مون. أقسم أننا لم نتحصل على أي مليم يفوق مبلغ العشرين ألف دينار. ونحن لا نريد تمييزاً عن باقي عائلات بالشهداء.

س- ألهذه الدرجة لم يتحسن وضعكم الاجتماعي، رغم تعاقب الحكومات والوعود العديدة التي تلقتها عائلة البوعزيزي؟

ج- كلام الساسة هو مجرد لغو ويندرج دوماً ضمن الوعود الانتخابية والحسابات الحزبية الضيقة. لكن ما يحصل في الكواليس والخفاء هو العكس بعينه. أريد أن أقول إن البوعزيزي مات مظلوماً، واليوم يموت من جديد جراء تهافت السياسيين على خدمة مصالحهم الشخصية على حساب عائلات الشهداء، فكم من وعد تلقيناه، وكم من كلام معسول سمعناه؛ ولكن أصل الحكاية مجرد تلاعب بالألفاظ والمشاعر. مات ابني كمداً بعد أن أعياه الظلم والقهر والفقر، واليوم يموت من جديد، لأنه لم يلقَ سوى الإهمال والتشويه. أما عائلته فلا منصف لها سوى الله.

س- هل تعتقدين أن الحكومة الحالية بقيادة حزب النهضة قادرة على الخروج بالبلاد من النفق المظلم؟

ج- لا أدري ماذا أقول، ولكن الواقع الحالي الذي يعيشه التونسيون يدعو إلى التشاؤم. على الحكومة أن تغير ساستها من خلال تقليص الوعود، وزيادة قول الحقيقة ومصارحة الشعب. إن الأوضاع المعيشية الصعبة والتوتر السائد في العديد من الجهات المحرومة لا تواجهه حكومة النهضة إلا بالوعود. وأعتقد أن حكومة لم تكرم الشهداء فلا خير يرجى منها.

س- إذن لهذا السبب اخترت الانتماء لحزب نداء تونس المعارض؟

ج-  (بتهكم واستغراب) أنا لا أعرف نداء تونس أو أي نداء آخر، انتمائي لهذا الوطن فحسب دون أي تحزب.