بدأت حكاية منير أصيل محافظة سيدي بوزيد (جنوب) عندما انقطع مبكرا عن الدراسة بسن السادسة عشرة فأصبح يتسكع في الشوارع حتى أصبح منحرفا متخصصا في السرقة والنشل في وسائل النقل العمومي.

لم يستطع هذا الشاب العاطل عن العمل أن ينجو بفعلته فقد كان معروفا لدى رجال الأمن وكان يقع في قبضتهم ويحال كل مرة على السجن بتهمة السرقة. وفي عام 2006 حكم عليه بسبع أعوام نافذة بتهمة السرقة.

أثناء تلك العقوبة تنقل منير بين عدد من السجون من بينها سجن الناظور في محافظة بنزرت (شمال) حيث انقلبت حياته رأسا على عقب بعدما جمعه القدر بأحد أصدقائه كان قد سجن بتهمة الانتماء لتنظيم متشدد.

صديق الطفولة

يقول منير لمراسلون “في سنة 2013 جمعني القدر داخل السجن بأحد أصدقاء الحي الذي ترعرعت فيه، لقد كنت سعيدا لأنه كان أنيسي ثم اكتشفت من حديثه بأنه كان مسجونا بتهمة الانتماء إلى تيار متشدد”.

في البداية لم يكن منير مرتاح البال من مقابلة صديق طفولته فهو يعلم جيدا أن إدارة السجن “تتجسس” داخل السجن على حركات المساجين المنتمين للتيار المتشدد، ومع ذلك فقد كان مبهرا لفصاحة لسان صديقه.

توطدت علاقة منير بصديق طفولته من دون علم إدارة السجن، فقد كان بالنسبة إليه الطريق الذي يبحث عنه للخروج من حياة السرقة والنشل والعنف نحو حياة جديدة تبشر المقاتلين في سبيل الله بجنة النعيم.

لم تدم فترة التقاء الرجلين داخل السجن سوى بضعة أشهر لكنها كانت كافية بالنسبة إلى صديقه ليمرر دعوته بينما كان منير في تلك الفترة يصغي باهتمام لما يرويه له من قصص وأحاديث ونصوص قرآنية تدعو للجهاد.

بعد انتهاء فترة محكوميته أصبح منير يرغب في التكفير عن ذنوبه السابقة وإثبات توبته النصوح متأثرا بالكلام الذي تلقاه من صديق الأمس الذي طالما ردد له بأن “طريق الهداية يتأتى من خلال الجهاد في سبيل الله”.

التكفير عن الذنب

بعد خروجه من السجن لاحظ أفراد عائلته وأصدقاء حيه تغير سلوكه من فتى مشاكس عرف عنه شرب الخمر والسرقة والبلطجة إلى شخص متدين يلتزم بأداء فرائض الصلاة في أوقاتها ومنعزل عن وسطه الاجتماعي.

يقول منير لمراسلون إنه كان بصدد اكتشاف نفسه من جديد بعد خروجه من السجن بينما كان صدى صوت صديقه يقرع دماغه بآيات الجهاد والحديث بإطناب عن الخلافة الإسلامية والتهجم على حكم “الطاغوت”.

قبل أن يخرج منير من السجن طلب منه صديقه أن يتصل بأشخاص يعرفهم يقطنون في محافظة سيدي بوزيد الجنوبية من أجل الانضمام إلى خليتهم ومن ثمة التخطيط للسفر سرا عبر الحدود الليبية إلى تركيا ثم إلى سوريا.

وعادة ما يتجه الشبان التونسيون الذي تم استقطابهم في صفوف تنظيم الدولة أو التنظيمات المتشددة الأخرى أولا إلى ليبيا كمحطة أولى ثم يقع توجيههم فيما بعد إلى إسطنبول ثم تمريرهم خلسة عبر الحدود السورية.

فكر منير مليا قبل أن يتجه بقدميه إلى مجموعة من الشبان القاطنين بإحدى الأحياء المتاخمة لمحافظة سيدي بوزيد من أجل الحديث معهم عن رغبته في السفر إلى سوريا للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية.

كان الأمر بالنسبة إلى منير بمثابة القفز في المجهول لكنه مع ذلك كان متشوقا لتحقيق حلمه والتكفير عن ذنوبه السابقة والجهاد ضد حكم “الطاغوت” من أجل إقامة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية.

وبناء على نصيحة رفيقه السابق في السجن فإن منير حرص على أن يكون مخطط سفره إلى سوريا أمرا سريا للغاية إذ لم يبلغ أي أحد من أفراد عائلته أنه سيغادر تونس باتجاه ليبيا مع ثلة من الشبان الآخرين.

حادث سير

جاء يوم السفر الموعود واستقل منير سيارة أجرة باتجاه محافظة قابس ثم محافظة تطاوين ومنها إلى مدينة “الذهبية” الواقعة جنوبا على الحدود التونسية الليبية حيث من المبرمج أن يتلقي بجماعة ستوصله إلى ليبيا.

لكن القدر الذي جمعه بصديق الطفولة في السجن، جعله هذه المرة يتعرض لحادث سير قبل الوصول إلى قابس فرض عليه الإقامة في المستشفى لعدة أيام وهو ما حتم عليه إعلام عائلته التي تفطنت لاحقا لمخططه.

تعرض منير إلى إصابة بالغة في جسمه بسبب الحادث لكنه استفاق على ذعر عائلته وخوفها عليه من أن يكون وقودا لمعركة لا ناقة له فيها ولا جمل، راح فيها المئات من الشباب التونسي قتلى في الحرب الطاحنة بسوريا.

بعد عناء طويل استطاعت والدة منير المسنة عن طريق أسلوب الترغيب في الحياة والتهديد بفضح ابنها لدى الأمن أن تؤثر عليه وتقنعه بمواصلة حياته الطبيعية وأن يتخلى نهائيا عن فكرة الانضمام إلى التيار المتشدد.

واليوم يتابع منير حياته عادية بعدما تابع نشرات الأخبار وصدم بالعمليات الإرهابية التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء. يقول لمراسلون “الحمد لله الذي أنقذني من هذا البلاء لقد كدت أن أكون إرهابيا”.